أمّا الجماعة : فقد استدل لوجوب الاذان فيها بعدّة أخبار .
إحداها : رواية أبي بصير عن أحدهما (عليه السلام) قال : «سألته ايجزئ أذان واحد ؟ قال : إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة»(3) .
الثانية : موثقة عمار قال : «سئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده ، فيجيء رجل آخر فيقول له : نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الاذان والاقامة ؟ قال : لا ، ولكن يؤذّن ويقيم»(4) . وقد رواها المشايخ الثلاثة(5) بطرق كلها معتبرة .
الثالثة : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال :
ـــــــــــــــ (3) الوسائل 5 : 388 / أبواب الأذان والاقامة ب 7 ح 1 .
(4) الوسائل 5 : 432/ أبواب الأذان والاقامة ب 27 ح 1 .
(5) الكافي 3 : 304 / 13 ، الفقيه 1 : 258 / 1168 ، التهذيب 2 : 277 / 1101 .
ــ[228]ــ
يجزِئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان»(1) دلت بالمفهوم على عدم الإجزاء إذا لم يصلّ في بيته وحده ، الظاهر في إرادة الجماعة .
الرابعة : موثقة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن»(2) . والتقريب ما مرّ .
والجواب : أمّا عن الرواية الأخيرة فانّها حكاية فعل مجمل العنوان لا دلالة فيه على الوجوب ، فغايته أنّه (عليه السلام) كان إذا صلى خارج البيت جماعة كان يؤذّن ، وأمّا أنّ ذلك كان على سبيل الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة فيها على شيء منهما .
وأمّا الرواية الاُولى ، فهي ضعيفة السند ولا أقل بعلي بن أبي حمزة ، فلا يعتمد عليها .
وأمّا الرواية الثانية : فلا قائل بوجوب العمل بها حتى في موردها ، فانّ ظاهرها أنّ الجائي يستدعي الاقتداء خلف من أذّن وأقام ، ولا ريب في عدم وجوب إعادة الأذان حينئذ حتى من القائلين بوجوبه في الجماعة ، لعدم اعتبار قصد الامامة في الأذان والاقامة بالضرورة ، فهي محمولة على الاستحباب قطعاً .
والعمدة إنما هي الرواية الثالثة الدالة بالمفهوم على عدم الاجتزاء بالاقامة وحدها في الجماعة ، وأنّه لا يجزئ فيها إلا الاقتران بينها وبين الأذان .
ويمكن الذبّ عنها : بابتناء الاستدلال على أن يكون المراد بالمجزأ عنه هو الأمر الوجوبي المتعلق بالأذان والاقامة ، أو المتعلق بالصلاة ـ لو اُريد به الوجوب الشرطي ـ وهو أوّل الكلام ، ومن الجائز أن يراد به الأمر الاستحبابي المتعلق بهما ، فيكون حاصل المعنى أنّه يجتزئ عن ذاك الأمر الاستحبابي باقامة واحدة لو صلى منفرداً ، فيتحقق الامتثال ويثاب عليهما إرفاقاً وتسهيلا بمجرد الاقامة . وأمّا عند الجماعة فلا يتحقق امتثال الأمر الاستحبابي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 5 : 384/ أبواب الأذان والاقامة ب 5 ح 4 ، 6 .
ــ[229]ــ
ولا يجزئ عنه إلا الاتيان بالأذان والإقامة معاً ، ولا دلالة في الصحيحة على تعيّن شيء من الاحتمالين ، فلا يستفاد منها أكثر من الاستحباب .
هذا ، ومع الغض وتسليم دلالة الأخبار المتقدمة على الوجوب ، فيكفي في رفع اليد عنه ما دل على عدم الوجوب في مورد الجماعة المقتضي للزوم الحمل على الاستحباب جمعاً ، كموثقة الحسن بن زياد قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة»(1) فان القدر المتيقن من موردها الجماعة كما لا يخفى .
ونحوها صحيحة علي بن رئاب قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا إقامة بغير أذان ؟ قال (عليه السلام) نعم»(2) ومعلوم أنّ موردها الجماعة . ــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 5 : 385 / أبواب الأذان والاقامة ب 5 ح 8 ، 10 .
|