ــ[252]ــ
ويشرط في أذان الصلاة كالاقامة قصد القربة ، بخلاف أذان الاعلام فانه لا يعتبر فيه ، ويعتبر أن يكون أوّل الوقت ، وأما أذان الصلاة فمتصل بها وإن كان في آخر الوقت (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الطرفين ثبوت الاستحباب في كلتا الصورتين .
(1) وأمّا الجهة الثانية ، فقد ذكر في المتن الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : اعتبار قصد القربة في أذان الصلاة دون الاعلام ، فالأوّل عبادي دون الثاني .
أما الاعتبار في الأوّل ، فلم ينهض عليه دليل لفظي . نعم ، بالاضافة إلى الاقامة يمكن الاستئناس له بالنصوص المتقدمة(1) الناطقة بأنّ الاقامة من الصلاة ، وأنّ الداخل فيها بمثابة الداخل في الصلاة ، بدعوى أنّ مقتضى عموم التنزيل ترتيب جميع الأحكام التي منها كونها عبادية .
وأمّا الأذان ، فالنصوص الواردة فيه عارية حتى عن مثل هذا اللسان ، إلا أنّ الصحيح مع ذلك اعتباره فيه ، لأنّه المتسالم عليه بين الفقهاء ، بل المرتكز في أذهان المتشرعة ، فانّهم يرونه ـ بلا ريب ـ عملا قربيّاً عبادياً كسائر أجزاء الصلاة ، فلا ينبغي التأمل في ذلك .
وأما عدم الاعتبار في الثاني ، فلانّ الغاية من تشريعه هو الاعلام الحاصل بدون قصد التقرب أيضاً ، ومع الشك فالمرجع إطلاق الدليل بعد إمكان التقييد به وإن أنكره صاحب الكفاية حسبما فصّلنا البحث حوله في الاُصول(2) .
ومع الغض عن الاطلاق فالمرجع الأصل العملي ، أعني استصحاب عدم الجعل ، فانّه أمر حادث مسبوق بالعدم ، والمتيقن منه تعلقه بطبيعة الأذان . وأمّا جعل التقييد بقصد القربة زائداً على ذلك لتنتزع منه الشرطية فهو مشكوك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 235 .
(2) محاضرات في اصول الفقه 2 : 155 .
ــ[253]ــ
وفصول الأذان ثمانية عشر(1) الله أكبر أربع مرّات ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ، وحيّ على الصلاة ، وحي على الفلاح ، وحيّ على خير العمل ، والله أكبر ، ولا إله إلا الله ، كل واحدة مرّتان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدفوع بالأصل(1) .
وأمّا التمسك بأصالة البراءة فلا مجال له ، لا العقلية لعدم احتمال العقاب بعد فرض الاستحباب ، ولا الشرعية إذ المرفوع فيما لا يعلمون هو ايجاب الاحتياط غير المحتمل(2) في المقام ، واستحبابه ثابت على كل حال ، فلا معنى لرفعه . وتمام الكلام في محله .
ثانيهما : اختصاص أذان الاعلام بأوّل الوقت ، ووجهه ظاهر ، فانّه شرّع للاعلام بدخوله فلا مقتضي لاستحبابه بعد انقضائه ، كما لا مقتضي له قبل دخوله إلا في أذان الفجر ، حيث لا يبعد جواز تقديمه على الفجر للايقاظ والتهيؤ كما سيجيء البحث عنه(3) .
وأمّا أذان الصلاة ، فلاجل أنّه متصل بها فهو من توابعها ومقارناتها ، فلا جرم يمتد وقته حسب امتداد وقت الصلاة فيستحب حتى في آخر الوقت .
(1) اجماعاً كما ادعاه غير واحد ، وقد دلت عليه طائفة من الأخبار نقتصر على المعتبرة منها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يخفى أنّ كلا من الاطلاق والتقييد ، أعني لحاظ الطبيعة بنحو بشرط شيء ولحاظها بنحو اللا بشرط القسمي أمر وجودي وحادث مسبوق بالعدم ، وأصالة عدم تعلق الجعل بكل منهما معارض بأصالة عدم تعلقه بالآخر ، ومن ثم التجأ (دام ظله) في مبحث الاقل والأكثر [في مصباح الاُصول 2 : 429] إلى التمسك بأصالة البراءة عن التقييد ، السليمة عن المعارضة بأصالة البراءة عن الاطلاق كما لا يخفى .
(2) نعم ، ولكنّ الوجوب الشرطي محتمل فيمكن دفعه بأصالة البراءة الشرعية كما صرح (دام ظله) بذلك في الاُصول . لاحظ الدراسات 3 : 246 .
(3) في ص 338 .
ــ[254]ــ
فمنها : ما رواه الكليني باسناده عن إسماعيل الجعفي قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الأذان والاقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً ، الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والاقامة سبعة عشر حرفاً»(1) .
وقد تقدم قريباً(2) نبذ من الكلام حول إسماعيل الجعفي الذي هو مردد بين ابن جابر وابن عبد الرحمن وابن عبد الخالق ، حيث إنّه يطلق على كل واحد من هؤلاء الثلاثة كما يظهر من مشيخة الفقيه ، ولم يعلم المراد منهم في المقام بعد أن كان الراوي عنه أبان بن عثمان الذي هو من أصحاب الصادق (عليه السلام) . نعم ، لو صدرت الرواية بعد زمانه (عليه السلام) لتعيّن إرادة الأوّل لموت الأخيرين في زمان حياته (عليه السلام) ولكنّها وردت عن الباقر (عليه السلام) ، فلا معيّن في البين .
غير أنّ من المطمأن به أنّ المراد به هو الأوّل ، لما ذكره النجاشي من أنّه هو الذي روى حديث الأذان(3) .
وكيف ما كان ، فهو معتبر على كل تقدير ، إذ الأوّل قد وثّقه الشيخ في رجاله كما سبق(4) ، والأخيران بين موثوق وممدوح . فالرواية إذن معتبرة السند .
وأمّا من حيث الدلالة ، فهي وإن كانت مجملة حيث لم يبيّن فيها الكيفية إلا على سبيل الاشارة والاجمال وأنّها ثمانية عشر حرفاً ، إلا أنّ السيرة العملية والتعارف الخارجي يكشفان القناع عن هذا الاجمال بعد انطباق العدد على عملهم من الاتيان بالتكبيرات أربعاً وبباقي الفصول مثنى مثنى .
ومنها : موثقة المعلى بن خنيس(5) المتضمنة لذكر الفصول الثمانية عشر على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 413/ أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 1 ، الكافي 3 : 302/3 .
(2) في ص 245 .
(3) رجال النجاشي : 32/71 .
(4) في ص 246 .
(5) الوسائل 5 : 415/ أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 6 .
ــ[255]ــ
النهج المذكور في المتن . فإنّ الرجل وإن كان فيه كلام ولكنه موثق على الأظهر .
ومنها : ما رواه الشيخ باسناده عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1) المشتملة على الكيفية المذكورة في المتن ، ولا غمز في السند إلا من ناحية الرجلين المزبورين ، وهما من رجال كامل الزيارات(2) .
ولكن بازائها روايات اُخرى دلت على أنّ فصول الأذان كلها مثنى مثنى كالاقامة وهي :
صحيحة صفوان الجمّال قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : الأذان مثنى مثنى ، والاقامة مثنى مثنى»(3) .
وصحيحة عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأذان فقال : تقول : الله أكبر الله أكبر» إلى آخر الفصول كلها مثنى مثنى(4) .
وما رواه الشيخ باسناده عن زرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) وقد تضمنت بيان الفصول كما ذكره(5) وقد عبّر عن الأخيرة أيضاً بالصحيحة ، وليس كذلك ، لاشتمال السند على ابن السندي ولم يوثق ، فالعمدة ما عرفت من الصحيحتين .
والجمع العرفي بين الطائفتين يستدعي حمل الطائفة الاُولى على الأفضلية ، لصراحة الثانية في إجزاء مثنى مثنى في عامّة الفصول . أما الاُولى فغايتها الظهور في لزوم الأربع في التكبيرات الاُول ، فتحمل على الندب ، ومن المعلوم أنّ مجرد قيام السيرة العملية على مضمون الاُولى لا يستوجب تعينها ، كيف وربما تجري سيرتهم على ما يقطع بعدم وجوبه كالقنوت ، فلا يستكشف منها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 416/ أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 9 ، التهذيب 2 : 60 / 211 .
(2) ولكنه لا ينفع كما مرّ غير مرّة .
(3) ، (4) الوسائل 5 : 414 / أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 4 ، 5 .
(5) الوسائل 5 : 416/ أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 8 ، التهذيب 2 : 60/210 .
ــ[256]ــ
وفصول الاقامة سبعة عشر(1) : الله أكبر في أوّلها مرّتان ويزيد بعد حيّ على خير العمل قد قامت الصلاة مرّتين ، وينقص من لا إله إلا الله في آخرها مرّة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أزيد من المشروعية دون اللزوم ، هذا .
وربما يظهر من بعض النصوص زيادة الفصول عمّا ذكر . ففي مرسلة النهاية : «أنّها سبعة وثلاثون فصلا ، يضيف إلى ماذكر التكبير مرتين في أوّل الاقامة»(1) .
وفي مرسلته الاُخرى «أنّها ثمانية وثلاثون فصلا ، يضيف إلى ذلك لا إله إلا الله مرّة اُخرى في آخر الاقامة»(2) . وفي مرسلته الثالثة «أنّها اثنان وأربعون فصلا ، يضيف إلى ذلك التكبير في آخر الأذان مرّتين وفي آخر الاقامة مرتين»(3) لكن ضعفها بأجمعها بالارسال يمنع عن الاتكال عليها ، إلا بناءً على قاعدة التسامح أو الاتيان بقصد الرجاء .
(1) اجماعاً كما ادعاه غير واحد بألسنة مختلفة ، غير أنّ النصوص الواردة في المقام لا تشهد بذلك ، ما عدا موثقة إسماعيل الجعفي المتقدمة(4) المتضمنّة أنّ الاقامة سبعة عشر حرفاً بضميمة السيرة الخارجية المفسرة لذلك ، والمبيّنة أنّ نقصها بحرف واحد من حروف الأذان الثمانية عشر هو نتيجة نقص تهليل من الأخير بعد تبديل التكبير مرتين من أوّلها بقول : قد قامت الصلاة مرّتين فيما قبل التكبير من آخرها . وأمّا بقية النصوص فهي مختلفة :
فمنها : ما دل على أنّ الاقامة مثنى مثنى كصحيحة صفوان المتقدمة .
ومنها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 421/ أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 20 ،النهاية : 68 .
(2) الوسائل 5 : 422/ أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 21 ،النهاية : 68 .
(3) الوسائل 5 : 422/ أبواب الأذان والاقامة ب 19 ح 22 ،النهاية : 69 .
(4) في ص 254 .
|