القليل النجس المتمم كرّاً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6919


    القليل المتمم كرّاً

   (1) قد اختلفوا في تطهير الماء النجس القليل على أقوال ثلاثة :

   أحدها : ما ذهب إليه المشهور من أن تتميم القليل النجس كرّاً سواء كان بالماء الطاهر أو النجس لا يوجب طهارته ، بل ينحصر طريق تطهيره باتصاله بالكر أو الجاري أو ما اُلحق بهما وهو المطر .

   وثانيها : ما ذهب إليه السيد (1) وابن حمزة (قدس سرهما) (2) من كفاية تتميمه كرّاً بالماء الطاهر ، وعدم كفاية التتميم بالماء النجس .

   وثالثها : ما ذهب إليه ابن ادريس (قدس سره) من كفاية التتميم كرّاً مطلقاً كان بالماء الطاهر أو النجس (3) . وهذه هي أقوال المسألة :

   والذي ينبغي أن يتكلّم فيه في المقام إنما هو ما ذهب إليه المشهور ، وما اختاره صاحب السرائر (قدس سره) لأ نّا إما أن نقول بعدم كفاية التتميم كرّاً مطلقاً كما التزم به المشهور ، وإما أن نقول بكفاية التتميم كذلك أي مطلقاً كما اختاره ابن ادريس . وأمّا التفصيل بين التتميم بالطاهر والتتميم بالنجس كما هو قول السيد وابن حمزة (قدس سرهما) فهو مما لا وجه له ، لأ نّا على تقدير القول بكفاية التتميم كرّاً لا نفرق فيه بين الماء الطاهر والنجس ، ولا بين التتميم بالمطلق والمضاف إذا لم يوجب زوال الاطلاق عن الماء ، بل نتعدّى إلى كفاية التتميم بالأعيان النجسة أيضاً كالبول فيما إذا لم يوجب التغيّر في الماء ، فان صفة الكرية على هذا القول هي العاصمة عن الانفعال وهي التي تقتضي الطهارة مطلقاً سواء حصلت بالماء أو بغيره ، وسواء حصلت بالطاهر أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسائل الشريف المرتضى : 2 : 361 .

(2) الوسيلة : 76 .

(3) السرائر 1 : 63 .

ــ[203]ــ

بالنجس ، بل ملازمة القول بكفاية التتميم بالأعيان النجسة ، ووضوح بطلان هذا الالتزام هي التي تدلنا على صحة ما ذهب إليه المشهور من عدم كفاية التتميم كرّاً مطلقاً كما تأتي الاشارة إليه إن شاء الله .

   وكيف كان فلا بدّ من النظر إلى أدلّة الأقوال ، فقد استدل المرتضى (قدس سره) على ما ذهب إليه من كفاية التتميم بالماء الطاهر بوجهين :

   أحدهما : أن بلوغ الماء كرّاً يوجب اسـتهلاك النجاسـة الطارئة عليه وانعدامها بلا  فرق في ذلك بين سبق الكرية على طرو النجاسة ولحوقها .

   وهذا الوجه كما ترى مصادرة ظاهرة ، إذ أي تلازم عقلي بين كون الكرية السابقة على طرو النجاسة موجبة لاستهلاكها وارتفاعها ، وبين كون الكرية اللاّحقة كذلك لتجويز العقل أن لا تكون الكرية اللاّحقة رافعة للنجاسة وموجبة لاستهلاكها . على أن المسألة ليست بعقلية فالمتبع فيها ظواهر الأدلة الشرعية كما لا يخفى .

   وثانيهما : أن العلماء أجمعوا على طهارة الكر الذي فيه شيء من الأعيان النجسة بالفعل مع احتمال أن تكون النجاسة طارئة عليه قبل كريته ، فلولا كفاية بلوغ الماء كرّاً مطلقاً في الحكم بطهارته لما أمكن الحكم بطهارة الماء المذكور .

   وهذا منه (قدس سره) عجيب ، فان طهارة الكر الذي وجد فيه نجاسة مسألة ذات شقوق وصور ، وقد حكمنا في بعضها بالطهارة وناقشنا في بعضها ، وإنما حكمنا بالطهارة في البعض لأجل استصحاب الطهارة أو قاعدتها ، وهو حكم ظاهري فكيف يمكن بذلك إثبات الطهارة الواقعية في المقام ، والقول بأن تتميم النجس كرّاً موجب لطهارة الماء واقعاً . فهذا الوجه كالوجه السابق مصادرة .

   واستدل صاحب السرائر (قدس سره) (1) على مذهبه من كفاية التتميم كرّاً مطلقاً ولو بالماء النجس بما ورد عنهم (عليهم السلام) من قولهم «إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً» (2) وذكر أن كلمة «خبثاً» نكرة واقعة في سياق النفي وهي تفيد العموم فتشمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ السرائر 1 : 63 .

(2) المستدرك 1 : 198 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 6 .

ــ[204]ــ

الخبث المتقدم والمتأخر ، ومعنى لم يحمل : أنه لا يتصف بالخبث ، فان العرض محمول على معروضه وصفة له والكر لا يتصف بالخبث مطلقاً كما هو معنى الاعتصام .

   والوجه في عدم استدلال ابن إدريس وغيره من الأصحاب في المقام بما هو المعروف في الاستدلال به على اعتصام الكر من قولهم (عليهم السلام) «إذابلغ الماء قدر كر أو قدر راويتين لا ينجسه شيء» (1) ظاهر ، وهو أن نجس من باب التفعيل وهو بمعنى الإحداث والايجاد . نجّسه بمعنى أوجد النجاسة وأحدثها ولا ينجّسه أي لا يوجد النجاسة ولا يحدثها في الكرّ ، فتختص هذه الأخبار بالنجاسة الطارئة بعد كرية الماء ، ولا تشمل النجاسة السابقة على الكرية ، وهذا بخلاف الرواية المتقدمة لأنها تقتضي عدم اتصاف الكر بالخبث مطلقاً ، فان كان في الماء نجاسة سابقة فمعنى عدم اتصافه بها كرّاً أنه يلقي النجاسة عن نفسه ، كما أنها إذا كانت متأخرة معناه أن الكر يدفع النجاسة ولا يقبلها .

   وربّما يتوهّم أن الرواية لا تشمل الرفع والدفع ، لأن معنى الدفع أن الكر طاهر في نفسه لا يقبل عروض النجاسة عليه ، كما أن معنى الرفع أن الكر نجس إلاّ أنه يرفع النجاسة عن نفسه ، وهذان المعنيان لا يتحققان في شيء واحد ولا يمكن ارادتهما في استعمال فارد ، لأن إطلاق أن الكر لا يحمل الخبث وإرادة الرفع والدفع منه معاً يؤول إلى أن الماء الكر الواحد طاهر ونجس في زمان واحد وهو أمر مستحيل .

   إلاّ أن المعنى الذي فسرنا به الرواية عند تقريب الاستدلال بها يدفع هذه المناقشة لأن «لا يحمل» بمعنى لا يتصف أعم من أن يكون في الماء نجاسة قبل كريته أو بعده . نعم ، إذا كانت عليه نجاسة قبل كريته فمعنى عدم اتصافه بالخبث : أنه يلقيه عن نفسه كما ان معناه بالاضافة إلى النجاسة الطارئة بعد كريته أنه يدفعها ولا يقبلها كما مرّ .

   ويظهر صدق ما ادعيناه بالمراجعة إلى موارد الاستعمالات عرفاً ، فتراهم يقولون فرس جموح إذا ركب رأسه وأبى من الركوب عليه ، ولو ركبه أحد ألقاه مِن على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الوسائل 1 : 158 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1 ، 2 ، 5 ، 6 وكذا في ص 140 ب  3 ح 8 .

ــ[205]ــ

ظهره ، فهو كما يصدق فيما إذا استعصى من الركوب عليه ابتداء كذلك يصدق فيما إذا استعصى وألقى الراكب مِن على ظهره بعد الركوب عليه .

   وذكر المحقق الهمداني (قدس سره) أن الرواية إذا عرضناها على العرف يستفيدون منها أن الخبث لا يتجدد في الكر لا أنه يرفع الخبث السابق على كرّيّته (1) . ولكنه أيضاً مما لا يمكن المساعدة عليه ، لما عرفت من أن «لم يحمل» بمعنى لا يتصف وهو أعم ، فالرواية بحسب الدلالة غير قابلة للمناقشة .

   وإنما الاشكال كلّه في سندها لأنها مرسلة ، ولم توجد في شيء من جوامعنا المعتبرة ، ولا في الكتب الضعيفة على ما صرح به المحقق (قدس سره) في المعتبر (2) بل وكتب العامة أيضاً خالية منها . نعم ، مضمونها يوجد في رواياتهم كما رووا أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل خبثاً (3) إذ لا بدّ من حمل القلتين على الكر حتى لا تنافيها روايات الكر . ونظيرها من طرقنا ما ورد من أن «الماء إذا كان أكثر من راوية لا ينجسه شيء» (4) هذا على أنها لو كانت موجودة في جوامعنا أيضاً لم نكن نعتمد عليها لارسالها .

   نعم ، ذكروا في تأييد الرواية وتقويتها : أنها وإن كانت مرسلة إلاّ أن صاحب السرائر ادعى الاجماع على نقلها ، وأنها مما رواه الموافق والمخالف وهذه شهادة منه على صحّة الرواية سنداً .

   ولا يخفى عليك أن هذه النسبة قد كذبها المحقق (قدس سره) بقوله : إن كتب الحديث خالية عنه أصلاً ، حتى أن المخالفين لم يعلموا بها إلاّ ما يحكى عن ابن حي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 23 السطر 24 .

(2) المعتبر 1 : 52 ـ 53 .

(3) قد قدّمنا نقلها [ في ص84 ] عن المجلّد الأوّل من سنن البيهقي ص 260 : «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث (خبثاً)  » .

(4) رواها زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : «وقال أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شيء...» الحديث . وهي مروية في الوسائل 1 : 140  / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 9 .

ــ[206]ــ

وهو زيدي منقطع المذهب ، وما رأيت شيئاً أعجب من دعوى ابن إدريس إجماع المخالف والمؤالف على نقلها وصحتها . ولم يعمل على طبقها ولم ينقلها أحد من الموافق والمخالف . ومن هذا ظهر أ نّا لو قلنا باعتبار الاجماعات المنقولة أيضاً لا نقول باعتبار هذا الاجماع الذي نقله ابن إدريس فضلاً عما إذا لم نقل باعتبارها كما لا نقول ، لأنها إخبارات حدسية . وعلى الجملة الرواية غير تامة من حيث السند .

   ثم لو تنزلنا وبنينا على صحة سندها أيضاً لم يمكن الركون إليها ، لأنها معارضة بما دلّ على التجنب عن غسالة الحمام معللاً بأن فيها غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لأهل البيت وهو شرهم (1) فان إطلاقها يشمل ما إذا بلغت الغسالة كرّاً بما يرد عليها من المياه المتنجسة ، كما لا يبعد ذلك في الحمامات القديمة والنسبة بينها وبين المرسلة عموم من وجه فيتعارضان في الغسالة المتممة كرّاً فيتساقطان .

   وكذلك معارضة بما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس ، والنسبة بينها وبين المرسلة أيضاً عموم من وجه ، وتفصيل ذلك : أن لأدلة انفعال القليل إطلاقاً من جهتين .

   إحداهما : أن القليل إذا تنجس تبقى نجاسته إلى الأبد ما لم يطرأ عليه مزيل شرعي ، بلا فرق في ذلك بين المتمم كرّاً وغيره من أفراد القليل ، لوضوح أن التتميم كرّاً لم يثبت كونه مزيلاً للنجاسة شرعاً .

   وثانيتهما : أن القليل ينفعل بملاقاة النجس مطلقاً سواء بلغ كرّاً بتلك الملاقاة أم لم يبلغه . ورواية ابن إدريس على تقدير تمامية سندها ودلالتها ، معارضة بتلك الأدلّة المطلقة من جهتين ، إذ المرسلة كما عرفت تقتضي طهارة المتمم كرّاً لما قدمناه من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم ، فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» المروية في الوسائل 1 : 220 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 .

ــ[207]ــ

تصوير الجامع بين رفع النجاسة ودفعها ، ولا معارضة بينها وبين أدلة الانفعال بالاضافة إلى دفع النجاسة اللاّحقة بوجه ، وأمّا بالنسبة إلى رفع النجاسة السابقة على الكرية فبينها وبين أدلّة انفعال القليل معارضة ، والنسبة بينهما عموم من وجه .

   أمّا فيما إذا كان المتمم ـ بالكسر ـ نجساً فلأن أدلّة الانفعال تقتضي باطلاقها من الجهة الاُولى بقاء نجاسة القليل مطلقاً إلى أن ترتفع برافع شرعي سواء تمم كرّاً بالنجس أم كان باقياً على قلته ومقتضى المرسلة أن بلوغ الماء كرّاً يوجب الاعتصام والطهارة مطلقاً سواء أ كانت الكرية سابقة على ملاقاة النجس أم كانت لاحقة عليها . فيتعارضان في القليل المتمم كرّاً .

   وأمّا إذا كان المتمم ـ بالكسر ـ طاهراً فلأجل أن أدلّة الانفعال تقتضي باطلاقها من الجهة الثانية نجاسة القليل بالملاقاة سواء بلغ كرّاً بتلك الملاقاة أيضاً أم لم يبلغه . كما أن المرسلة تقتضي طهارة الماء البالغ كرّاً واعتصامه سواء أ كانت الكرية لاحقة على ملاقاة النجس أم سابقة عليها فيتعارضان في المتمم كرّاً بطاهر فيتساقطان ، فلا يمكن الاستناد إلى المرسلة في الحكم بطهارة المتمم كرّاً ، ولا إلى ما يعارضها في الحكم بنجاسته . نعم ، بناء على ذلك يحكم بطهارة المتمم كرّاً وذلك من جهة الرجوع إلى عمومات الفوق وهو ما دلّ على عدم انفعال الماء مطلقاً إلاّ بالتغيّر في أحد أوصافه الثلاثة كما دلّ على عدم جواز الشرب والوضوء من الماء إذا غلب عليه ريح الجيفة وتغيّر طعمه وعلى جوازهما فيما إذا غلب الماء على ريح الجيفة (1) وما نفى البأس عن ماء الحياض إذا غلب لون الماء لون البول (2) .

   وهذه العمومات تقتضي طهارة الماء مطلقاً ، وقد خرجنا عنها في القليل غير البالغ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب ، فاذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب» المروية في الوسائل 1 : 137 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 .

(2) كما في رواية العلاء بن الفضيل قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحياض يبال فيها ؟ قال : لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» المروية في الوسائل 1 : 139 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7  .

ــ[208]ــ

كرّاً بملاقاة النجس ، لما دلّ على انفعال القليل بالملاقاة ، وأمّا غيره من الأفراد فيبقى تحت العمومات لا محالة ومنها الماء المتمم كرّاً بطاهر أو نجس ، إذ لا تشمله أدلة انفعال القليل ، لابتلائها بالمعارض وهو المرسلة المتقدمة ، وبعد تساقطهما لا وجه لرفع اليد عما تقتضيه العمومات المتقدمة وقد عرفت أنها تقتضي طهارة الماء المتمم كرّاً مطلقاً كان المتمم طاهراً أم كان نجساً ، هذا إذا تمت مرسلة السرائر سنداً ودلالة .

   وأمّا إذا لم تتم دلالتها كما عليه بعضهم أو سندها كما قدمناه فوصلت النوبة إلى الاُصول العملية فهل يحكم بطهارة المتمم كرّاً مطلقاً أو فيما إذا تمم بطاهر أو بنجاسته كذلك ؟ .

   يختلف هذا باختلاف المباني في المسألة فعلى مسلك المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لا مانع من استصحاب نجاسة كلا الماءين إذا كان المتمم أيضاً نجساً ، ولا معارض للاستصحاب في شيء منهما ، ولعلّ هذا هو الوجه فيما أفاده الشيخ (قدس سره) من عدم الاشكال في نجاسة المتمم كرّاً فيما إذا تمم بنجس (1) ، وأمّا إذا كان المتمم ـ  بالكسر  ـ طاهراً ـ  سواء امتزج بالمتمم  ـ بالفتح ـ  أم لم يمتزج  ـ فلا محالة يكون استصحاب النجاسة في المتمم ـ  بالفتح  ـ معارضاً لاستصحاب الطهارة في المتمم ـ  بالكسر  ـ أمّا في صورة امتزاجهما فالمعارضة ظاهرة لأنهما حينئذ ماء واحد وموضوع فارد لدى العرف ، وأمّا في صورة عدم الامتزاج فللاجماع القطعي على أن الماء الواحد لا يكون محكوماً بحكمين واقعاً ولا ظاهراً فيسقط الاستصحابان ويرجع إلى قاعدة الطهارة .

   وأمّا على مسلكنا من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، فلا يبقى لجريان استصحابي النجاسة والطهارة مجال في شيء من الصورتين ، بل يرجع إلى قاعدة الطهارة مطلقاً سواء تممناه بالماء الطاهر أو النجس ، وسواء حصل بينهما الامتزاج أم لم يحصل كما ذهب إليه ابن إدريس (قدس سره) (2).

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 1 : 7 .

(2) السرائر : 61 .

ــ[209]ــ

   ثم إنه ربما يستدل على طهارة المتمم كرّاً بالأخبار الواردة في اعتصام الكر بمضمون أن الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء (1) . فان «لا ينجسه» على ما شرحناه سابقاً (2) وإن كان بمعنى عدم إحداث النجاسة في الكر ، فلا دلالة لها على أن الكرية ترفع النجاسة المتقدمة عليها ، إلاّ أ نّا أشرنا سابقاً إلى أن الكرية موضوعة للحكم بالاعتصام مطلقاً تحقّقت مقـارنة للملاقـاة بحسب الزمان أم تقدّمت عليها كذلك وذكرنا أن الموضوع يعتبر أن يتقدم على حكمه رتبة وطبعاً ، ولا يعتبر فيه أن يتقدم على حكمه زماناً ، وعليه بنينا الحكم بالطهارة في الماء الذي طرأت عليه الكرية والملاقاة في زمان واحد معاً .

   وكيف كان فمقتضى الأخبار المتقدمة اعتصام الكر مطلقاً وحيث إن الكرية حاصلة في المقام فلا بدّ من الحكم بطهارة المتمم بالكر لبلوغه حد الكر ولو بالملاقاة ، وكذا في المتمم ـ  بالفتح  ـ للاجماع القطعي على أن الماء الواحد لا يتصف بحكمين ولا سيما بعد الامتزاج وانتشار الأجزاء الصغار من كل واحد منهما في الآخر ، وهي غير قابلة للتجزي خارجاً وإن كانت قابلة له عقلاً ، فلا محيص من الحكم بطهارة كل جزء من الماء المتمم ـ  بالفتح  ـ الذي لاقاه جزء من الماء المحكوم بالطهارة لأنه ماء واحد .

   هذا غاية تقريب الاستدلال بالأخبار المتقدمة ، ومع ذلك كلّه لا يمكن المساعدة عليه بوجه . وذلك لأن التقدم الرتبي وإن كان مصححاً لموضوعية الموضوع وتقدم الكرية أيضاً رتبي ، إلاّ أن هذا إنما يقتضي الطهارة في الماء إذا لم يستند حصول الكرية إلى نفس ملاقاة النجس كما في اُنبوبين في أحدهما ماء كر وفي الآخر بول ، وأوصلناهما إلى ماء قليل في زمان واحد معاً ، فاستندت كريته إلى أمر آخر غير ملاقاة النجس وهو الماء الموجود في أحد الاُنبوبين . وأمّا إذا استندت كريته إلى ملاقاة النجس فلا وجه للحكم بطهارته ، لأن المستفاد من روايات الباب أن يكون الماء بالغاً حد الكر مع قطع النظر عن ملاقاة النجس ، إذ لو حصلت الكرية بالملاقاة كما في المقام لصدق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 158 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1 ، 2 وغيرهما .

(2) في ص 204 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net