كفاية أذان واحد في قضاء الفوائت 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3960


   [1394] مسألة 2 : لا يتأكد الأذان لمن أراد إتيان فوائت في دور واحد لما عدا الصلاة الاُولى(2) ، فله أن يؤذّن للاُولى منها ويأتي بالبواقي بالاقامة وحدها لكل صلاة .

 ــــــــــــــــــ
   (2) هذا الحكم في الجملة مما لا كلام فيه ، وقد نطقت به جملة من النصوص كصحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ، ثم ذكر بعد ذلك ، قال : يتطهر ويؤذّن ويقيم في أوّلهنّ ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلى بغير أذان حتى يقضي صلاته(3) .

 ــــــــــــــ
(3) الوسائل 8 : 254/ أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3 .

ــ[280]ــ

   وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا نسيت الصلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها باقامة إقامة لكل صلاة»(1) ونحوهما غيرهما .

   فأصل الحكم مما لا إشكال فيه ، وإنما الكلام في أمرين :

   أحدهما : في أنّه مع الغض عن هذه النصوص فهل هناك دليل على مشروعية الأذان لصلاة القضاء ، أو أنّ المقتضي في نفسه قاصر ويختص المشروعية بالصلوات الأدائية فلا يشرع للقضاء ، كما لم يشرع لجملة اُخرى من الصلوات كالآيات والأموات ونحوهما ؟

   ثانيهما : أنّه بعد الفراغ عن المشروعية فهل السقوط في المقام رخصة أو أنّه عزيمة ؟

   أمّا الأمر الأوّل : فقد استدل العلامة في المنتهى(2) لمشروعية الأذان في الفوائت بروايتين :

   إحداهما : قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ; « . . . يقضي ما فاته كما فاته . . .» إلخ(3) فانّ مقتضى المماثلة التساوي بين القضاء والأداء في كافة الأحكام التي منها استحباب الأذان والاقامة .

   ثانيتهما : ما رواه الشيخ باسناده عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والاقامة ؟ قال : نعم»(4) بعد وضوح أنّ الاعادة في لسان الأخبار أعمّ من معناها الاصطلاحي فتشمل القضاء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 254/ أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 4 .

(2) المنتهى 4 : 416 .

(3) الوسائل 8 : 268/ أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1 .

(4) الوسائل 8: 270/ أبواب قضاء الصلوات ب 8 ح 2، التهذيب 3 : 167 / 367.

 
 

ــ[281]ــ

   وأورد عليهما في المدارك(1) ـ على ما نقله في الحدائق(2) ـ بضعف السند والدلالة ، وقد تعجب صاحب الحدائق (قدس سره) من تضعيف الاُولى ، بأنّها إما صحيحة أو حسنة بابراهيم بن هاشم ، وقد وصف صاحب المدارك رواية زرارة الآنفة الذكر قبل هذه الرواية بالصحة ، مع أنّ في سندها أيضاً إبراهيم بن هاشم ، فكيف ضعّف هذه الرواية(3) .

   أقول : تعجّبه (قدس سره) في محله ، ولكن يظهر من تخصيص النقاش بالاُولى موافقته معه في تضعيف الثانية ، ولا وجه له ، فانّها وإن كانت ضعيفة على مسلك صاحب المدارك ، لأنّ في الطريق جملة من الفطحية إلا أنّهم بأجمعهم ثقات . وصاحب الحدائق يعمل بالموثقات .

   وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمل في صحة الروايتين سنداً .

   وأمّا من حيث الدلالة فمناقشته (قدس سره) في محله ، فانّ الاُولى ناظرة إلى المطابقة من حيث القصر والتمام لا إلى سائر الأحكام لتشمل الأذان والاقامة كما هو واضح .

   وأمّا الثانية : فالمفروض فيها المفروغية عن مشروعية الأذان للثانية في نفسه ، وإنّما السؤال عن إجزاء الأذان للاُولى عنه ، وأين هذا من محل الكلام ، حيث يكون مشروعية الأذان للفائتة غير المسبوقة بمثلها أوّل الكلام .

   وبعبارة اُخرى : مورد الموثقة الاعادة ـ في الوقت أو في خارجه ـ بعد الوجود الأوّل ، وأنّ الأذان السابق المشروع فعله لا يجزئ عن اللاحق ، بل الذي يعاد إمّا وجوباً أو استحباباً ولو لأجل انعقاد الجماعة يعاد بجميع متعلقاته التي منها الأذان ، وأين هذا من محل الكلام الذي فرض فيه عدم الاتيان بالعمل في ظرفه رأساً وإنما يؤتى به في خارج الوقت ابتداءً ، فانّ مشروعية الأذان لمثل ذلك لا تستفاد من الموثقة بوجه ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 3 : 262 .

(2) ، (3) الحدائق 7 : 372 ، 375 .

ــ[282]ــ

   وربما يستدل له باطلاق قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لابدّ للمريض أن يؤذّن ـ إلى أن قال ـ : لأنّه لا صلاة إلا بأذان وإقامة»(1) حيث دلت على نفي ماهية الصلاة عن الفاقدة للأذان والاقامة حتى القضاء بمقتضى الاطلاق ، غاية الأمر حملها على نفي الكمال بعد تعذّر إرادة الحقيقة .

   وهي كما ترى واردة في المريض ، فما ذكره المحقق الهمداني(قدس سره)(2) من ورودها في الناسي كأنّه سهو من قلمه الشريف .

   وكيف ما كان ، فقد ناقش المحقق المزبور (قدس سره) بمنع الاطلاق وإلا لزم تخصيص الأكثر المستهجن ، لخروج صلاة الآيات والأموات والنوافل ونحوها ، فليس المنفي ماهية الصلاة على الاطلاق ، بل قسم خاص منها ، وهو ما كانت مشروعية الأذان وإلاقامة له معهودة لدى المتشرعة ، والمتيقن منها الصلوات اليومية الأدائية ، فيشكل شمولها للقضاء(3) .

   وفيه : أنّ الاطلاق منزّل على الفرد الشائع المبتلى به لعامة الناس ، وهي الصلوات اليومية ، لندرة الابتلاء بصلاة الآيات ، وخروج صلاة الأموات عن حقيقة الصلاة ، وإنّما هي ذكر ودعاء ، فلا يكون التنزيل المزبور من تخصيص الأكثر ، بل كأنّه عبّر من الأوّل باليومية ، وعليه فلا قصور في شمول الاطلاق للأداء والقضاء ، لاتحاد المناط بعد كون كليهما محلا للابتلاء ومن الأفراد الشائعة التي ينصرف إليها الاطلاق .

   وبالجملة : فلا مانع من الاستدلال باطلاق هذه الموثقة كاطلاق موثقته الاُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 444/ أبواب الأذان والاقامة ب 35 ح 2 .

(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 207 السطر 8 .

(3) مصباح الفقيه (الصلاة) : 207 السطر 25 .

ــ[283]ــ

وأقم»(1) فانّ الفريضة التي هي الموضوع للحكم مطلق تشمل الأداء والقضاء .

فاطلاق هاتين الموثقتين مضافاً إلى النصين المتقدمين(2) ، أعني صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم يقتضي مشروعية الأذان لقضاء الرواتب اليومية كأدائها .

   وأمّا الأمر الثاني : فعن غير واحد منهم المحقق في الشرائع(3) أنّ السقوط في المقام على سبيل الرخصة ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، بل ربما يدعى الاجماع عليه ، وخالفهم جماعة منهم صاحب الحدائق(4) فذهبوا إلى أنّه عزيمة ، وهو الصواب ، إذ هو المنسبق من مستند السقوط ، أعني الصحيحتين المتقدمتين(5) الدالتين عليه ، فانّ الظاهر من قوله(عليه السلام) في صحيحة زرارة « . . . ثم صلّ ما بعدها باقامة إقامة لكل صلاة» أنّ الصلوات التالية مقيّدة بالاقامة خاصة ، غاية الأمر أنّ التقييد من باب الندب لا الحتم ، بعد البناء على عدم الوجوب في الأداء فضلا عن القضاء . إذن فلا أمر بالأذان لما عدا الصلاة الاُولى رأساً .

   ودعوى أنّ الصحيحة في مقام التخفيف والتسهيل فلا تدل على أزيد من الترخيص ، مدفوعة بأنّه أوّل الكلام ، بل ظاهرها أنّها في مقام بيان كيفية التصدي للقضاء ، وأنّ النهج الذي بيّنه (عليه السلام) من اختصاص الأذان بالاُولى هي الوظيفة المقرّرة في هذة المرحلة لمن أراد تفريغ ذمته عن قضاء فوائته ، ولا دليل على كونه (عليه السلام) في مقام التسهيل .

   وأوضح منها صحيحة ابن مسلم حيث ورد فيها « . . . ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته» فقد صرّحت بتقييد الصلوات التالية بعدم اقترانها بالأذان ، وظاهر التقييد انحصار الوظيفة في ذلك المساوق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 397/ أبواب الأذان والاقامة ب 11 ح 4 .

(2) في ص 280 ، 279 .

(3) الشرائع 1 : 89 .

(4) الحدائق 7 : 382 .

(5) في ص 279 ، 280 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net