ــ[307]ــ
الثالث : من موارد سقوطهما : إذا سمع الشخص أذان غيره أو إقامته(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احتماله .
فتحصّل : أنّه لا سقوط في شيء من موارد الشبهة إلا في الشك في التفرق بشبهة موضوعية ، وكذا في الشك في الصحة الذي عرفته أوّلا فلاحظ .
(1) ويستدل له بجملة من النصوص :
منها : ما ورد من أنّ علياً (عليه السلام) كان يؤذّن ويقيم غيره ، وكان يقيم وقد أذّن غيره ، وورد مثل ذلك عن الصادق (عليه السلام) أيضاً(1) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف سندهما بالارسال ، أنّ الدلالة قاصرة ، فانهما ناظرتان إلى صلاة الجماعة ، وأنّه لا يعتبر أن يكون المؤذّن والمقيم هو الامام ، بل يكتفى بأذان الغير وإقامته كما تقدم(2) ، وقد ورد أيضاً أنّه ربما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يأتي بهما ، وربما كان بلال ، فلا ربط لهما بمحل الكلام من الاجتزاء بالسماع بما هو سماع حتى إذا كان منفرداً كما لا يخفى .
ومنها : النصوص المتضمنة أنّه لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم(3) بدعوى أنّ إطلاقها يدل على الاجتزاء حتى في حق السامع .
ولكنك خبير بعدم ارتباطها أيضاً بالمقام ، فانّها بصدد بيان عدم اعتبار البلوغ في صحة الأذان من غير نظر إلى اجتزاء الغير به بوجه .
ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه . . .» الحديث(4) بدعوى ظهور قوله (عليه السلام) «تصلي بأذانه» في الاجتزاء بسماع أذان الغير .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 438/ أبواب الأذان والاقامة ب 31 ح 3 ، 1 .
(2) في ص 285 وما بعدها .
(3) الوسائل 5: 440/ أبواب الأذان والاقامة ب 32.
(4) الوسائل 5 : 437/ أبواب الأذان والاقامة ب 30 ح 1 .
ــ[308]ــ
وقد استدل بها صاحب الحدائق(1) قائلا إنّ أكثر الأصحاب لم يستدلوا بها وكأنه متفرد في ذلك .
ويندفع : بأنّ أقصى ما تدل عليه أنّ الموارد التي يجتزأ فيها بأذان الغير لو كان فيها نقص أتمه المصلي بنفسه ، من غير نظر إلى تعيين تلك الموارد ، بل هي مفروضة الوجود ، والاجتزاء فيها أمر مفروغ عنه وثابت من الخارج ، ومن الجائز أن يكون المراد صلاة الجماعة فلا إطلاق لها يتمسك به لمطلق السماع حتى مع الانفراد .
وبعبارة اُخرى : للاذان نسبتان ، نسبة إلى المؤذّن ونسبة إلى السامع ، والظاهر من الصحيحة أنّ المجزئ إنما هو الأذان باعتبار صدوره لا باعتبار سماعه لقوله (عليه السلام) : «إذا أذّن مؤذّن» ولم يقل إذا سمعت أذان مؤذّن ، فلا جرم تختص بأذان الجماعة ، حيث إنّه يجزئ أذان الامام وإن لم يسمعه المأموم وبالعكس ، فاذا نقص شيء من أذان أحدهما أتمّه الآخر ، فلا ربط لها بالاجتزاء من حيث السماع الذي هو محل الكلام ، ولعله لأجله لم يستدل بها الأكثرون كما سمعته من صاحب الحدائق .
والعمدة في المقام روايتان :
إحداهما : معتبرة أبي مريم الأنصاري قال :«صلى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار ولارداء ولا أذان ولا إقامة ـ إلى أن قال ـ : فقال : وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك»(2) .
والسند معتبر ، فانّ أبا مريم وهو عبد الغفار بن القاسم ثقة والراوي عنه وهو صالح بن عقبة من رجال كامل الزيارات(3) ، كما أنّ الدلالة واضحة ، وسيأتي(4) إن شاء الله تعالى أنّ الكلام أثناء الاقامة يوجب استحباب إعادتها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 7 : 430 .
(2) الوسائل 5 : 437/ أبواب الأذان والاقامة ب 30 ح 2 .
(3) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق .
(4) في ص 353 .
ــ[309]ــ
فانه يسقط عنه سقوطاً على وجه الرخصة(1) بمعنى أنّه يجوز له أن يكتفي بما سمع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيتهما : موثقة عمرو بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «كنّا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة ، فقال : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : ويجزئكم أذان جاركم»(1) وهي واضحة الدلالة وقد تقدم الكلام(2) حول اعتبار السند فلاحظ .
(1) كما اختاره جمع من المتأخرين ، خلافاً للشيخ في المبسوط(3) وصاحب المستند(4) من أنّه على وجه العزيمة ، ويستدل لهما بوجهين :
أحدهما : قوله (عليه السلام) في موثقة عمرو بن خالد : «يجزئكم أذان جاركم» بدعوى أنّ معنى الإجزاء سقوط الأمر ، فاذا سقط فلا أمر بالأذان ، ومعه كان الاتيان به تشريعاً محرّماً ، وهو مساوق للعزيمة .
وفيه : أنّ معنى إلاجزاء الاكتفاء لا السقوط ، وقد استعمل في ذلك في جملة من الموارد مثل ما ورد من أنّ المسافر تجزئه الاقامة ، وأنّ المرأة يجزئها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلا الله ، ونحو ذلك مما يعلم أنّ السقوط ترخيص محض مع بقاء الأمر بحاله . نعم قد استعمل في مبحث الإجزاء بمعنى اسقاط الاعادة والقضاء ، ولكنه أنكره غير واحد من المتأخرين ، منهم صاحب الكفاية(5) نظراً إلى أنّ الاسقاط المزبور من آثار إلاجزاء لا نفسه ، فانّ معناه مجرد الاكتفاء بما أتى به كما عرفت ، ومن المعلوم أنّ الاكتفاء ظاهر في الترخيص .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 437/ أبواب الأذان والاقامة ب 30 ح 3 .
(2) في ص 287.
(3) لم نجده في المبسوط ولكن حكاه عنه في المستند 4 : 528 .
(4) المستند 4 : 528 .
(5) كفاية الاُصول : 82 .
ــ[310]ــ
إماماً كان الآتي بهما أو مأموماً أو منفرداً(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيهما : أنّ مرجع الاجتزاء بالسماع إلى التخصيص في عمومات التشريع وبدلية الأذان المسموع عن الأذان الموظف ، وبعد خروج مورد التخصيص عن الاطلاقات الأوّلية لم يبق أمر بالنسبة إليه ، لفرض تقيد الأمر بهما بغير صورة السماع ، ومعه كان السقوط ـ طبعاً ـ على وجه العزيمة .
ويندفع بأنّ تلك الاطلاقات على ضربين :
أحدهما : ما هو ظاهر في الوجوب كقوله : لا صلاة إلا بأذان وإقامة .
ثانيهما : ما هو ظاهر في الاستحباب كقوله : إن تركته فلا تتركه في المغرب ، ونحو ذلك مما تقدم .
ونصوص المقام وإن لم يكن بدّ من الالتزام بكونها على سبيل التخصيص بالاضافة إلى القسم الأوّل ، بداهة امتناع اجتماع الوجوب ونفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للاذان والاقامة مع الترخيص في الترك والاجتزاء بالفاقدة لهما . إلا أنّه بالاضافة إلى القسم الثاني لا مقتضي لارتكاب التخصيص المستلزم لسقوط الأمر ، لجواز بقائه بالمرتبة الضعيفة ، فيكون الأذان مستحباً مع السماع وعدمه ، غايته أنّه في الثاني آكد ويكون الاجزاء في مورد السماع إجزاءً عن تأكد الاستحباب لا عن أصله . ومعه كان السقوط على وجه الرخصة لا العزيمة . فما اختاره في المتن هو الصحيح .
(1) للاطلاق في معتبرتي أبي مريم وعمرو بن خالد المتقدمتين(1) فانّ مورد الاُولى وإن كان هو المنفرد لاستبعاد انعقاد جماعتين إحداهما للباقر والاُخرى للصادق في عرض واحد ، كاستبعاد اقتدائه (عليه السلام) بغير أبيه ، إلا أنّ قوله (عليه السلام) : «وإنّي مررت بجعفر . . .» إلخ الذي هو بمثابة التعليل من غير تقييد بحالتي الانفراد أو الجماعة يستدعي التعميم .
وأوضح منها : قوله (عليه السلام) في الثانية : «يجزئكم أذان جاركم» فان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 308 . 309 .
ــ[311]ــ
وكذا في السامع(1) ، لكن بشرط أن لا يكون ناقصاً وأن يسمع تمام الفصول(2) ومع فرض النقصان يجوز له أن يتم((1)) ما نقصه القائل ويكتفي به(3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إطلاقها يشمل الامام والمأموم والمنفرد .
(1) فانّ المعتبرتين وإن وردتا في الجماعة وموردهما الامام ويتبعه المأموم ، فلا يشملان المنفرد ، ولا المأموم الذي لم يسمع إمامه ولم يؤذّن ، إلا أنّه يظهر من التعليل عدم الخصوصية لشخص دون آخر ، وإنّما العبرة بسماع الأذان والاقامة وعدم التكلم ، فيشمل الامام والمأموم والمنفرد بمناط واحد .
(2) لظهور دليل الاجتزاء بالسماع في الأذان والاقامة التامين مع سماع الفصول بأجمعها ، فالنقص في المسموع أو في السماع خارج عن منصرف النصوص على تأمل في الثاني ستعرفه .
(3) ربما يستدل له بصحيحة ابن سنان المتقدمة(2) .
وفيه : ما عرفت من أنّ موردها الاجتزاء بنفس الأذان لا بسماعه ، فيختص بصلاة الجماعة حيث تقدم(3) أنّ في الأذان نسبتين ، نسبة إلى القائل والموجد ، ونسبة إلى السامع ، والملحوظ في الصحيحة هي النسبة الايجادية من غير نظر إلى حيثية السماع بوجه ، ومن ثم قال (عليه السلام) : «وأنت تريد أن تصلي بأذانه» ولم يقل بسماع أذانه . وهذا من مختصات صلاة الجماعة ، حيث يكفي صدور الأذان من أحدهم عن الباقين فيصلّون باذانه وإن لم يسمعوه . إذن فتتميم النقص الذى تضمنته الصحيحة ناظر إلى هذه الصورة .
أمّا من يكتفي بمجرد السماع الذي هو محل الكلام فلا دليل فيه على جواز التتميم ، بل لو نقص البعض استأنف الأذان من الأصل ، لما عرفت من ظهور دليله في سماع الأذان الكامل دون الناقص لنسيان ونحوه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال بل منع ، وكذا إذا لم يسمع بعض الأذان أو الاقامة .
(2) في ص 307 .
(3) في ص 308 .
ــ[312]ــ
وكذا إذا لم يسمع التمام يجوز له أن يأتي بالبقية(1) ويكتفي به .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قيل إنّ هذا يفهم من صحيح ابن سنان أيضاً ، وقد عرفت ما فيه فلا دليل على تتميم النقص .
والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ القدر المتيقن من أدلّة السماع وإن كان هو سماع تمام الفصول ، لكن الاختصاص به كما سبق عن الماتن محل إشكال ، إذ لا يستفاد من المعتبرتين أكثر من مسقطية السماع في الجملة . بل إنّ معتبرة أبي مريم لعلها ظاهرة في كفاية سماع البعض ، لأنّ سماع تمام فصول الأذان والاقامة حال المرور في غاية البعد ، ولو كان فهو من الندرة بمكان(1) . ألا ترى أنّه لو قيل مررت بزيد وهو يقرأ القرآن ، لم ينسبق إلى الأذهان إلاسماع بعض ما يقرأ . ويعضده ماذكره الفقهاء في باب حد الترخص من كفاية سماع بعض فصول الأذان في حصول الحد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
إنّا لله وإنّا إليه راجعون
فوجئت ـ وأنا اُعدّ هذه البحوث للطبع ـ بخطب عظيم وكارثة مدهشة ، وهي ارتحال سماحة سيدنا الاُستاذ (قدس سره العزيز) إلى الفردوس الأعلى ، فأذهلني وقع المصاب وأدهشني عظم الرزية وما حلّ بالاُمة الاسلامية من ثلمة لا يسدها شيء ، فانّا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
لقد خدم ـ فقيدنا الراحل ـ الاسلام والمسلمين بما يزيد على ثلاثة أرباع القرن وربّى ثلة كبيرة من الفقهاء والمجتهدين ، جيلا بعد جيل وطبقة بعد اُخرى وفيهم من تصدى زمام الفتوى في العصر الراهن ، وآثاره العلمية والعملية في غاية الكثرة ولا تحصيها هذه الوجيزة ، وقد ترجم نفسه بنفسه في معجم رجاله 23 : 20/14727 . وكانت ولادته في 15 رجب سنة 1317 الهجرية القمرية ووفاته في يوم السبت الثامن من شهر صفر سنة 1413 ، فبلغ عمره الشريف ستة وتسعين عاماً ، أسأل الله العلي القدير أن يتغمّده برحمته الواسعة ، وأن يلهم الاُمّة الاسلامية والجوامع العلمية الصبر والسلوان إنّه سميع مجيب .
(1) هذا إذا اُريد من المرور المشي السريع . أمّا المتعارف ولا سيما البطيء منه ولعله الأنسب بحال أبي جعفر (عليه السلام) حيث يحكى انّه كان بديناً ثقيل الجسم ، فسماع تمام الفصول حينئذ لا بعد فيه فلاحظ .
ــ[313]ــ
لكن بشرط مراعاة الترتيب(1) ولو سمع أحدهما لم يجزئ للآخر(2) والظاهر أنه لو سمع الإقامة فقط فأتى بالأذان لا يكتفي بسماع الاقامة لفوات الترتيب حينئذ بين الأذان والاقامة . ـــــــــــــــــــــــــــ
نعم ، سماع تمام الأذان حال المرور بما أنّه مقرون بارتفاع الصوت نوعاً ما أمر ممكن ، أمّا بضميمة الاقامة كما هو مورد المعتبرة فكلا . وحيث إنّ ظاهرها أنّه (عليه السلام) كان مشغولا بهما حال المرور لا أنّه ابتدأ وشرع ، والمفهوم من ذلك عرفاً أنّه (عليه السلام) مرّ في أواسط الأذان أو أواخر ثم سمع بعض فصول الاقامة ، فلا جرم كان المسموع ملفّقاً من بعض منهما . ونتيجة ذلك كفاية سماع بعض الفصول في السقوط .
والمتحصل : أنّه لا دليل على اعتبار سماع جميع الفصول ، بل يكفي سماع البعض من غير حاجة إلى التتميم ، فالمقتضي لسماع التمام قاصر في حدّ نفسه ، ومع التسليم ولزوم سماع الجميع فلا دليل على التتميم لدى سماع البعض ، لاختصاصه بغير المقام .
نعم ، بما أنّ السقوط على سبيل الرخصة فله أن لا يكتفي بسماع البعض ويستأنف الأذان بنفسه من أوّله .
(1) لاطلاق دليله بعد وضوح عدم معارضته بنصوص المقام الساكتة عن هذه الجهة .
(2) إذ لا دليل على الاجزاء ، فالمتبع إطلاق دليل الآخر .
|