الرابع : إذا حكى أذان الغير أو إقامته فانّ له أن يكتفي بحكايتهما((1))(3) .
ــــــــــــــــــــــ (3) يقع الكلام تارة في استحباب الحكاية ، واُخرى في الكفاية . فهنا جهتان :
أمّا الجهة الاُولى : فلا ينبغي التأمل في الاستحباب ، لدلالة جملة من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيما إذا قصدبها التوصل إلى الصلاة لا مطلقاً .
ــ[314]ــ
النصوص المعتبرة عليه ، معللا في بعضها بأنّها ذكر الله وهو حسن على كل حال .
فمنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقوله في كل شيء»(1) .
ومنها : صحيحته الاُخرى عنه (عليه السلام) «أنه قال له : يا محمد بن مسلم لا تدعنّ ذكر الله عزوجل على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل ، وقل كما يقول المؤذّن»(2) .
ومنها : صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما أقول إذا سمعت الأذان ؟ قال : اذكر الله مع كل ذاكر»(3) .
ونحوها غيرها مما دل على الاستحباب في جميع الأحوال حتّى لدى التخلّي ، بل في بعضها أنه يزيد في الرزق(4) وإن كان السند مخدوشاً .
وكيف ما كان ، فلا إشكال كما لا خلاف في الاستحباب ، بل عليه الاجماع في غير واحد من الكلمات .
وأمّا الجهة الثانية : أعني الكفاية والاجتزاء بالحكاية ، فلم يرد فيها نص حتى رواية ضعيفة ، فلابد إذن من الجري على طبق القاعدة .
فنقول : إن كان المحكي مجرد اللفظ من دون قصد المعنى لا تفصيلا ولا إجمالا ، فاستحباب مثل هذه الحكاية فضلا عن الكفاية محل تأمل بل منع ، ضرورة أنّها لا تعدو عن كونها مجرد لقلقة اللسان ، ومثلها لا يكون مصداقاً لذكر الله المشار إليه في تلك النصوص ، فكيف يكون مشمولا لها .
وإن كان المحكي هو المعنى ولو على سبيل الاجمال كما لعله الغالب في من لم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 5 : 453/ أبواب الأذان والاقامة ب 45 ح 1 ، 2 .
(3) الوسائل 5 : 455/ أبواب الأذان والاقامة ب 45 ح 5 .
(4) الوسائل 1 : 314/ أبواب احكام الخلوة ب 8 ح 3 .
ــ[315]ــ
[1396] مسألة 4 : يستحب حكاية الأذان عند سماعه(1) سواء كان أذان الاعلام أو أذان الاعظام(2) أي أذان الصلاة جماعة أو فرادى مكروهاً(3) كان أو مستحباً ، نعم لا يستحب حكاية الأذان المحرّم(4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحسن اللغة العربية ، حيث إنّهم يأتون بتلك الألفاظ ويقصدونها على ما هي عليها من المعاني ، وحينئذ فتارة يقصد بها الحاكي مجرد ذكر الله ، واُخرى أذان الصلاة .
فعلى الأوّل ، فان بنينا على السقوط بمطلق السماع ولو بغير قصد التوصل إلى الصلاة ثم قصدها ، قلنا به في المقام أيضاً ، بيد أنّ السقوط حينئذ يكون بالسماع لا بالحكاية لسبقه عليها بطبيعة الحال ، فيكون الأثر مستنداً إلى أسبق العلل .
وإن بنينا على اختصاصه بالقصد المزبور كما ربما يظهر من المتن وهو الصحيح ، وسيجيء البحث حوله ، فلا سقوط .
وعلى الثاني ، كفى وليس عليه الأذان مرّة اُخرى ، إلا أنّ التعبير حينئذ بالسقوط كما ترى ، إذ المفروض أنّه أتى بأذان تام حاو لكلّ ما يعتبر فيه ، غير أنّه جعل فصول أذانه تبعاً للغير ومقرونة بالحكاية عنه ، ومن البيّن عدم اشتراط الأذان بالاستقلال وعدم متابعة الغير لاطلاق الدليل . إذن فالمتجه التفصيل على النهج الذي عرفت .
(1) كما عرفت .
(2) لاطلاق النصوص ، وكذا فيما بعده من غير فرق في الجماعة بين الامام والمأموم .
(3) بمعنى قلة الثواب كما في سائر العبادات المكروهة ، والمراد به موارد السقوط عن رخصة ، حيث تكون مرتبة الاستحباب أضعف فيها من غيرها .
(4) أي الأذان غير المشروع ، كالأذان قبل دخول الوقت ، أو في موارد السقوط عزيمة ، هذا .
ــ[316]ــ
والمراد بالحكاية أن يقول مثل ما قال المؤذّن(1) عند السماع من غير فصل معتد به (2) وكذا يستحب حكاية الاقامة أيضاً(3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا ينبغي الاشكال في الاستحباب فيما إذا كانت الحكاية بقصد مطلق الذكر ، فانّ ذكر الله حسن على كل حال ، فيشمله قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة : «اذكر الله مع كل ذاكر» إذ لا قصور في شمول إطلاقه للمحكي المحرّم ، ضرورة أنّ الصادر من الحاكي لم يكن إلا ذكر الله الذي هو حسن في جميع الأحوال حتى في حال صدور المعصية من الغير إما شكراً أو زجراً ، فانّ مقتضى العبودية أن لا ينسى العبد ربه ، ويذكره حيثما كان ، فالأذان المحرّم الصادر من الغير يكون مذكّراً للحاكي .
وبالجملة : فحكاية الأذان المزبور فيما عدا الحيعلات لا ينبغي الشك في رجحانه من باب الذكر المطلق .
وأمّا الحكاية بقصد الأذان بوصفه العنواني ، فلا دليل على استحبابه لانصراف النصوص عنه جزماً ، إذ لا ينبغي التأمل في أنّ موردها الأذان المشروع لا غير .
(1) كما اُشير إليه في النصوص .
(2) كما هو ظاهر المعية في صحيحة زرارة ، وكذا التفريع بقوله : « . . . فاذكر الله» في صحيحة ابن مسلم ، وظهور اداة الشرط في صحيحته الاُخرى في كونها شرطية زمانية ، أي وقت السماع لا بعد فصل معتد به ، فانه حينئذ أذان مستقل لا حكاية له فلا تشمله النصوص .
(3) لا ينبغي الارتياب في الاستحباب بعنوان الذكر المطلق ـ فيما عدا الحيعلات ـ الذي هو حسن على كل حال كما تقدم .
وأمّا حكاية الاقامة بوصفها العنواني فلا دليل على استحبابها ، لاختصاص مورد النصوص بالأذان الظاهر فيما يقابل الاقامة ، فانه وإن يطلق أحياناً على
ــ[317]ــ
لكن ينبغي إذا قال المقيم «قد قامت الصلاة» أن يقول هو : «اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها»(1) والأولى تبديل الحيعلات بالحولقة (2) بأن يقول «لا حول ولا قوة إلا بالله» .
[1397] مسألة 5 : يجوز حكاية الأذان وهو في الصلاة(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما يشملها ، ولكنه بمعونة القرينة المفقودة في المقام ، بل لعل فيه ما يشهد بالعدم ، فان المنسبق من قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سمع . . .»(1) إلخ أنّ السماع لم يكن على الدوام ، بل في بعض الأحيان ، وأنّه (صلى الله عليه وآله) كان في الأوقات التي يسمع يحكي ، وأما الاقامة فهي بمحضره (صلى الله عليه وآله) دائماً ، فالتعبير المزبور يتناسب مع خصوص الأذان كما لا يخفى .
وأوضح منها صحيحته الاُخرى(2) ، إذ الاقامة لا نداء فيها وإنّما هو من خواص الأذان حيث يستحب فيه رفع الصوت . نعم افتى جماعة من الأصحاب باستحباب الحكاية في الاقامة ، ولابأس به بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى الفقيه ، وكلاهما في حيّز المنع .
(1) هذا لابأس به من باب الذكر المطلق ، وأمّا التوظيف فلا دليل معتبر عليه ، نعم ورد ذلك في مرسلة دعائم الاسلام(3) ولا مانع من الالتزام به بناءً على قاعدة التسامح .
(2) لا دليل عليه عدا مرسل الدعائم(4) ويجري هنا أيضاً ماعرفت .
(3) لعدم خروج المحكي عن كونه مصداقاً للذكر فيشمله قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي : «كلّ ما ذكرت الله عزوجل به والنبي (صلى الله عليه وآله)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) المتقدمة في ص 309 .
(3) المستدرك 4 : 59/ أبواب الأذان والاقامة ب 34 ح 6 ، الدعائم 1 : 145 .
(4) المستدرك 4 : 58/ أبواب الأذان والاقامة ب 34 ح 5 ، الدعائم 1 : 145 .
ــ[318]ــ
لكن الأقوى حينئذ تبديل الحيعلات بالحولقة(1) ،
[1398] مسألة 6 : يعتبر في السقوط بالسماع عدم الفصل الطويل بينه وبين الصلاة(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو من الصلاة»(1) فلا بأس به من باب الذكر المطلق ، وأمّا من باب الحكاية بوصفها العنواني ، فالظاهر أنّ الأدلة قاصرة الشمول لحال الصلاة .
أوّلا : لأجل الانصراف ، فانّ المستفاد من الأدلة أنّ المناط في استحباب الحكاية هو انتباه الغافل والاشتغال بذكر الله الذي هو حسن على كل حال ، كما تضمنته تلك النصوص ، فلا تشمل من هو متشاغل بذكر الله ومتوجه إليه بتلبسه بالصلاة ، وكيف يشمل قوله في صحيح ابن مسلم : «وأنت على الخلاء» ، وفي صحيح زرارة «ما اقول . . .» إلخ ، مَن هو مشغول بذكر الله . فلا ينبغي الاشكال في انصراف الأخبار عن المقام ونحوه ممن هو مشغول بالعبادة من دعاء أو قرآن ونحوهما .
وثانياً : مع التسليم فهي قاصرة الشمول لخصوص الحيعلات ، لخروجها عن الأذكار وكونها من كلام الآدمي المبطل ، فكيف يكون مثله مشمولا لها .
ودعوى أنّ إطلاق الاستحباب لفصول الأذان يستوجب ارتكاب التقييد في دليل البطلان ، في غاية السقوط ، ضرورة أنّ الاستحباب لا يقاوم البطلان ليستوجب التقييد ، وإلا لساغ بل استحب التكلم أثناء الصلاه لقضاء حاجة المؤمن أو إنشاد الضالة ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو كما ترى .
(1) قد عرفت أنّ الأظهر عدم جواز الحيعلات ، وأمّا التبديل المزبور فمستنده مرسلة الدعائم ، ولا بأس به من باب قاعدة التسامح أو مطلق الذكر .
(2) لقصور المقتضي للسقوط مع الفصل الطويل ، فانّ معتبرة أبي مريم(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 426/ أبواب التسليم ب 4 ح 1 .
(2) المتقدمة في ص 308 .
ــ[319]ــ
[1399] مسألة 7 : الظاهر عدم الفرق بين السماع والاستماع(1) .
[1400] مسألة 8 : القدر المتيقن من الأذان الأذان المتعلق بالصلاة(2) فلو سمع الأذان الذي يقال في اُذن المولود أو وراء المسافر عند خروجه(3) إلى السفر ، لا يجزئه .
[1401] مسألة 9 : الظاهر عدم الفرق بين أذان الرجل والمرأة((1))(4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكاية فعل لا إطلاق له يشمل صورة الفصل ، والقدر المتيقن عدمه ، وموثقة عمرو بن خالد(2) تضمنت فاء التفريع في قوله (عليه السلام) : «فقال : قوموا . . .» إلخ ، ومع الغض فهي أيضاً حكاية فعل لا اطلاق له .
ويعضده : أنّ اعتبار عدم الفصل بين الأذان والصلاة يقتضي اعتبار عدمه في السماع الذي هو بدله أيضاً كما لا يخفى .
(1) فانّ القدر المتيقن من الحكم وإن كان هو صورة الاستماع ، لكنّ الوارد في موثقة ابن خالد عنوان السماع الذي هو أعم منه فتكون العبرة به .
(2) فانّه المنسبق من نصوص الباب ، ويعضده ذكر الاقامة معه فيها . على أنّها حكاية فعل لا إطلاق له ليشمل غيره كما تقدم .
(3) يظهر من العبارة المفروغية عن مشروعية هذا الأذان ، وهو وإن اشتهر وشاع ، بل استقر عليه العمل ، ولكنه لم يرد في الأخبار ولا في كلمات علمائنا الابرار كما نص عليه في الجواهر(3) ، ولابأس به من باب الذكر المطلق دون التوظيف .
(4) فيه إشكال بل منع ، لانصراف النصوص إلى أذان الرجل لاسيما ولم يعهد أذان المرأة جهراً بحيث يسمعها السامع حتى في عصرنا عصر التبرج
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في جواز اكتفاء الرجل بأذان المرأة إشكال ، بل منع .
(2) المتقدمة في ص 309 .
(3) الجواهر 9 : 149 .
ــ[320]ــ
إلا إذا كان سماعه على الوجه المحرّم أو كان أذان المرأة على الوجه المحرّم(1) .
[1402] مسألة 10 : قد يقال يشترط في السقوط بالسماع أن يكون السامع من الأول قاصداً للصلاة ، فلو لم يكن قاصداً وبعد السماع بنى على الصلاة لم يكف في السقوط ، وله وجه((1))(2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكيف بعصر التستر . ومع الغض فلا ينبغي التأمل في أنّ مورد الأخبار هو أذان الرجال ، وأمّا أذان الجار في موثقة عمرو بن خالد(2) فهو حكاية فعل يراد به شخص معهود لا محالة ، ولم تكن العبارة هكذا : أذان الجار لينعقد له الاطلاق ، بل الوارد «جاركم» ولا إطلاق له كما عرفت .
(1) لوضوح انصراف النصوص عن السماع أو الأذان المحرّمين ولا أقل من عدم إطلاق يشملهما .
(2) وجيه ، إذ لا إطلاق في الأدلة يعوّل عليه ، فانّ العمدة ـ كما تقدم(3) ـ معتبرة أبي مريم وموثقة ابن خالد وكلتاهما حكايتان عن قضيّتين خارجيتين إحداهما سماع أذان الصادق (عليه السلام) والاُخرى سماع أذان الجار ، والقدر المتيقن منهما ـ لولا الظهور فيه ـ قصد السامع للصلاة لا أنّه بدا له فيها كما لا يخفى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل هو الأوجه .
(2) المتقدمة في ص 309 .
(3) في ص 308 .
|