ــ[321]ــ
فصل
[في شرائط الأذان والاقامة]
يشترط في الأذان والاقامة اُمور :
الأوّل : النية ابتداء واستدامة على نحو سائر العبادات ، فلو أذّن أو أقام لا بقصد القربة لم يصح ، وكذا لو تركها في الأثناء(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) غير خفي أنّ للنية معنيين : أحدهما قصد العمل ، ثانيهما قصد القربة .
والأوّل ، معتبر مطلقاً تعبدياً كان أم توصلياً ، لأنّ غير المقصود غير اختياري ولابد من الاختيار في تحقق الامتثال ، غير أنّ شيخنا الاُستاذ (قدس سره) خصّه بتحقق الطبيعة في ضمن الحصة الاختيارية(1) ولا مقتضي له ، إذ المأمور به إنّما هو الجامع بين المقدور وغيره ، والجامع مقدور وإن تحقق في ضمن الحصة غير الاختيارية، فالقصد إلى الجامع كاف ، وتمام الكلام في الاُصول(2).
وأمّا الثاني ، فلا يعتبر في أذان الاعلام بلا كلام ، إذ المقصود منه التنبيه على دخول الوقت وهو يتحصّل وإن كان بداعي التعليم مثلا ولا يكون منوطاً بقصد القربة . مضافاً إلى أصالة التوصلية بعد عدم الدليل على التعبدية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 264 ، 368
(2) محاضرات في اصول الفقه 3 : 62 ، 4 : 220 .
ــ[322]ــ
حسبما هو محرر في محله(1) .
وأمّا أذان الصلاة فلا ينبغي التأمل في اعتباره فيه ، لاستقرار ارتكاز المتشرعة على كونه من توابع الصلاة المحكومة بحكمها من هذه الجهة وإن كان مقدّماً عليها خارجاً ، وهذا مركوز في أذهان عامة المتشرعة بمثابة يكشف عن كونه كذلك عند المشرّع الأعظم . مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى التنزيل في معتبرة أبي هارون المكفوف قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا أبا هارون الاقامة من الصلاة»(2) بعد وضوح الحاق الأذان بالاقامة من هذه الجهة ، لعدم القول بالفصل ، بل القطع باتحادهما في هذا الحكم ، وهما مشتركان في عامة الفصول بحيث لا تحتمل عبادية الاقامة دون الأذان كما لا يخفى .
نعم ، نوقش في سندها تارة : باشتماله على صالح بن عقبة ، وقد ضعّفه ابن الغضائري(3) . وفيه : أنّ كتابه لم يثبت استناده إليه وإن كان هو ثقة في نفسه ، فلا يعوّل على جرحه ولا تعديله .
واُخرى : بأنّ أبا هارون المكفوف لا توثيق له ، بل قد روى الكشي ما يكشف عن تضعيفه(4) . وفيه : أنّ الرواية مرسلة . مضافاً إلى جهالة الراوي ، وقد ذكر النجاشي أنّ الكشي يروي عن المجاهيل(5) .
وكيف ما كان ، فالأظهر وثاقة الرجلين لوقوعهما في أسناد كامل الزيارات(6) والسلامة عن تضعيف صالح للمعارضة حسبما عرفت .
وعليه فلو أذّن بدون قصد القربة لزمه الاستئناف ، لعدم وقوع العبادة على وجهها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 154 .
(2) الوسائل 5 : 396/ أبواب الأذان والاقامة ب 10 ح 12 .
(3) مجمع الرجال 3 : 206 .
(4) رجال الكشي : 222 / 398 .
(5) رجال النجاشي : 372/1018 [ولكن فيه أنّه روى عن الضعفاء] .
(6) ولكنّهما لم يكونا من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشملهما التوثيق .
ــ[323]ــ
نعم ، لو رجع إليها وأعاد ما أتى به من الفصول لا مع القربة معها ، صح ولا يجب الاستئناف(1) ، هذا في أذان الصلاة ، وأمّا أذان الاعلام فلا يعتبر فيه القربة كما مرّ . ويعتبر أيضاً تعيين الصلاة التي يأتي بهما لها مع الاشتراك(2) ، فلو لم يعيّن لم يكف ، كما أنّه لو قصد بهما صلاة لا يكفي لاُخرى ، بل يعتبر الاعادة والاستئناف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذ لا مقتضي له بعد تدارك النقص ، ووضوح عدم كون فصل الفاسد قاطعاً للهيئة أو زيادة مبطلة بعد إطلاق الأدلة .
(2) كما لو كان عليه أداء وقضاء ، فانّه لابدّ له من التعيين ، فلو عيّن لإحداهما لايجزئ للاُخرى لو عدل إليها ، بل يستأنف .
وربما يعلل بأنّ الأمر المتعلق بهما غيري نشأ من قصد الأمر النفسي المتعلق بالصلاة المقيّدة بهما ، فتعيينه منوط بتعيين تلك الصلاة لاختلاف الأمر باختلاف موضوعه ، فلو عدل لم يقع مصداقاً له بناءً على اختصاص الأمر المقدّمي بالحصة الموصلة .
ويندفع : بأنّ الأمر المتعلق بهما مستحب نفسي على ما تقتضيه ظواهر النصوص لا مقدّمي غيري . على أنّا لا نقول بوجوب المقدمة شرعاً ، ومع التسليم فهو توصلي لا تعبدي .
وبالجملة : لا ارتباط للمقام بالمقدمة الموصلة ليبتني على القول بها ، بل الوجه فيه صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها باقامة إقامة لكل صلاة»(1) فانها واضحة الدلالة على لزوم التعيين كما لا يخفى .
وتؤيدها موثقة عمار(2) الواردة في إعادة المنفرد الأذان والاقامة فيما لو بدا له
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 446/ أبواب الأذان والاقامة ب 37 ح 1 .
(2) الوسائل 5 : 432/ أبواب الأذان والاقامة ب 27 ح 1 .
|