ــ[337]ــ
السادس : دخول الوقت(1) ، فلو أتى بهما قبله ولولا عن عمد لم يجتزئ بهما وإن دخل الوقت في الأثناء ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف فيه بل اجماعاً كما عن غير واحد من دون فرق بين أذاني الاعلام ـ في غير الفجر ـ والاعظام . نعم تقديم بعض الفريضة على الوقت باعتقاد الدخول قيل بجوازه كما تقدم(1) في بحث الأوقات . وأمّا الأذان فضلا عن الاقامة فلا قائل بالاجزاء .
وكيف ما كان ، فالحكم في أذان الاعلام واضح ، إذ الغاية من تشريعه الاعلام بدخول الوقت ، فكيف يسوغ فعله قبله .
وأمّا في أذان الصلاة والاقامة فتشهد به جملة من النصوص التي منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة . . .»إلخ(2) . ونحوها غيرها .
نعم ، ربما يظهر من رواية زريق أنّ الصادق (عليه السلام) كان يؤذّن يوم الجمعة قبل الزوال ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كان ربما يقدم عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار ـ إلى أن قال ـ وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذّن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلى الظهر . . .» إلخ(3) .
فكأنه يظهر منها أنّ ليوم الجمعة خصوصية في هذا الحكم فيقدم الأذان على الزوال لتقع الفريضة أوّل الوقت كما تقدم النوافل عليه حسبما تقدم في مبحث الأوقات(4) ، فهي إن تمّت تكون مخصصة لما دل على اعتبار دخول الوقت في الأذان .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 11 : 381 .
(2) الوسائل 5 : 388 / أبواب الأذان والاقامة ب 8 ح 1 .
(3) الوسائل 7 : 328/ أبواب صلاه الجمعة ب 13 ح 4 .
(4) شرح العروة 11 : 246 .
ــ[338]ــ
نعم ، لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا أنّها لا تتم لضعف السند ، فانّ الشيخ رواها في المجالس عن زريق(1) وطريقه إليه ضعيف بأبي المفضل والقاسم بن اسماعيل(2) إن اُريد به ما هو المذكور في كتبه ، أعني التهذيبين والفهرست ، وإن اُريد به غيره فهو مجهول . على أنّ زريقاً نفسه مردد بين الموثق وغيره ، وكلاهما له كتاب . فلا يمكن الاعتماد على الرواية ، مضافاً إلى أنّ مضمونها لا قائل به ، إذ لم يذهب أحد إلى التخصيص المزبور .
إذن فلا ينبغي الاشكال في عدم مشروعية الأذانين ولا الاقامة كلا أو بعضاً قبل دخول الوقت من غير فرق بين الجمعة وغيرها .
(1) بل إنّ هذا هو المشهور بينهم ، بل عن المنتهى(3) نسبته إلى فتوى علمائنا وإن أنكره جماعة آخرون فذهبوا إلى عدم المشروعية ، لكن القائل بالمنع قليل .
والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الأذان الصلاتي لا ينبغي الاشكال في عدم مشروعيته قبل الفجر ، لصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة(4) والظاهر أنّ القائلين بجواز التقديم لا يعنون به ذلك ، إذ لم يصرح أحد منهم بالاكتفاء به عن أذان الصلاة كي يشمله مورد التقديم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أمالي الطوسي: 695/1482.
(2) هذا الطريق مذكور في الفهرست [في الصفحة : 74 / 300] إلى كتاب زريق لاحظ المعجم 8 : 191 / 4577 . وهذه الرواية مروية عنه بنفسه ، وطريقه إليه مذكور في نفس كتاب المجالس والأخبار حسبما أشار إليه صاحب الوسائل في الخاتمة 30 : 144 / 51 . وهو هكذا : الحسين بن عبيد الله (الغضائري) عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد بن همام عن عبدالله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي عن أبي العباس زريق بن الزبير الخلقاني ، والطريق إليه صحيح . نعم هو بنفسه لا توثيق له من غير ترديد فيه ، فالضعف إنّما هو من أجله لا غير .
(3) المنتهى 4 : 423 .
(4) في ص 332 .
ــ[339]ــ
وأمّا الأذان الاعلامي فالظاهر عدم جواز تقديمه أيضاً ، لما عرفت من أنّ المقصود به الإخبار عن دخول الوقت ، فكيف يسوغ قبله ، والنصوص أيضاً قد نطقت بأن السنّة في النداء أن يكون مع الفجر ففي صحيحة ابن سنان « . . . وأمّا السنّة فانّه ينادى مع طلوع الفجر . . .» إلخ ، وفي صحيحته الاُخرى : « . . . وأمّا السنة مع الفجر»(1) حيث يظهر منهما أنّ المشروع من الأذان للاعلام الذي جرت عليه السنة إنّما هو عند طلوع الفجر ، فقبله غير مشروع بهذا العنوان . نعم يجوز الاتيان حينئذ للإيذان بقرب الوقت لينتفع به الجيران فيتهيؤوا للعبادة كما اُشير إليه في هاتين الصحيحتين .
ويستفاد مشروعية هذا القسم من الأذان من نصوص اُخر أيضاً :
ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : كان بلال يؤذّن للنبي (صلى الله عليه وآله) وابن اُمّ مكتوم ـ وكان أعمى ـ يؤذّن بليل ويؤذّن بلال حين يطلع الفجر»(2) .
وفي موثقة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : هذا ابن أمّ مكتوم وهو يؤذّن بليل ، فاذا أذّن بلال فعند ذلك فامسك ، يعني في الصوم»(3) ونحوهما غيرهما ، وإن لم يكن نقي السند .
ويظهر منها أنّ كلا المؤذّنين كانا موظفين من قبله (صلى الله عليه وآله) أحدهما للتهيؤ ، والآخر للاعلام . إذن فأمره (صلى الله عليه وآله) بالأكل لدى أذان ابن اُمّ مكتوم لم يكن لأجل أنّه رجل أعمى يؤذّن من قبل نفسه ، فانّ المؤذّن الأعمى يسأل ـ طبعاً ـ ولا يخطأ دائماً وإلا لمنعه (صلى الله عليه وآله) كي لا يوقع الناس في الاشتباه ، بل لأجل أنّه كان منصوباً للتهيؤ كما يكشف عنه الاستمرار المستفاد من الأخبار على وجود كلا المؤذّنين ، لا أنّه كان من باب الصدفة والاتفاق .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 390/ أبواب الأذان والاقامة ب 8 ح 7 ،8 .
(2) ، (3) الوسائل 5 : 389/ أبواب الأذان والاقامة ب 8 ح 3 ، 4 .
ــ[340]ــ
ولا ينافي ذلك ما تضمنته الصحيحتان المتقدمتان من جريان السنة على الأذان لدى طلوع الفجر ، لما عرفت من أنّ مورد السنّة هو أذان الاعلام ، وهذا أذان آخر شرع للتهيؤ قبل الوقت اُشير إليه في نفس تينك الصحيحتين .
والمتحصّل : أنّ المستفاد من تضاعيف الأخبار امتياز الفجر بأذان ثالث قبل الوقت لانتفاع الجيران وتهيّئهم للعبادة ، والذي يختص بالوقت وما بعده هو أذان الاعلام وأذان الصلاة .
بقي أمران أحدهما : تضمنت صحيحة عمران الحلبي تجويز الاذان قبل الفجر للمنفرد قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الاذان قبل الفجر ، فقال : اذا كان في جماعة فلا ، واذا كان وحده فلابأس»(1) وهي تعارض صحيحتي ابن سنان المتقدمتين الدالتين على اطلاق المنع وحملهما على خصوص الجماعة كما ترى لقلتها وقتئذ في تلك الازمنة ، والمرجع بعد التساقط اطلاق صحيحة معاوية بن وهب الدالة على اشتراط اذاني الاعلام والصلاة بدخول الوقت من غير فرق بين الجماعة والفرادى فتأمل . ولا يبعد حمل نفي البأس في صحيحة الحلبي على عدم اهمية الاذان للصلاة فرادى بخلاف الجماعة بل قيل بوجوبه لها كما تقدم .
ثانيهما : روى في المستدرك عن أصل زيد النرسي عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال : سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال (عليه السلام) : لا ، إنما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما يطلع» وفي روايته الاُخرى عنه (عليه السلام) «أنه سمع الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال : شيطان ، ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال (عليه السلام) : الأذان حقّاً»(2) لكن السند ضعيف ، لجهالة الطريق إلى كتاب زيد ـ كما تقدم(3) ـ .
إذن فما تضمنته النصوص المتقدمة من جواز الأذان قبل الفجر لانتفاع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 390/ أبواب الأذان والاقامة ب 8 ح 6 .
(2) المستدرك 4 : 25/ أبواب الأذان والاقامة ب 7 ح 2 .
(3) في ص 298 .
ــ[341]ــ
وإن كان الأحوط إعادته بعده(1) . ـــــــــــــــــــــــ
الجيران سليمة عن المعارض ، ولعل قوله :« شيطان» إشارة إلى أذان المخالفين حيث يذهبون ـ على ما قيل ـ إلى دخول الوقت بطلوع الفجر الكاذب ، والأذان الثاني الذي وصفه بالحق كان مع الفجر الصادق ، فلا ترتبط الرواية بما نحن فيه .
(1) فانّ أقصى ما دلت عليه النصوص المتقدمة جواز التقديم لانتفاع الجيران ، وهو أذان آخر غير أذان الفجر إعلاماً أو صلاة ، فلا وجه للاجتزاء به بعد عدم دلالة النصوص عليه بوجه .
|