ــ[346]ــ
فصل
[في مستحبات الأذان والاقامة]
يستحب فيهما اُمور :
الأول : الاستقبال(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أمّا في الأذان فيستدل له ـ مضافاً إلى نفي الخلاف ، بل حكاية الاجماع عن غير واحد ـ بمرسلة دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) : «يستقبل المؤذّن القبلة في الأذان والاقامة ، فاذا قال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح حوّل وجهه يميناً وشمالا(1) وهي لمكان ضعف السند لا تصلح الا للتأييد .
وربما يستدل له ايضاً كما في الجواهر(2) باطلاق قوله (عليه السلام) «خير المجالس ما استقبل فيه القبلة»(3) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بالارسال ، أنّها ناظرة إلى كيفية الجلوس ، ولا ربط لها بالأذان من حيث هو أذان الذي هو محل الكلام . فالعمدة هو التسالم المؤيد بخبر الدعائم ، وهذا المقدار كاف في إثبات الاستحباب هذا .
وربما يستفاد من بعض النصوص وجوب الاستقبال حال التشهد ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن الرجل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدعائم 1 : 144 .
(2) الجواهر 9 : 93 .
(3) الوسائل 12 : 109/ أبواب أحكام العشرة ب 76 ح 3 .
ــ[347]ــ
يؤذّن وهو يمشي ، أو على ظهر دابته أو على غير طهور ، فقال : نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلابأس»(1) .
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « قلت له : يؤذّن الرجل وهو على غير القبلة ، قال : إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلابأس»(2) فانّ مقتضى مفهوم الشرط ثبوت البأس إذا لم يكن مستقبلا حال التشهد .
إلا أنّه لابد من حملهما على الأفضلية ، بقرينة صحيحة زرارة المتقدمة(3) المفصّلة بين الأذان والاقامة ، والمصرّحة في الأول بقوله (عليه السلام) «أينما توجهت» الظاهر في عدم اعتبار الاستقبال في شيء من فصول الأذان ، بعد وضوح امتناع حملها على ما عدا التشهد ، لمنافاته مع المقابلة بينه وبين الاقامة الظاهرة في أنّ طرف المقابلة تمام الأذان بجميع فصوله لا خصوص ما عدا التشهد ، وإلا كان الأحرى التقابل بين فصول الأذان أنفسها ، لا بينه وبين الاقامة كما لا يخفى .
فتكون نتيجة الجمع أفضلية مراعاة الاستقبال في التشهد وآكديته من بقية الفصول .
وأمّا في الاقامة ، فيستدل تارة بخبر الدعائم وقد عرفت ما فيه .
واُخرى : بالنصوص المتضمّنة لتنزيل الاقامة منزلة الصلاة ، وأنّ الداخل فيها كالداخل فيها ، كرواية سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) « . .وليتمكن في الاقامة كما يتمكن في الصلاة ، فانّه إذا أخذ في الاقامة فهو في صلاة»(4) ورواية يونس الشيباني عن أبي عبد الله (عليه السلام) : « . . . إذا أقمت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 403/ أبواب الأذان والاقامة ب 13 ح 7 .
(2) الوسائل 5: 456/ أبواب الأذان والاقامة ب 47 ح 1.
(3) في ص 341 .
(4) الوسائل 5 : 404/ أبواب الأذان والاقامة ب 13 ح 12 .
ــ[348]ــ
الصلاة فأقم مترسلا فانّك في الصلاة»(1) ورواية أبي هارون المكفوف قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : يا أباهارون الإقامة من الصلاة ، فاذا أقمت فلا تتكلم ولا توم بيدك»(2) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف سند الجميع ما عدا الأخير بناءً على المختار من وثاقة رجال الكامل كما تقدم(3) أنّها قاصرة الدلالة ، إذ بعد تعذر المعنى الحقيقي ، ضرورة أنّ الصلاة أوّلها التكبير وآخرها التسليم ، فكيف تكون الاقامة جزءاً من الصلاة والمقيم داخلا فيها ، فلا جرم يراد منها التنزيل ، وحيث إنّه لا يكون من جميع الجهات قطعاً ، إذ يعتبر في الصلاة ما لا يعتبر في الاقامة بالضرورة كعدم الوقوع في الحرير والنجس وغير المأكول ونحو ذلك ، فلابد وأن يراد التنزيل من بعض الجهات ، والمتيقن بل المنصرف منها ما هو المذكور في تلك النصوص من التمكن ـ أي الاستقرار ـ وعدم التكلم وعدم الايماء باليد والترسل ، ولا تشمل سائر الجهات التي منها الاستقبال لتدل على استحبابه فيها .
ومما يكشف عن عدم عموم التنزيل زائداً على ما عرفت : جواز التكلم أثناء الاقامة وإن كان مكروهاً ، بل حتى بعدها من دون كراهة فيما يتعلق بتسوية الصفوف ، مع عدم جوازه أثناء الصلاة اطلاقاً ، فاذا لم يكن تنزيل حتى بلحاظ التكلم المذكور في الخبر إلا باعتبار الاشتراك في جامع المرجوحية ، فما ظنك بالاستقبال الذي لم يذكر فيه .
نعم ، لابأس بالاستدلال بصحيحة زرارة المتقدمة(4) المفصّلة بين الأذان والاقامة ، حيث إنّ ظاهر المقابلة الأمر بالاستقبال كالقيام والطهارة في الاقامة ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 403/ أبواب الأذان والاقامة ب 13 ح 9 .
(2) الوسائل 5 : 396/ أبواب الأذان والاقامة ب 10 ح 12 .
(3) ولكن الراوي وهو المكفوف ، وكذا صالح بن عقبة لم يكونا من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا يشملهما التوثيق .
(4) في ص 341 .
|