حكم مَن ترك الأذان والاقامة عمداً حتى أحرم للصلاة - هل يجوز قطع الصلاة لتدارك الأذان والاقامة لمن نسيهما؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6400


ــ[356]ــ

   [1407] مسألة 4 : من ترك الأذان أو الاقامة أو كليهما عمداً حتى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها لتداركهما((1))(1) . نعم ، إذا كان عن نسيان جاز له القطع ما لم يركع((2))(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لوضوحها لا حاجة إلى التعرض لها ، والأحرى أن نطوي الكلام عنها ونصرفه في الأهم .

   (1) كما عليه غير واحد ، بناءً على المشهور من حرمة قطع الفريضة ، لوضوح عدم جواز ارتكاب المحرم لادراك المستحب كوضوح اختصاص النصوص الآتية بصورة النسيان وعدم شمولها للعامد . فالحكم مطابق للقاعدة .

   وكذا على المختار من كراهة القطع ـ وإن كان تركه أحوط ـ إذ تقع المزاحمة حينئذ بين ترك المكروه وبين درك المستحب ، ولا ينبغي الشك في أنّ ترك القطع أهم لاحتمال حرمته الواقعية ، وأنّ ما عليه المشهور هو الصواب . فلا مناص من تقديم تركه على ما يحتمل فيه الحرمة وإن تضمّن الفضيلة لاستقلال العقل بتقديم ما لا يحتمل معه المفسدة على ما يحتمل وإن كان مقروناً بالمثوبة .

   (2) على المشهور ، للنص الصحيح الذي بمقتضاه يخرج عمّا عرفته من مقتضى القاعدة ، وهو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك»(3).

   ولكن بازائه طوائف من الأخبار :

   أوّلها : ما تضمّن المضي في الصلاة إذا تذكر بعد الدخول فيها كصحيحة زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي الأذان والاقامة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

(2) لا يبعد جواز القطع بعد الركوع أيضاً حتى فيما لونسي الاقامة وحدها .

(3) الوسائل 5 : 434/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 3 .

ــ[357]ــ

حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فانّما الأذان سنّة»(1) .

وصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل نسي الأذان والاقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : ليس عليه شيء»(2) .

   المؤيدتين برواية زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قلت له : رجل ينسى الأذان والاقامة حتى يكبّر ، قال : يمضي على صلاته ولا يعيد»(3) فانّها غير نقيّة السند ، لاشتماله على من هو مردد حسب اختلاف النسخة بين أبي جميلة الذي هو المفضل بن صالح ولم يوثق وبين ابن جبلة الذي هو عبد الله بن جبلة الثقة ، ومن ثم لا تصلح إلا للتأييد .

   وربما يجمع بينها وبين صحيح الحلبي بحملها على ما بعد الركوع .

   ويندفع بابائها عن ذلك ، لظهورها في أنّ الموضوع للمضي مجرد الدخول في الصلاة وافتتاحها ، فكيف تحمل على ما بعد الركوع ، ولاسيّما مع التعليل في بعضها بأنّ الأذان سنّة ، المقتضي للتعميم بين ما بعد الركوع وما قبله لاتحاد المناط ، والأمر في رواية زرارة أوضح كما لا يخفى ، لجعل المدار على مجرد التكبير ، فكيف يلغى ويجعل الاعتبار بالركوع .

   فالصحيح أن يقال : إنّ صحيح الحلبي ظاهر في وجوب الانصراف ، وهذه صريحة في جواز المضي ، فترفع اليد عن الظاهر بالنص ويحمل على الاستحباب .

   ثانيها : رواية زكريا بن آدم قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أنّي لم اُقم فكيف أصنع ؟ قال : اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، ثم امض في قراءتك وصلاتك ، وقد تمّت صلاتك»(4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 5 : 434/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 1 ، 2 .

(3) الوسائل 5 : 436/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 7 .

(4) الوسائل 5 : 435/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 6 .

ــ[358]ــ

   فقد يقال بأنها مخصصة لما دلّ على البطلان بكلام الآدمي ، كما أنّها معارضة لصحيح الحلبي .

   وفيه : أنّها ضعيفة السند باسحاق بن آدم فانه مهمل ، وكذا بأبي العباس فانه مجهول ، فلا تنهض لا للتخصيص ولا للمعارضة .

   ثالثها : رواية نعمان الرازي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف»(1) .

   فقد يقال إنّها توجب تقييد صحيح الحلبي واختصاص الانصراف بما إذا لم يكن من نيّته الأذان والاقامة . أمّا لو نواهما حينما دخل المسجد فلا انصراف ، بل يمضي ويكتفي بالنية عن العمل ، وكأنه لقولهم (عليهم السلام) «إنّما الأعمال بالنيات»(2) .

   ويندفع ـ مضافاً إلى ضعف السند إذ لم يوثق الرازي ـ بقصور الدلالة ، فانّ دخول المسجد ـ بعد وضوح عدم خصوصية فيه ـ كناية عن كونه بانياً على الأذان والاقامة قبل بضع دقائق من الدخول في الصلاة ، ومن البيّن أنّ غالب المصلين كذلك . فالحمل على الناسي غير الناوي حمل للمطلق على الفرد النادر كما لا يخفى .

   رابعها : النصوص المفصّلة بين ما إذا كان التذكر قبل الشروع في القراءة فينصرف ، وما كان بعده فيمضي .

   منها : رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : في الرجل ينسى الأذان والاقامة حتى يدخل في الصلاة ، قال : إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله) وليقم وإن كان قد قرأ فليتم صلاته»(3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 436/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 8 .

(2) الوسائل 1 : 48/ أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10 .

(3) الوسائل 5 : 434/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 4 .

ــ[359]ــ

   وفيه : أنّها ضعيفة السند وإن عبّر عنها صاحب الحدائق(1) وغيره ممّن تأخر عنه بالصحيحة لجهالة(2) طريق الشيخ إلى محمد بن إسماعيل الواقع في السند ، وإن كان هو ثقة في نفسه(3) وما ذكره السيد التفريشي(4) من صحة الطريق غير واضح .

   نعم ، طريقه إلى محمد بن اسماعيل بن بزيع صحيح ، لكنه غير مراد في المقام قطعاً ، إذ هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) فكيف يروي عنه من هو من مشايخ الكليني ويروي عن الفضل بن شاذان .

   هذا ، ومع الغض عن السند فيمكن الجمع بينها وبين صحيح الحلبي بالحمل على اختلاف مراتب الفضل ، بأن يكون الانصراف فيما اذا كان التذكر قبل الركوع أفضل ، وأفضل منه فيما إذا كان قبل الشروع في القراءة فلا تنافي بينهما ، فهي قاصرة عن المعارضة سنداً ودلالة .

   ومنها : رواية زيد الشحام التي هي بنفس المضمون(5) وهي أيضاً ضعيفة السند ، لضعف طريق الصدوق إلى الشحام بأبي جميلة ، والكلام في الدلالة ما عرفت .

   ومنها : رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر أنّه لم يقم قال : فان ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يقيم ويصلي ، وإن ذكر بعدما قرأ بعض السورة فليتمّ صلاته»(6) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 7 : 368 .

(2) هذه الجهالة لا تقدح بعد أن رواها في الاستبصار 1 : 303/1126 عن الكليني مباشرة مضافاً إلى وجودها في الكافي أيضاً [الكافي3 : 305 / 14] .

(3) لا توثيق له ماعدا وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وقد عدل (رحمه الله) عنه أخيراً .

(4) نقد الرجال 5 : 343 .

(5) الوسائل 5 : 436/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 9 .

(6) الوسائل 5 : 435/ أبواب الأذان والاقامة ب 29 ح 5 .

ــ[360]ــ

   والكلام في الدلالة ما عرفت ، وأمّا من حيث السند فالظاهر أنّها معتبرة ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا الحسين بن أبي العلاء وهو مضافاً إلى كونه من رجال كامل الزيارات يظهر توثيقه من عبارة النجاشي ، حيث إنّه بعد أن ذكر أنّ أخويه علي وعبدالحميد قال : وكان الحسين أوجههم(1) ، وقد وثق عبد الحميد عند ترجمته(2) . فتدل العبارة على وثاقته أيضاً بناءً على أنّ الذي وثقه هو أخو الحسين . هذا ومع التشكيك لاحتمال كونه رجلا آخر كما لا يبعد ، فلا أقل من دلالتها على كونه أوجه أخويه من جهة الرواية(3) كما لا يخفى .

   هذا ، وقد فسّر صاحب الحدائق(4) هذه الطائفة من الأخبار بأنّ المراد من قوله : «وليقم» هو قول : قد قامت الصلاة مرتين ، لا أنّه يقطع الصلاة لتدارك الاقامة ثم يستأنفها ، واستشهد لذلك بخبر زكريا بن آدم المتقدم زاعماً أنّه يكشف الاجمال عن هذه الأخبار وأنّه من حمل المجمل على المفصل ، وأنكر على من حملها على الانصراف والاستئناف قائلا إنّ ذلك بعيد غاية البعد .

   واستغرب منه المحقق الهمداني(5) (قدس سره) ذلك ، نظراً إلى أنّ مورد الخبر ما إذا كان التذكر في الركعة الثانية ، ومورد هذه النصوص ما إذا كان بعد الافتتاح وقبل الشروع في القراءة ، فأحدهما أجنبي عن الآخر ، فكيف يستشهد به ويجعل شارحاً وكاشفاً للقناع .

   وما أفاده (قدس سره) وجيه وصحيح كما لعله ظاهر ، ولعل ذلك يعدّ من غرائب ما صدر من صاحب الحدائق (قدس سره) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 52/117 .

(2) رجال النجاشي : 246 / 647 .

(3) استظهار الأوجهيّة من جهة الرواية غير بيّن ولا مبيّن وقد صرّح (قدس سره) في المعجم بأنّ الموثق رجل آخر المعجم 6 : 200/3276 ولم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .

(4) الحدائق 7 : 370 .

(5) مصباح الفقيه (الصلاة) : 216 السطر 24 .

 
 

ــ[361]ــ

   خامسها : صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمّت صلاته وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد»(1) .

   وقد جمع صاحب الوسائل بينها وبين صحيح الحلبي بحمل هذه على ما قبل الدخول في الركوع ، فجعل الصحيح مقيّداً لاطلاقها .

   ولكنه كما ترى ، لجعل المناط في الاعادة في هذه الصحيحة عدم الفراغ من الصلاة ، وفي صحيح الحلبي عدم الدخول في الركوع ، فلو اُريد الثاني من الأوّل لزم التنبيه ، وحمله عليه بعيد عن الذهن جداً ، ولم يكن من الجمع العرفي في شيء .

   بل الصحيح في وجه الجمع ما ذكره الشيخ في التهذيبين(2) ، وتبعه في المفاتيح(3) ، من حمل الأمر بالمضي في صحيح الحلبي على الجواز ، لصراحة هذه الصحيحة في محبوبية الاعادة ما لم يفرغ ، فانّ حرمة قطع الفريضة ـ على القول بها ـ دليلها الاجماع ، والقدر المتيقن منه غير المقام ، بل لا إجماع في المقام بعد ذهاب الشيخ إلى جواز القطع مالم يفرغ ، عملا بصحيحة ابن يقطين . نعم قد أعرض المشهور عنها ولم يعملوا بها ، لكن الاعراض لا يسقط الصحيح عن الاعتبار على المسلك المختار .

   والمتحصل من جميع ما تقدم : أنّ ناسي الأذان والاقامة حتى دخل الفريضة يستحب له الانصراف لتدراكهما ، غاية الأمر أنّ مراتب الفضل تختلف حسب اختلاف موارد القطع ، فالأفضل ما إذا كان التذكر قبل القراءة ، ويليه في الفضيلة ما لو كان قبل الركوع ، ودونهما في الفضل ما إذا كان قبل الفراغ من الصلاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 433/ أبواب الأذان والاقامة ب 28 ح 3 .

(2) التهذيب 2 : 278 ، الاستبصار 1 : 304 .

(3) مفاتيح الشرائع 1 : 119 .

ــ[362]ــ

منفرداً كان أو غيره(1) حال الذكر ، لا ما إذا عزم على الترك زماناً معتدّاً به ثم أراد الرجوع(2) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) خلافاً للشرائع حيث خصّه بالمنفرد(1) ، ونحوه ما عن المبسوط(2) وغيره ، ولا وجه له بعد إطلاق النص والفتوى كما اعترف به غير واحد .

   ودعوى الانصراف إلى المنفرد عريّة عن الشاهد . نعم فرض النسيان في الجماعة في غاية القلة ، لا ختصاصه بما إذا كان الامام أو أحد المأمومين موظفاً بالاتيان بهما فنسي ثم تذكر في الصلاة ، فانّه يستحب له الرجوع بمقتضى إطلاق النصوص حسبما عرفت .

   وأمّا إذا دخل الامام المسجد فتخيّل أنّ بعض المأمومين أتى بهما فعقد الجماعة ثم تبين الخلاف ، أو أنّ المأموم دخل المسجد فرأى جماعة منعقدة فلحق بها معتقداً أنّهم أذّنوا وأقاموا ، أو أنّ المأمومين اعتقدوا أنّ الامام أذّن وأقام فانكشف الخلاف ، فانّ شيئاً من ذلك غير مشمول للنصوص ، لأنّ موردها النسيان لا تخيّل السقوط للاتيان ، فلا يشرع في مثله الانصراف ، بل يحرم على القول بحرمة قطع الفريضة .

   ولعل القائل بالاختصاص أو الانصراف ينظر إلى هذه الجهة ، لاختصاص النسيان بصورة التوظيف ـ كما سمعت ـ التي هي فرض نادر ، والغالب في الجماعة هو ماعرفت من التخيل ، وفي شمول النصوص له منع أو تأمل .

   (2) جموداً في الحكم المخالف لدليل حرمة الابطال أو كراهته على المقدار المتيقن وهو حال الذكر فلا يشمل العازم على الترك ، بل ولا المتردد كما اشار إليه في الجواهر(3) . ولكنه كما ترى مخالف لاطلاق النص والفتوى . ومن البين ان مجرد التيقن لا يستوجب رفع اليد عن الاطلاق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشرائع 1 : 90 .

(2) المبسوط 1: 95.

(3) الجواهر 9 : 71 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net