ــ[14]ــ
بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صحّ إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ الأمر المتعلق به وجوبي أو استحبابي ، إذ لا دخل له لا في تحقق ذات المأمور به ، ولا في إضافته إلى المولى .
ومنه تعرف الحال في الأداء والقضاء ، وأنّ المأمور به فيهما أيضاً حقيقة واحدة ، غاية الأمر أنّ الأوّل مشروط بالوقوع في الوقت ، وبعد خروجه ـ وعدم امتثاله عصياناً أو نسياناً ـ تلغو الخصوصية ويبقى الأمر بالطبيعة ـ ولو بأمر جديد ـ من غير أن يتقيد بالوقوع خارج الوقت ، كيف وهو لازم عقلي وأمر ضروري غير اختياري لا بدّ منه ، فلا موقع لمراعاة التقييد فيه .
وعلى الجملة : فالأداء شرط مأخوذ في الطبيعة كسائر الشرائط ، كالطهارة من الخبث والاستقبال ونحوهما ، وهي برمّتها توصلية لا يعتبر الالتفات إليها تفصيلاً ليلزم قصدها .
وأمّا القضاء ، فالأمر فيه أوضح، لما عرفت من أنّ خصوصية الوقوع خارج الوقت لم تكن قيداً شرعياً ملحوظاً في جانب المأمور به ليلزم قصده ، وإنّما هو عقلي محض .
فتحصّل : أ نّه لا تعتبر مراعـاة شيء من الخصـوصيات المزبورة لا الأداء والقضاء ، ولا القصر والتمام ، ولا الوجوب والندب ، إلاّ فيما إذا توقف التعيين عليه حسبما عرفت .
(1) فصّل (قدس سره) في مفروض المسألة بين ما إذا كان قصد الخصوصية من باب الاشتباه في التطبيق وبين ما إذا كان من باب التقييد ، فحكم (قدس سره) بالصحة في الأوّل والبطلان في الثاني .
ــ[15]ــ
أقول : أمّا الأوّل ، فظاهر الوجـه ، إذ بعد أن كانت الحقيقة واحـدة وهي صلاة الفجر مثلاً، وكان لها أمر واحد على الفرض، فتخيّل المصلي أ نّه استحبابي فبان أ نّه وجوبي، أو أ نّه أدائي فبان أ نّه قضائي أو بالعكس، الراجع إلى الاشتباه في خصوصية من صفات الأمر أو المأمور به ، لا مدخل له في صحة العبادة بعد اشـتمالها على تمام ما هو المقـوّم لها من ذات العمـل مع قصد التقرّب كما هو المفروض وهذا واضح .
وأمّا الثاني ، فغير واضح ، بل في حيّز المنع ، فانّ مستند البطلان هو أنّ المصلي بعد أن قيّد عمله بالخصوصية التي زعمها بحيث لو علم بفقدها لم يعمل ـ لا أ نّه يعمل على كل تقدير ، غايته أ نّه اشتبه في التطبيق كما في الصورة السابقة ـ فهو في الحقيقة فاقد للنيّة بالاضافة إلى ما صدر منه لاندراجه في كبرى : ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد .
ولكنه كما ترى ، لامتناع التقييد في أمثال المقام حسبما تكررت الاشارة إليه في مطاوي هذا الشرح ، ضرورة أ نّه إنّما يتصور فيما هو قابل للتقييد كالمطلقات والكليات التي هي ذات حصص وأصناف ، كبيع منّ من الحنطة القابل للتقييد بكونها من المزرعة الفلانية .
وأمّا الجزئي الحقيقي والموجود الخارجي ـ كما في المقام ـ فانّه لا سعة فيه ليقبل التضييق والتقييد ، فلو اعتقد أنّ زيداً صديقه فأكرمه فبان أ نّه عدوّه ، أو أنّ المال الفلاني يترقى فاشتراه ليربح فتنزّل ، أو أنّ من في المحراب زيد فبان أ نّه عمرو ـ وهو لا يريد الاقتداء به وإن كان عادلاً ـ فهذه الأفعال من الاكرام والشراء والاقتداء ومنها الصلاة في محل الكلام ، صادرة منه بالضرورة ، وهي جزئيات خارجية لا يعقل فيها التقييد ، فانّ الفاعل وإن كان بحيث لو علم بالخلاف لم يفعل إلاّ أ نّه بالأخرة فَعَل وصدر منه العمل ، وهذا العمل الصادر جزئي حقيقي لا إطلاق فيه ليقبل التقييد . فلا جرم يكون التقييد المزعوم من
ــ[16]ــ
كأن قصد امتثال الأمر المتعلِّق به فعلاً وتخيّل أ نّه أمر أدائي فبان قضائياً أو بالعكس ، أو تخيّل أ نّه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس، وكذا القصر والتمام(1) وأمّا إذا كان على وجه التقـييد((1)) فلا يكون صحيحاً ، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلاّ ، أو الأمر الوجوبي ليس إلاّ ، فبان الخلاف فانّه باطل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبيل التخلّف في الداعي ، والاشـتباه في التطبيق بطبيعة الحال ، لأنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه ، فهو مقصود لا محالة ـ لا أ نّه غير مقصود ـ وإنّما الخطأ في الداعي الباعث على ارتكابه حسبما عرفت .
فلا مناص من الحكم بالصحة في جميع هذه الموارد ، وكيف لا يحكم بها في من صلّى نافلة الليل بزعم أنّ هذه ليلة الجمعة ، أو زار الإمام (عليه السلام) كذلك بحيث لو كان يعلم أ نّها ليلة اُخرى لم يصلّ ولم يزر ، فانّ الحكم ببطلان الصلاة أو الزيارة كما ترى ، ضرورة أنّ المعتبر في صحة العبادة إنّما هو الاتيان بذات العمل مع قصد التقرب ، وقد فعل حسب الفرض، ومعه لامقتضي للبطلان بوجه .
(1) عدّ هذا من باب الاشتباه في التطبيق غير واضح ، فانّ صلاة القصر مقيّدة بالتسليم على الركعتين والتمام بعدمه ، فكل منهما مقيد بقيد مضادّ للآخر ومن البيّن اعتبار قصد المأمور به بتمام أجزائه ولا يكفي البعض ، غاية الأمر كفاية النيّة الاجماليـة ولا يعتبر التفصيل ، فلو جهل الوظيفة الفعلية وكانت الرِّسالة العملية موجودة عنده لا بأس حينئذ بالشروع بقصد ما في الذمّة ، ثمّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا أثر للتقييد فيما لا يعتبر فيه قصد العنوان ولو إجمالاً كالقصر والإتمام والوجوب والندب وما شاكلها ، فانّ العبرة في الصحة في هذه الموارد إنّما هي بتحقق ذات المأمور به مع الاتيان بها على نحو قربي ، نعم يصح ذلك في مثل الأداء والقضاء ونحوهما .
|