أقسام الرِّياء في العبادة - أقسام ضمّ الرِّياء إلى القربة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4689


ــ[23]ــ

   ثمّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه :

   أحدها : أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس (1) من دون أن يقصد به امتثال أمر الله تعالى ، وهذا باطل بلا إشكال ، لأ نّه فاقد لقصد القربة أيضاً .

   الثاني : أن يكون داعيه ومحرِّكه على العمل القربة وامتثال الأمر والرياء معاً ، وهذا أيضاً باطل ، سواء كانا مسـتقلّين أو كان أحدهما تبعاً والآخر مستقلاًّ ، أو كانا معاً ومنضمّاً محرّكاً وداعياً (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وكيف كان، فأصل الاعتبار المستلزم لبطلان العبادة المراءى فيها ممّا لا غبار عليه ، وقد تظافرت به الروايات التي عقد لها في الوسائل باباً مسـتقلاًّ (1) إنّما الكلام في بعض خصوصيات المطلب وستعرف الحال فيها في التعاليق الآتية .

   (1) بأن يكون الداعي الوحيد هو الرياء فحسب ولا يقصد به طاعة الربّ بوجه ، والبطلان في هذا القسم ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف حتى من السيّد المرتضى ، لفقد قصد القربة المعتبر في صحة الصلاة ، فانّ كون الصلاة عبادة وافتقار العبادة إلى قصد التقرب كاد أن يكون من الواضحات التي لامرية فيها .

   (2) وهذا القسم أعني ضمّ قصد الرياء إلى القربة ينحل إلى صور أربع :

   إحداها : أن يكون الباعث على ارتكاب العمل والمحرِّك نحوه مجموع القصدين فكل منهما جزء من المؤثر بحيث لو انعزل أحدهما عن الآخر لما ترتب الأثر لقصور كل منهما وحده عن صلاحية الدعوة والتحريك ، فلا يكون الداعي إلاّ مجموع القصدين على صفة الانضمام .

   الثانية :  أن يكون كل منهما مستقلاً في التأثير في حدّ نفسه ، بحيث لو انفرد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 1 : 70 /  أبواب مقدمة العبادات ب 12 .

ــ[24]ــ

عن الآخر كان تامّ الداعوية وصالحاً للتحريك ، وإن كان التأثير الفعلي مستنداً إلى مجموع الأمرين لا خصوص كل منهما من جهة استحالة توارد علّتين على معلول واحد .

   الثالثة :  أن يكون الداعي الإلهي أصيلاً والريائي تابعاً .

   الرابعة :  عكس ذلك .

   لا ريب في البطلان في الصورة الاُولى ، من جهة الاخلال بقصد التقرب المعتبر في صحّة العبادة ، إذ المعتبر فيها أن يكون الانبعاث نحو العمل عن قصد الأمر ، والمفروض في المقام عدمه ، لقصور هذا الداعي عن صلاحية الدعوة في حدّ نفسه على الفرض ، فالبطلان في هذه الصورة على طبق القاعدة ولو لم يكن نص في البين ، كما لا ريب في البطلان في الصورة الأخيرة كما هو واضح .

   وأمّا الصورة الثانية ، فمقتضى القاعدة الصحة ، إذ لا يعتبر في اتصاف العمل بالعبادية أكثر من صدوره عن داع قربي مستقل في الداعوية في حدّ نفسه المتحقق في الفرض ، ولم يعتبر عدم اقترانه بداع آخر ولو كان مستقلاً في الدعوة ، فالمناط بلوغ الباعث الإلهي حدّاً يصلح للدعوة التامّة من دون قصور فيها ، سواء اقترن بداع آخر أم لا .

   ومن هنا يحكم بصحة الغسل مثلاً ولو كان قاصداً للتبريد أيضاً ، على نحو يكون كل منهما في حدّ نفسه مستقلاً في التحريك ، كما يحكم بصحة الصوم ممّن له كرامة في المجتمع بحيث لا يكاد يتجاهر بالافطار في شهر رمضان ولو لم يكن هناك رادع إلهي ، تحفظاً على كرامته ومقامه .

   وبالجملة : حيث إنّ الضميمة المزبورة لا ينثلم بها قصد التقرب المعتبر في العبادة ، ولا توجب خللاً في صدق الطاعة ، فمقتضى القاعدة الصحة في هذه الصورة .

ــ[25]ــ

   وبطريق أولى في الصورة الثالثة كما لا يخفى ، من دون فرق بين المقام وغيره من سـائر الضمائم ممّا تكون الضـميمة من هذا القبيل ، أي كانت مسـتقلّة في التحريك كقصد القربة ، أو كانت تابعة والتقرّب أصيلاً .

   لكنّا خرجنا عنها في خصوص المقـام ـ أعني الرياء ـ  بمقتضى النصـوص المتظافرة الدالّة باطـلاقها على البطلان حتى في هاتين الصورتين فضلاً عن غيرهما ، وهي كثيرة جدّاً قد عقد لها في الوسائل باباً مستقلاً وأكثرها مرويّة عن المحاسن نذكر بعضها :

   فمنها : صحيحة زرارة وحمران عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً» (1) .

   وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يقول الله عزّ وجلّ : أنا خير شريك فمن عمل لي ولغيري فهو لمن عمله غيري» (2) . ونحوهما غيرهما . فانّ المراد بالشرك الشرك في العبادة دون الربوبية كما هو واضح ، ومن أظهر آثاره الحرمة ، فاذا كان حراماً بطل ، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب .

   ومن الواضح أنّ إدخال رضا أحد من الناس صادق حتى فيما إذا كان الرياء تابعاً ، فضلاً عما إذا كان مستقلاً في التحريك في عرض الباعث الإلهي ، وكذا قوله : «فمن عمل لي ولغيري» في الرواية الأخيرة ، فالروايتان وغيرهما تشمل جميع الصور المتقدمة ، فيحكم بالبطلان من أجلها .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 67 /  أبواب مقدمة العبادات ب 11 ح 11 ، المحاسن 1 : 212 / 384 .

(2) الوسائل 1 : 72 /  أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 7 ، المحاسن 1 : 392 / 875 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net