وأمّا إن كان من سنخ الأذكار كالقرآن والدعاء ونحوهما ، فان كان بقصد الجـزئية ، كما لو راءى في فاتحة الكـتاب المأتي بها بقصد كونها من الصلاة فالأقوى حينئذ البطلان أيضاً ، لصدق الزيادة العمدية المبطلة ، إذ لا معنى للزيادة سوى الاتيان بشيء بقصد كونه من الصلاة ولم يكن منها . ودعوى انصراف الأدلّة عن مثله كما تقدّم عن المحقق الهمداني (قدس سره) غير مسموعة.
وأمّا إذا لم يقصد به الجزئية ، كما لو قرأ بعد الحمد مثلاً سورة الجمعة بقصد القرآنية رياءً وبعدها أتى بسورة اُخرى قاصداً بها الجزئية ، فهل تبطل الصلاة حينئذ ؟ إشكال ينشأ من شمول أدلّة مبطلية الكلام لمثله وعدمه .
اختار جمع منهم شيخنا الاُستاذ (قدس سره) الأوّل(2) ، بدعوى أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ كل تكلم عمدي فهو مبطل للصلاة، وإنّما الخارج عنه بالتخصيص ما كان ذكراً أو قرآناً أو دعاءً مأموراً به وجوباً أو استحباباً ، فغير المأمور به من هذه الاُمـور داخل في عموم قوله (عليه السلام) : «مَن تكلّم في صلاته متعمداً فعليه الاعادة» (3) . ولا شك أنّ المأتي به رياءً من هذه الاُمور حيث إنّه محرّم فهو خارج عن عنوان المخصص ومشمول لعموم العام ، فيكون مبطلاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الوسائل 6 : 105 / أبواب القراءة في الصلاة ب 40 .
(2) كتاب الصلاة 2 : 18 ، 19 .
(3) الوسائل 7 : 281 / أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2 (نقل بالمضمون) .
ــ[28]ــ
هذا ، ولكنّ الأقوى الثاني ، لقصور الأدلة المزبورة عن الشمول للمقام ، فانّ المبطل من الكلام خاص بكلام الآدمي كما قيّد بذلك في كلمات الفقهاء، وسيجيء بيانه في محلّه إن شاء الله تعالى(1) ، ولا ريب أنّ الذكر أو الدعاء أو القرآن خارج عن موضوع كلام الآدمي وإن كان محرّماً ، فهو قرآن أو ذكر أو دعاء محرّم ولا يعدّ من كلام الآدمي في شيء ، واختلاف الحكم من كونه مأموراً به وعدمه لا يؤثِّر في ذلك شيئاً، فهي خارجة عن الكلام المبطل خروجاً موضوعياً، والنسبة نسبة التخصص دون التخصيص .
فالأقوى : أنّ هذه الاُمور المأتي بها رياءً إنما تبطل الصلاة إذا كانت بعنوان الجزئية من جهة استلزام الزيادة حينئذ كما عرفت ، دون ما إذا لم يقصد بها الجزئية ، إلاّ إذا استلزم الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة ، كما إذا قرأ سورة طويلة رياءً ، فانّها توجب البطـلان حينئذ من هذه الجهة وإن لم يقصد بها الجزئية .
وعلى الجملة : الرياء في الجزء بما هو كذلك لا يقتضي إلاّ فساده في حدّ نفسه وإنّما يسري إلى الصلاة فيما إذا استلزم عروض عنوان آخر يقتضي الفساد ، إما من جهة الزيادة ، أو محو الصورة ، أو التكلم العمدي على القول به كما عرفت هذا كلّه في الصلاة .
وأمّا فيما عداها من سائر العبادات ممّا لا تكون الزيادة مبطلة لها كالوضوء والغسل ونحوهما ، فلا موجب للبطلان أصلاً . فلو غسل يده اليمنى مثلاً رياءً حتى بقصد الجزئية ثم ندم فتداركه بقصد التقرب صحّ مع مراعاة الموالاة ، لعدم كون الزيادة مبطلة في غير الصلاة .
نعم ، هناك وجه آخر للبطلان لو تمّ لعمّ وشمل جميع أقسام العبادات ، وهو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 293 ، شرح العروة 15 : 445 شرح المسألة [ 1710 ] .
ــ[29]ــ
التمسك باطلاق قوله (عليه السلام) : في الصحيحة المتقدمة(1) «وأدخل فيه رضا أحد من الناس» حيث إنّ مفاده أنّ كل عمل تضمّن الرياء ورضا أحد من الناس ولو باعتبار جزئه كان باطلاً ، لسراية الفساد الناشئ من الرياء إلى الكل كسراية النار في القطن، فينتج فساد الوضوء في الفرض المزبور فضلاً عن الصلاة وكذا غيرهما من سائر العبادات .
لكن هذا الوجه مبني على أن يكون المراد من كلمة «فيه» في الصحيحة مطلق الظرفية ، ومن الواضح عدم امكان الالتزام بذلك ، وإلاّ لزم القول بفساد الوضوء أو الصوم فيما لو قرأ في الأثناء سورة أو دعاءً أو ذكراً رياءً ، لصدق إدخال رضا الناس فيه وكونه ظرفاً للرياء وإن كان مبايناً مع المظروف وجوداً وماهية .
وهكذا يلزم فساد الحج لو أتى ببعض أجزائه رياءً كالطواف أو السعي ونحوهما وإن تداركه في محلّه ، لصدق الظرفية ، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به سيّما في الحج ، بل هو غير محتمل جزماً كما صرّح به المحقق الهمداني في الحج وفي الوضوء(2) .
وعلى الجملة : ليس المراد بالظرفية معناها الواسع ، بحيث يشمل كون العمل الصادر منه وعاءً لعمل آخر صادر لغير الله ، بل المراد نفي الخلوص وتشريك غيره معه تعالى في العبادة ، بحيث يصدر العمل الوحداني عن داع إلهي وداع ريائي ، كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) بعد ذلك «كان مشركاً» المفقود فيما نحن فيه ، بعد فرض التدارك ، فلا جرم يختص البطلان بالجزء الذي راءى فيه ولا يعمّ غيره .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 25 .
(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 239 السطر 10 .
|