لو تردّد في القطع ثمّ استمرّ في العمل - لو استمرّ في العمل بعد نيّة القطع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5666


   وأمّا الاستشهاد لذلك بأدلّة القواطع، وبحديث التحليل والتحريم المستكشف بهما رعاية الهيئة الاتصـالية ، فيدفعه : أنّ غاية ما يثبت بها أنّ المصلِّي بعد شروعه في الصلاة ما لم يأت بالمنافي ولم يسلّم فهو في الصلاة وليس خارجاً عنها ، أي انّ الأجزاء السابقة صالحة لأن تنضمّ إليها الأجزاء اللاّحقة ، وأين هذا من كون الأكوان المتخللة من الصلاة حتى يعتبر فيها ما يعتبر في الأجزاء وكم فرق بين الكون في الصلاة وبين أن يكون الشيء من الصلاة . والمستفاد من تلك الأدلة إنّما هو الأوّل دون الثاني كما هو ظاهر .

   بل إنّ المستفاد من صحيحة حماد (1) الواردة في بيان كيفية الصلاة وما لها من الأجزاء ، عدم كون الأكوان المتخللة منها ، لعدم التعرض إليها .

   وعليه فلا دليل على لزوم مراعاة النيّة في الأكوان المتخللة كي يصادمها نيّة القطع أو القاطع، فلو عاد عن نيّته ورجع إلى النيّة الاُولى صحّت صلاته للتحفّظ على استدامة النيّة فيما تعتبر فيه من الأجزاء أعني الأفعال والأذكار .

   هذا ، ومع التنزّل عن ذلك والشك في اعتبار النيّة في الأكوان ، فتكفينا أصالة البراءة عن اعتبارها فيها بعد إمكان أخذها فيها شرعاً بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين .

   وممّا ذكرنا يظهر حال فرع آخر وإن لم يتعرّض له في المتن ـ ولعلّه لوضوحه ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 459 /  أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 .

ــ[53]ــ

وهو ما لو تردد في القطع ثم عاد إلى النيّة الاُولى قبل أن يأتي بشيء ، فانّ الصحة حينئذ بطريق أولى ، إذ الحكم بالصحة مع نيّة القطع الجزمية يستوجب الحكم بها مع الترديد بالأولوية . على أنّ بعض الوجوه المذكورة للبطلان هناك غير جار هنا كما لا يخفى .

   ومنها :  لو نوى القطع أو القاطع فعلاً أو بعد ذلك وأتمّ صلاته مع هذه الحالة ، وقد حكم في المتن بالبطلان حينئذ ، وحيث إنّ المنافاة بين نيّة القطع المساوقة لرفع اليد عن الصلاة والخروج عنها ، وبين الاتمام بعنوان الصلاة ظاهرة ، لما بينهما من المضادة ، ويمتنع القصد فعلاً إلى المتضادين معاً ، فلا بدّ من فرض كلامه (قدس سره) فيما إذا كان الإتمام لا بعنوان الصلاة ، بل بعنوان آخر من التعليم ونحوه ، أو بأن ينوي القطع في مقام الامتثال ، بأن يفرض الأجزاء السابقة كالعدم ويبني على استئناف العمل وإن لم يقطعها خارجاً .

   وكيف ما كان ، فالظاهر هو البطلان سواء اقتصر عليها أم تدارك الأجزاء المأتي بها بعد نيّة القطع . أما الأوّل فظاهر ، للاخلال بقصد الجزئية واستدامة النيّة المعتبرة في الصلاة . وكذا الثاني ، للزوم الزيادة لو تداركها ، ولا أقل من حيث زيادة السلام المبطل لها بلا إشكال .

   ومنه يظهر حكم ما لو أتى ببعض الأجزاء كركعة مثلاً ثم عاد إلى النيّة الاُولى قبل إتمام الصلاة ، فانّه يحكم أيضاً بالبطلان ، سواء اقتصر عليها أم تداركها ، للاخلال بقصد الجزئية على الأوّل كما مرّ ، وللزوم الزيادة على الثاني في مثل الركوع والسجود ، فانّ المأتي منهما أوّلاً وإن لم يكن بعنوان الجزئية ـ كما عرفت ـ إلاّ أنّ المستفاد ممّا دلّ على المنع من قراءة سور العزائم في الصلاة معللاً بلزوم السجدة وأ نّها زيادة في المكتوبة ، أنّ مطلق الركوع والسجود زيادة في الصلاة وإن لم يقصد بهما الجزئية كما في سجدة التلاوة .

ــ[54]ــ

   نعم ، لو لم تكن تلك الأجزاء من قبيل الركوع والسجود ، كما لو نوى القطع وهو في الركعة الثانية مثلاً فقرأ الفاتحة والسورة مع هذه الحالة ثم عاد إلى النيّة الاُولى قبل الركوع وتدارك القراءة ، فالظاهر الصحة ، لعدم اتصاف تلك القراءة بالزيادة بعد أن لم يقصد بها الجزئية ـ كما هو المفروض ـ اللّهمّ إلاّ أن تكون تلك الأجزاء كثيرة، كما لو قرأ سورة طويلة بحيث كانت ماحية(1) لصورة الصلاة فتوجب البطلان حينئذ من هذه الجهة .

   وملخّص الكلام : أ نّه مع نيّة القطع لو أتمّ الصلاة كذلك فهي محكـومة بالبطلان مطلقاً ، ولو عدل إلى النيّة الاُولى قبل الاتمام فيفصّل حينئذ بين ما إذا كانت الأجزاء المأتي بها في تلك الحالة من الأركان كالركوع والسجود ، وبين ما كانت من غيرها كالقيام والقراءة ونحوهما فيحكم بالبطلان في الاُولى سواء تداركها أم لا ، وبالصحة في الثاني مع التدارك ، إلاّ إذا كانت كثيرة ماحية للصورة .

   هذا كله فيما إذا نوى القطع فعلاً ، وأمّا إذا نوى القطع بعد ذلك فالظاهر البطلان مطلقاً ، أي سواء أتمّها أم عدل إلى النيّة الاُولى قبل الاتمام ، وسواء أكانت من الأركان أم لا ، وسواء تداركها أم لا ، لأنّ الأجزاء المأتي بها لم يقصد بها الأمر الصلاتي قطعاً ، إذ لا يجامع ذلك مع العزم على القطع فيما بعد ، ولا بدّ في الصحة من استدامة النيّة إلى آخر الصلاة ، الملازم للانبعاث عن الأمر النفسي المتعلق بمجموع الصلاة بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء ، فهو غير قاصد لامتثال الأمر عند الاتيان بتلك الأجزاء ، فهو كمن دخل في الصلاة غير قاصد إلاّ إلى ركعة واحدة منها ، التي بطلانها أظهر من أن يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السورة الطويلة غير ماحية للصورة كما سيأتي التعرّض لذلك ، راجع العروة 1 : 535 /  الثامن ، بعد الرقم [ 1740 ] ، شرح العروة 15 : 501 .

ــ[55]ــ

   فلم تقع تلك الأجزاء مصداقاً للمأمور به ، وحيث إنّه يأتي بها بعنوان الجزئية كما هو لازم فرض البناء على القطع فيما بعد ـ لا فعلاً ـ فلا ينفعه التدارك بعدئذ ، لاستلزامه اتصاف هذه الأفعال بالزيادة العمدية المبطلة ، إذ لا نعني بها إلاّ الاتيان بشيء بعنوان الجزئية ، ولم يكن منها المنطبق على المقام فيحكم بالبطلان وإن لم تكن من الأركان .

   ومنه يظهر الفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة ، أعني نيّة القطع فعلاً فانّ الأفعال لم يقصد بها الجزئية هناك بخلاف المقام .

   هذا كلّه في نيّة القطع . وأمّا إذا نوى القاطع ومع ذلك استمرّ في العمل وأتى بالأجزاء ، فإمّا أن ينويه فعلاً أو بعد ذلك .

   أمّا في الأوّل :  فالظاهر الصحة ، ضرورة أنّ الاستمرار في العمل مع البقاء على نيّة القاطع فعلاً ممّا لا يجتمعان ، فانّهما متضادان ، للتضاد بين التكلّم مثلاً والصلاة المقيدة بعدمه ، فمقتضى العزم على القاطع رفع اليد عن الصلاة ، فكيف يجامع مع الإدامة بها والاتيان بالأفعال بقصد الجزئية ، فلا يمكن تصحيح الفرض إلاّ بالعدول إلى النيّة الاُولى قبل الأخذ في الاستمرار ، وقبل أن يأتي بشيء من الأفعال ، فيرجع حينئذ إلى الفرع الأوّل الّذي ذكرناه في صدر المسألة ، أعني ما لو نوى القطع أو القاطع ثم عدل إلى النيّة الاُولى قبـل أن يأتي بشيء ، وقد عرفت هناك بما لا مزيد عليه أنّ الأقوى الصحة .

   وأمّا الثاني :  أعني نيّة القاطع فيما بعد ، فيظهر حكمه مما مرّ آنفاً في نيّة القطع فيما بعد ، الذي عرفت أنّ الأقوى البطلان حينئذ في جميع الصور . هكذا ينبغي أن تحرّر المسألة ، وفي عبارة الماتن في المقام خلط وتشويش كما لا يخفى على من لاحظها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net