ــ[56]ــ
[ 1430 ] مسألة 17 : لو قام لصلاة ونواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت على ما قام إليها ، ولا يضرّ سبق اللسان ولا الخطور الخيالي(1) .
[ 1431 ] مسألة 18 : لو دخل في فريضة فأتمّها بزعم أ نّها نافلة غفلة أو بالعكس صحّت على ما افتتحت عليه(2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد عرفت أنّ المناط في النيّة التي عليها تبتني صحة العمل هو الانبعاث عن إرادة نفسية ارتكازية باعثة على ارتكاب العمل وإن لم يلتفت إليها فعلاً بالتفصيل ، وعليه فلا أثر لسبق اللسان ولا الخطورات الزائدة بعد صدور العمل عن تلك النيّة الارتكازية ، فشيء منها غير قادح فيها .
(2) ربما يعلل الحكم بمطابقته للقاعدة ، حيث إنّ الإتمام منبعث عن النيّة الاُولى لا غير، فغايته أنّ تخيل الخلاف يكون من باب الخطأ في التطبيق والاشتباه في تعيين المنوي ، وذلك ممّا لا دخل له في الإتمام ، فلا يقدح في الصحة على ما افتتحت عليه .
وفيه : أنّ باب الخطأ في التطبيق أجنبي عن أمثال المقام ممّا يتقوّم الامتثال بالقصد ، ولا واقع له وراء ما نواه وقصده ، وإنّما يجري فيما لو كان الاشتباه في الاُمور الخارجية الأجنبية عن حريم الامتثال ، كما لو أتى بالعمل بداع قربي باعتقاد أ نّه واجب فتبيّن أ نّه مستحب ، أو بالعكس ، أو صام يوماً بتخيّل أ نّه يوم مبارك كالجمعة مثلاً فتبيّن الخلاف ، أو صلى خلف من في المحراب باعتقاد أ نّه زيد فبان عمراً ونحو ذلك ، فانّ كون الأمر وجوبياً أو استحبابياً أو اليوم ذا فضيلة وعدمه ، أو من في المحراب زيداً أو عمراً لا دخل لشيء من ذلك في تحقّق الامتثال بعد الاتيان بذات العمل على وجهه بداع قربي .
ــ[57]ــ
فتخيل الخلاف والاشتباه في التطبيق غير قادح في الصحة في أمثال ذلك لكون المأتي به مصداقاً للمأمور به الواقعي ، فالانطباق قهري والإجزاء عقلي .
وأمّا إذا كان المأمور به في حدّ ذاته متقوّماً بالقصد بحيث لا واقع له وراء ذلك ، فقصد الخلاف قادح في مثله بالضرورة ، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به بعد الإخلال بالقصد الدخيل في حقيقته .
فلو اعتقد أنّ عليه فريضة قضائية فنواها ، ثم تبيّن أنّ الذمة غير مشغولة إلاّ بالأدائية ، أو اعتقد الإتيان بنافلة الفجر فصلى فريضته ، أو أراد بيع شيء فاشتبه ووهبه ، فانّها لا تقع أداءً في الأوّل ، ولا نافلة في الثاني ، ولا بيعاً في الثالث بلا إشكال .
والسرّ هو ما عرفت من تقوّم تلك الاُمور بالقصود ودخلها في تحقّق الامتثال وقد تجرّد العمل عنها ، فلا تقع مصداقاً للمأمور به قطعاً ، ولا شك أنّ المقام من هذا القبيل ، فانّ قصد الفريضة والاسـتدامة على هذا القصد إلى آخر العمل دخيل في صحتها ووقوعها فريضة ، فلو عدل عنها في الأثناء إلى النافلة غفلة فهي لا تقع مصداقاً للفريضة للاخلال بالنيّة بقاءً، كما أ نّها لا تقع مصداقاً للنافلة لعدم القصد إليها حدوثاً ، وكذا الحال فيما لو دخل في النافلة فأتمّها فريضـة فانّها لا تقع مصداقاً لشيء منهما ، ومن المعلوم أ نّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من الفريضة والنافلة .
وعلى الجملة : فلا يمكن تصحيح هذه الصلاة على طبق القواعد بل مقتضى القاعدة بطلانها كما عرفت ، وإنّما المستند الوحيد في صحتها ووقوعها على ما افتتحت عليه هي الروايات الخاصة الواردة في المقام ، وعمدتها صحيحة عبدالله ابن المغيرة قال في كتاب حريز أ نّه قال : «إنِّي نسيت أنِّي في صلاة فريضة (حتى ركعت) وأنا أنويها تطوّعاً . قال : فقال (عليه السلام) هي التي قمت فيها ، إذا
ــ[58]ــ
كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة ، وإن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة ، وإن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة» (1) .
ودلالتها على المطلوب ظاهرة ، والمراد من الشك في قوله (عليه السلام) «ثم دخلك الشك» السهو كما يطلق عليه كثيراً في لسان الأخبار ، والسند صحيح فانّ إبراهيم بن هاشم موثق ، وكذا عبدالله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الكاظم (عليه السلام) ، ولا يقدح روايته عن كتاب حريز لا عنه نفسه كي يتأمل في طريقه إلى الكتاب ، فانّ حريزاً وإن كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) لكنّه بقي بعد وفاته (عليه السلام) بل قيل إنّه روى عن الكاظم (عليه السلام) وإن منعه النجاشي(2) . وكيف كان فهو معاصر لابن المغيرة ، بل إنّ كثيراً من أصحاب الكاظم (عليه السلام) رووا عن حريز(3) بلا واسطة، وعليه فطبع الحال يقتضي أن يكون كتابه معروفاً لديهم وواصلاً إليهم بطريق معتبر فروايته عنه إخبار عن الحسّ دون الحدس كما لا يخفى .
وهناك روايتان اُخريان موافقتان مع الصحيحة المتقدمة بحسب المضمون مؤيّدتان للمطلوب ، إحداهما : رواية معـاوية ، والاُخرى رواية عبدالله بن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 6 / أبواب النيّة ب 2 ح 1 .
(2) رجال النجاشي : 144 / 375 .
(3) كثرة الرواية عن حريز نفسه لا تستوجب صحّة الطريق إلى كتابه ، كما أنّ المعروفية لاتلازمها . والعمدة أنّ الرواية مضمرة فلايعوّل عليها حتى لو صحّ السند، إذ لم يسندها إلى المعصوم ، ولعلّه رواها عن زرارة نفسه ، كما قد يعضده أنّ كتابه مشحون بنقل فتاواه ولم يكن في الجلالة بمثابة زرارة كي لا ينقل عن غير المعصوم ، وكلمة (عليه السلام) زيادة من صاحب الوسائل أو تصرّف من النسّاخ لخلوّ المصدر وهو الكافي 3 : 363 / 5 ، والتهذيب 2 : 342 / 1418 عن ذلك .
|