ــ[109]ــ
أمّا القيام : فلا إشكال كما لا خلاف في اعتباره فيها ، وتشهد له جملة من النصوص الواردة ، إمّا في خصوص التكبيرة كصحيحة حماد (1) قال فيها : «فقام أبو عبدالله (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصباً ـ إلى أن قال ـ فقال: الله أكبر...» إلخ بضميمة قوله في الذيل «يا حماد هكذا صلّ» الظاهر في الوجوب التعييني .
أو في حال الصلاة التي منها التكبيرة التي هي افتتاحها وأوّل جزء منها وهي كثيرة ، كصحيح زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث : وقم منتصباً فانّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (2) ، وصحيح أبي حمزة «عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزّ وجلّ) : (الّذِينَ يَذكُرُونَ الله قِياماً وقُعُوداً وعَلى جُنُوبِهِم ) قال : الصحيح يصلّي قائماً ... » إلخ(3) .
وصحيح أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له»(4) ، ونحوها غيرها .
ثم إنّ مقتضى إطلاق هذه النصوص اعتبار القيام والانتصاب في التكبيرة مطلقاً، لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف(5) عدم اعتباره في المأموم قال: إذا كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته، واستدلّ عليه بأنّ الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به ، ولم يفصّلوا بين أن يكبّر قائماً أو يأتي به منحنياً ، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 459 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 .
(2) الوسائل 5 : 488 / أبواب القيام ب 2 ح 1 .
(3) الوسائل 5 : 481 / أبواب القيام ب 1 ح 1 .
(4) الوسائل 5 : 489 / أبواب القيام ب 2 ح 2 .
(5) المبسوط 1 : 105 ، الخلاف 1 : 340 / مسألة 92 .
ــ[110]ــ
وفيه : ما لا يخفى ، إذ يكفي في الدليل إطلاق النصوص المتقدمة كما عرفت . وحكم الأصحاب بالصحة مسوق لبيان الاجتزاء بالتكبيرة المزبورة عن التكبيرتين ، وسنتعرض لهذا الحكم في محلّه إن شاء الله تعالى(1) ، وليسوا بصدد بيان الصحة على الاطلاق حتى مع الاخلال بسائر الشرائط المعتبرة في التكبيرة من القيام ونحوه ، فانّ بيان ذلك موكول إلى محله وقد تعرضوا له ، فلا إطلاق لكلامهم في المقام من هذه الجهة قطعاً .
على أ نّه يكفي في الحكم بالبطلان الصحيحة الواردة في خصوص المقام، وهي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه «قال في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبّر الرجـل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه : فقد أدرك الركعة» (2) .
فانّ بعض المذكور في القضية الشرطية وإن كان من قبيل القيود المسوقة لبيان تحقق الموضوع التي لا مفهوم لها كادراك الإمام في ركوعه ، وكذا تكبير الرجل ، إذ مع انتفاء الأول لا موضوع لادراك الركعة ، كما أ نّه مع انتفاء الثاني لا موضوع للصلاة ، إلاّ أنّ البعض الآخر ليس من هذا القبيل كقوله «وهو مقيم صلبه» ـ الذي هو محل الاستشهاد ـ وقوله «ثم ركع» فانّ من يكبّر قد يقيم صلبه وقد لا يقيم ، كما أ نّه قد يركع وقد لا يركع ، وقد ذكرنا في الاُصول في بحث المفاهيم أنّ الجملة الشرطية إذا اشتملت على قيدين أحدهما مسوق لبيان تحقق الموضوع والآخر لغيره ، كان للقضية مفهوم باعتبار الثاني وإن لم يكن له باعتبار الأوّل ، كما في قولك : إن ركب الأمير وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه ، فيدل على عدم وجوب الأخذ بالركاب لو كان الركوب في غير يوم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 15 : 75 .
(2) الوسائل 8 : 382 / أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1 .
ــ[111]ــ
الجمعة وإن لم يدل على عدم الوجوب مع عدم الركوب أصلاً ، لانتفاء الموضوع حينئذ ، كما في قولك : إن رزقت ولداً فاختنه (1) .
وعليه فالصحيحة وإن لم يكن لها مفهوم باعتبار فقد أحد القيدين الأوّلين المسوقين لبيان تحقق الموضوع ، لكنه ينعقد لها المفهوم باعتبار القيدين الآخرين فتدلّ بالمفهوم على أنّ من كبّر ولم يقم صلبه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فهو غير مدرك للركعة المساوق لبطلان الصلاة .
وتؤيِّدها : رواية أبي اُسامة يعني زيداً الشحام «أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل انتهى إلى الامام وهو راكع، قال: إذا كبّر وأقام صلبه ثم ركع فقد أدرك» (2) والتقريب ما مرّ لكن سندها مخدوش ، فانّ أبا اُسامة وإن كان موثقاً لتصريح الشيخ بتوثيقه (3) على أ نّه واقع في أسانيد كامل الزيارات (4)، مع أنّ العلاّمة ذكر في شأنه عين العبارة التي ذكرها النجاشي بزيادة قوله ثقة عين(5)، وهو مشعر بأخذ العـبارة منه ، ولعلّ نسخة النجاشي الموجودة عنده كانت مشتملة على الزيادة ، فيكون قد وثقه النجاشي أيضاً (6) ، وإن كانت النسخة الواصلة إلينا الدارجة اليوم خالية عنها .
إلاّ أنّ طريق الشيخ إلى الرجل فيه ضعف ، لاشتماله على أبي جميلة مفضل ابن صالح ولم يوثق ، فالرواية ضعيفة السند ، ومن هنا ذكرناها بعنوان التأييد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دراسات في علم الاُصول 2 : 200 .
(2) الوسائل 8 : 383 / أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3 .
(3) الفهرست : 71 / 288 .
(4) لا أثر له ، لعدم كونه من المشايخ بلا واسطة .
(5) الخلاصة : 148 / 422 .
(6) رجال النجاشي : 175 / 462 .
ــ[112]ــ
فتحصّل : أنّ الأقوى اعتبار القيام في التكبيرة مطلقاً ، من غير فرق بين المأموم وغيره .
|