وهل يختص اعتباره بحال الذكر أو يعمّ النسيان فتعدّ من الأركان ، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت صلاته ؟
مقتضى إطلاق حديث لا تعاد الحاكم على الأدلة الأولية هو الأوّل ، لعدم كونه من الخمسة المستثناة ، فيندرج تحت إطلاق المستثنى منه ، فانّ الاخلال بنفس التكبيرة ـ نقصاً ـ وإن لم يكن مشمولاً للحديث ، لعدم الدخول بعد في الصلاة التي افتتاحها التكبيرة ، ولعلها من أجله لم تذكر في عقد الاستثناء مع مسلّمية البطلان بتركها سهواً نصاً وفتوى كما تقدم ، لكن الاخلال بالقيام مع الاتيان بذات التكبيرة غير مانع عن شمول الحديث ، لصدق الشروع والافتتاح والتلبس بالصلاة بمجرد حصول التكبيرة وإن كانت فاقدة لشرطها كما لا يخفى فلو كان هناك إخلال فهو من ناحية القيام لا التكبيرة فيشمله الحديث .
إلاّ أنّ صريح موثقة عمار هو الثاني ، أعني بطلان الصلاة بنسيان القيام ، قال (عليه السلام) فيها : «وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ولا يقتدي (ولا يعتد) بافتتاحه وهو قاعد» (1) . فلا مناص من تخصيص الحديث بها ، لكونها أخص منه مطلقاً .
وأمّا الاستقرار : بمعنى الطمأنينة والسكون في قبال الاضطراب والحركة، فلم يرد على اعتباره في التكبيرة نص بالخصوص ، وإنّما استدلّ له في المقام بما دلّ على اعتباره في الصلاة بعد كون التكبيرة منها وجزءاً لها . وقد استدلّ له بعد الاجماع المحقق بعدّة من الروايات .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 503 / أبواب القيام ب 13 ح 1 .
ــ[113]ــ
منها : رواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أ نّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم ، قال : يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ» (1) فانّ التكبيرة حالها حال القراءة من هذه الجهة كما لا يخفى .
وهذه الرواية وإن كانت معتبرة سنداً ، فانّ السكوني موثق ، وكذا النوفلي الراوي عنه ، لوقوعه في أسانيد تفسير القمي ، لكنّها قاصرة الدلالة ، إذ بعد تسليم شمول القراءة للتكبيرة واتحادها معها في هذا الحكم ، ليست الرواية ممّا نحن فيه ، لكونها ناظرة إلى اعتبار الاستقرار في مقابل المشي ، لا في مقابل الطمأنينة والاضطراب ، مع كونه واقفاً الذي هو محل الكلام .
ومنها : رواية سليمان بن صالح عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع ، إلاّ أن يكون مريضاً وليتمكن في الاقامة كما يتمكن في الصلاة ، فانّه إذا أخذ في الاقامة فهو في صلاة» (2) بناءً على أنّ المراد من التمكن الاستقرار والاطمئنان ، كما لعله الظاهر .
وهي وإن صحّ سندها ، بالرغم من اشتماله على صالح بن عقبة وقد ضعّفه ابن الغضائري (3)، إذ لا عبرة بتضعيفه ، لعدم الاعتماد على كتابه ، فلا يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسناد تفسير القمي وكامل الزيارات ، لكنّها قاصرة الدلالة ، لأ نّه إن اُريد من التشبيه المماثلة في كيفية الاستقرار، فلا تعرّض فيها لحكمه ، وإن اُريد التشبيه من حيث الحكم ، فقد سبق في مبحث الاقامة (4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 98 / أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1 .
(2) الوسائل 5 : 404 / أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 12 .
(3) مجمع الرجال 3 : 207 .
(4) العروة الوثقى 1 : 444 [ فصل في مستحبات الأذان والاقامة ] .
ــ[114]ــ
عدم اعتبار الاستقرار فيها وإنّما هو مستحب ، إذن فلا تدل على الوجوب في الصلاة ، بل غايته المساواة في اعتبار الرجحان وأصل المطلوبية .
ومنها : ما رواه الصدوق باسناده عن هارون بن حمزة الغنوي «أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة ، فقال : إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصَلّ قائماً ، وإن كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعداً» (1) فقد دلّت على اعتبار الاستقرار على نحو يتقدم على القيام لو أوجب الاخلال به فيصلي قاعداً .
ويمكن الخدش في السند : بأنّ في طريق الصدوق إلى هارون بن حمزة ، يزيد ابن اسحاق شَعَر ، ولم يوثق كما صرح به الأردبيلي(2) نعم صحح الطريق في الخلاصة(3) بناءً على مسلكه من العمل برواية كل إمامي لم يرد فيه قدح .
هذا ، ولكن الرجل واقع في أسانيد كامل الزيارات(4) فالرواية معتبرة ، ولا ينبغي النقاش في سندها . لكنها قاصرة الدلالة ، لعدم كون التفصيل ناظراً إلى استقرار المصلي وعدمه ، بل إلى استقرار السفينة واضطرابها لخفتها ، وأ نّها لو كانت خفيفة بحيث تكفأ لو قام المصلي في صلاته سقط القيام حينئذ وصلى قاعداً مخافة الوقوع في البحر لكونه مظنة الضرر . فقوله «تكفأ» أقوى شاهد على اضطراب السفينة الموجب لسقوط القيام لكونه في معرض التلف والغرق دون اضطراب المصلي من حيث هو مع الأمن من القيام الذي هو محل الكلام .
فهذه الروايات لا يمكن الاستدلال بشيء منها على اعتبار الاستقرار في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 504 / أبواب القيام ب 14 ح 2 ، الفقيه 1 : 292 / 1329 .
(2) جامع الرواة 2 : 542 .
(3) الخلاصة : 440 .
(4) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق .
|