التكبيرات الافتتاحية وتعيين ما به الافتتاح 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7632


ــ[127]ــ

   [ 1454 ] مسألة 10 : يستحب الاتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الاحرام فيكون المجموع سبعة ، وتسمّى بالتكبيرات الافتتاحية ، ويجوز الاقتصار على الخمس ، وعلى الثلاث ، ولا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الاحرام في أ يّتها شاء، بل نيّة الاحرام بالجميع أيضاً ((1))، لكن الأحوط اختيار الأخيرة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالصلاة التامة ، فلا حاجة في إثبات الإثم والعصيان إلى التشبث بتفويت الملاك ونحوه ممّا قيل في المقام .

   وأمّا  صحة الصلاة مع التكبيرة الملحونة أو ترجمتها ـ بعد كونه آثماً بترك التعلم ـ فلما ثبت بالاجماع والنص من عدم سقوط الصلاة بحال ، فانّ هذا التعبير بلفظه وإن لم يرد في شيء من النصوص ، لكن مضمونه ورد في ذيل صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من قوله (عليه السلام) : «ولا تدع الصلاة على حال»(2) بعد القطع بعدم خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم ، بل لكونها فرداً من المكلفين. وعليه فالعاجز مكلف بالصلاة قطعاً، وحيث إنّ الأمر بالصلاة التامة ساقط لمكان التعذر ، فلا مناص من كونه مكلفاً ببدلها ممّا اشتمل على التكبيرة الملحونة أو ترجمتها ، فيجتزئ بها وتصح من دون حاجة إلى القضاء لعدم تحقق موضوعه وهو الفوت بعد الاتيان بما تقتضيه الوظيفة الفعلية من البدل الاضطراري وإن كان القضاء أحوط كما في المتن ، لاحتمال عدم شمول البدل الاضطراري للتعجيز الاختياري .

   (1) أمّا الاستحباب فلا إشكال فيه كما لا خلاف ، للنصوص الكثيرة الدالة على استحباب إضافة الستة أو الأربعة أو الاثنين ، كي يصير المجموع ثلاثة أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل هو بعيد .

(2) الوسائل 2 : 373 /  أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .

ــ[128]ــ

خمسة أو سبعة كما سنتعرض لها ، وتسمى بالتكبيرات الافتتاحية .

   إنّما الكلام في تعيين تكبيرة الاحرام ، فالمشهور أ نّه مخيّر في التعيين ، فله التطبيق على أيّ منها شاء ، وقد اختاره في المتن وهو الأقوى كما ستعرف إن شاء الله تعالى .

   وذهب جمع منهم صاحب الحدائق (1) مصرّاً عليه إلى تعيّن الاُولى ، وذهب جماعة من القدماء إلى تعيّن الأخيرة ، وحكي عن والد المجلسي (2) (قدس سره) أنّ الافتتاح يقع بمجموع ما يختاره المكلف من السبع أو الخمس أو الثلاث ، لا خصوص إحداها عيناً أو تخييراً ، ومال إليه المحقق الهمداني (قدس سره) (3) لولا قيام الاجماع على الخلاف مدعياً ظهور الأخبار ، بل صراحة بعضها في ذلك ، ومرجع هذا القول إلى التخيير في إيقاع الافتتاح بين الواحدة والثلاث والخمس والسبع الذي هو من التخيير بين الأقل والأكثر ، وان ما يختاره في الخارج بتمامه مصداق للمأمور به وعدل للواجب التخييري .

   ولا بدّ من النظر في هذه الأخبار المدعى ظهورها في هذا القول وهي كثيرة :

   منها :  صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الإمام يجزئه تكبيرة واحدة ، ويجزئك ثلاثاً مترسلاً إذا كنت وحدك» (4) فانّها ظاهرة في إيقاع الافتتاح بمجموع الثلاث ، والتفصيل بين الإمام والمأموم من جهة أنّ المطلوب من الإمام مراعاة أضعف المأمومين كما صرّح به في صحيحة معاوية ابن عمار «قال : إذا كنت إماماً أجزأتك تكبيرة واحدة ، لأنّ معك ذا الحاجة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 8 : 21 .

(2) روضة المتقين 2 : 284 .

(3) مصباح الفقيه (الصلاة) : 246 السطر 21 .

(4) الوسائل 6 : 10 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 3 .

ــ[129]ــ

والضعيف والكبير»(1) .

   ومنها :  صحيحة زرارة «قال : أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات أحسن ، وسبع أفضل»(2) .

   ومنها :  موثقة زرارة قال : «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً»(3) فانّها ظاهرة كسابقتها  في وقوع الاستفتاح بمجموع السبع ، ونحوها غيرها وهي كثيرة كما لا يخفى على المراجع .

   أقول :  دعوى ظهور الأخبار في حدّ نفسها في هذا القول ، مع قطع النظر عمّا يعارضها ممّا هو ظاهر في وقوع الاستفتاح بواحدة، كالنصوص المتضمنة لإخفات الإمام بست والجهر بواحدة حتى يسمعها المأموم فيأتم ـ  كما سيجيء(4)  ـ وإن كانت غير بعيدة ولا نضايق من احتمالها ، لكنه لا يمكن المصير إليه ، لامتناع التخيير بين الأقل والأكثر عقلاً على ما حققناه في الاُصول في مبحث الواجب التخييري(5) .

   وملخّصه :  أنّ معنى الوجوب التخييري في كل مورد ـ سواء أكان في التخيير بين الأقل والأكثر ، أو المتباينين ـ بعد وضوح المنافاة بين وجوب شيء وجواز تركه ، سواء أكان إلى البدل أو بدونه كما لا يخفى ، هو أنّ متعلق الوجوب إنّما هو الطبيعي الجامع بين الفردين أو الأفراد ، مع إلغاء الخصوصيات الفردية وخروجها عن حريم المأمور به ، فكل فرد مصداق للواجب بمعنى انطباق ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 11 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 9 .

(2) الوسائل 6 : 11 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 8 .

(3) الوسائل 6 : 21 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 7 ح 2 .

(4) في ص 150 .

(5) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 44 .

ــ[130]ــ

هو الواجب عليه من دون دخل للخصوصية في تحققه .

   وعليه فلا يعقل التخيير في التدريجيات بين الأقل والأكثر الحقيقي ، بأن يكون الأقل مأخوذاً لا بشرط والأكثر بشرط شيء ، أي مشتملاً عليه بتمامه مع الزيادة ، إذ بعد وجود الأقل في الخارج ينطبق عليه الطبيعي ـ الذي كان هو الواجب ـ لا محالة فيسقط أمره قطعاً ، إذ الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، ومعه لا يبقى أمر حتى يقع الأكثر امتثالاً له ويتصف بكونه مصداقاً للواجب كي يكون عدلاً آخر للواجب التخييري ، فلا مناص من وقوع الزائد الذي يشتمل عليه الأكثر على صفة الاستحباب ، ومن هنا ذكرنا في باب التسبيحات الأربع أنّ الواجب إنّما هو الاُولى والزائد عليها مستحب (1) .

   نعم ، يمكن ذلك فيما كان من قبيل الأقل والأكثر صورة وإن لم يكن منه حقيقة ، بأن كان الأقل مأخوذاً بشرط لا ـ لا بنحو اللا بشرط ـ والأكثر بشرط شيء ، كما في التخيير بين القصر والتمام ، حيث إنّ الأقل هو الركعتان بشرط عدم زيادة شيء عليهما ، والأكثر مشروط بزيادة ركعتين اُخريين .

   وإن شئت فقل : الأقل مشروط بوقوع التسليم على الركعتين ، والأكثر بوقوعه على الأربع . وكما في التسبيحات الأربع مثلاً بأن يقال : الأقل هو التسبيحة الاُولى بشرط الاقتصار عليها ، وعدم زيادة تسبيحة ثانية ، والأكثر هي المشروطة باضافة ثنتين عليها حتى يكون المجموع ثلاثاً ، فلا يقع الامتثال بالتسبيحتين ، لعدم كونهما من الأقل ولا الأكثر . إلاّ أنّ ذلك خارج في الحقيقة عن باب التخيير بين الأقل والأكثر وإن كان على صورته ، وداخل في باب التخيير بين المتباينين، لتقيّد كل منهما بقيد يضاد الآخر، فلا يكون الأكثر مشتملاً على تمام الأقل وزيادة ، الذي هو مناط الدرج في باب الأقل والأكثر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 492 .

ــ[131]ــ

   وعليه فنقول : إن كان مراد القائل بوقوع الافتتاح بمجموع ما يختاره المكلف من الواحدة أو الثلاث أو الخمس أو السبع ، الراجع إلى التخيير بين الأقل والأكثر ، أنّ الأقل وهي الواحدة مأخوذ بنحو اللاّ بشرط ، كي يكون من الأقل والأكثر الحقيقي ، فقد عرفت انّ هذا أمر غير معقول ثبوتاً ، فكيف يمكن تنزيل الأخبار عليه . بل لو فرضنا صراحة الأخبار فيه فضلاً عن الظهور ، فلا مناص من ارتكاب التأويل ، لامتناع التعبد بالمستحيل ، فيقال بأنّ إطلاق الافتتاح على المجموع مبني على ضرب من التجوّز، باعتبار الاشتمال على تكبيرة الافتتاح فاُطلق على المجموع مجازاً بعلاقة الجزء والكل .

   وإن كان مراده أنّ ذلك من التخيير بين الأقل والأكثر الصوري ، وإلاّ فهما من المتباينين ، لكون الأقل هي التكبيرة الواحدة بشرط لا ، فهذا وإن كان أمراً معقولاً في حدّ نفسه كما عرفت ، إلاّ أ نّه لا يمكن الالتزام به في المقام ، إذ لازمه عدم انعقاد الافتتاح وبطلان الصلاة فيما لو كان لدى الشروع بانياً على اختيار الثلاث مثلاً وبعد الاتيان بتكبيرتين بدا له في الثالثة فتركها عامداً واقتصر على الثنتين، إذ هما ليسا من الأقل ولا الأكثر، فينبغي بطلان الصلاة حينئذ كبطلانها فيما لو اقتصر على الثنتين من التسبيحات الأربع ، بناءً على أن يكون الأقل فيها هي الواحدة بشرط لا ، ولا يظن بهذا القائل فضلاً عن غيره الالتزام بذلك .

   وأفحش من ذلك :  ما لو ترك الثالثة نسياناً في الفرض المزبور فتذكرها بعد الفراغ من الصلاة ، فانّ اللاّزم بطلانها حينئذ ، للإخلال بما اختاره من التكبيرة الذي هو مجموع الثلاث حسب الفرض ، ولا شك أنّ الاخلال بها عمداً وسهواً موجب للبطلان كما تقدّم (1) ، مع أ نّه لا يحتمل أن يلتزم به الفقيه .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 89 .

ــ[132]ــ

   ثم إن مقتضى قوله (عليه السلام) : «تحريمها التكبير» (1) حرمة المنافيات بمجرد الشروع في التكبير وضعاً فقط ، أو وضعاً وتكليفاً على الخلاف في ذلك ولذا ذكرنا فيما سبق (2) أ نّه لو أتى بالمنافي خلال كلمتي (الله) و (أكبر) بطلت وعلى القول بعدم جواز القطع وإن لم تتم التكبيرة كان حراماً أيضاً ، وعليه فلازم هذا القول الالتزام بالبطلان لو أتى ببعض المنافيات خلال التكبيرات، فلو تكلم بين التكبيرة الثانية والثالثة مثلاً بطلت صلاته ، لأنّ ذلك بمثابة التكلم بين كلمتي (الله) و (أكبر) ، بل وعلى القول بالحرمة التكليفية كان آثماً أيضاً ، وهذا كما ترى ، ولا يظن أن يلتزم به هذا القائل ، ولا ينبغي أن يلتزم به ، إذ لا مقتضي للبطلان بعد الاتيان بتكبيرة صحيحة بعد ذلك .

   وعلى الجملة : لا سبيل إلى الالتزام بأنّ الأقل مأخوذ بنحو بشرط لا، لمكان هذه التوالي الفاسدة (3) والقائل المزبور لا يريده ، لانصراف كلامه عنه قطعاً ، وقد عرفت أنّ أخذه بنحو اللا بشرط كي يكون من الأقل والأكثر الحقيقي أمر غير معقول ، وظهور الأخبار فيه ـ لو سلّم ـ لا يمكن الأخذ به ، فلا مناص من الالتزام بأنّ الواجب وما يقع به الافتتاح إحدى تلك التكبيرات والزائد فضل ومُستحب ، لا أنّ المجمـوع أفضل أفراد الواجب التخـييري كما يدّعيه القائل زاعماً ظهور الأخبار فيه ، فانّ بعضها وإن لم يخل عن الظهور في ذلك إلاّ أنّ كثيراً من الأخبار ظاهر فيما قلناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 11 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 10 .

(2) في ص 88 .

(3) يمكن التفصي عن بعض هذه التوالي الفاسدة : بافتراض الأقل هو التكبيرة الاُولى بشرط عدم تعقبها بالثنتين ـ لا المشروطة بعدم الزيادة عليها ـ في مقابل الأكثر وهو المشروط باضافة الثنتين ، فلاحظ .

ــ[133]ــ

   منها :  صحيحة زيد الشحام قال: «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الافتتاح فقال : تكبيرة تجزئك . قلت : فالسبع ، قال : ذلك الفضل» (1) فانّها ظاهرة في أنّ الزائد على الواحدة وهي الست هي الفضل ، لا أنّ مجموع السبع أفضل أفراد الواجب كما لا يخفى .

   ومنها :  صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ والثلاث أفضل ، والسبع أفضل كله» (2) .

   ومنها :  صحيحة زرارة المتقدمة «قال: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات أحسن ، وسبع أفضل» (3) .

   فان ظهور هذه الأخـبار وغيرها ممّا لا يخفى على المراجع فيما قلـناه ـ من استحباب الزائد بعد الاتيان بالواجب وهي التكبيرة الواحدة ـ غير قابل للإنكار.

   على أنّ الدعـوى المزبورة لو سلّمت تماميتها في نفسها ، فهي على خلاف الاجماع المحقق، إذ لم يذهب إليها عدا والد المجلسي (قدس سره) فلا يمكن الالتزام بها بوجه .

   فتحصّل :  أنّ الواجب وما يقع به الافتتاح ليس إلاّ إحدى تلك التكبيرات .

   وقد ذهب صاحب الحدائق ـ كما عرفت(4) ـ تبعاً لجمع من المحدّثين كما نسبه إليهم إلى أ نّها الاُولى معيّناً ، ومال إليه شـيخنا البهائي(5) ، وقد استدلّ له في الحدائق بطائفة من الأخبار :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 9 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 2 .

(2) الوسائل 6 : 10 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 4 .

(3) الوسائل 6 : 11 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 8 .

(4) في ص 128 .

(5) نقله عنه صاحب الحدائق 8 : 21 .

ــ[134]ــ

   الاُولى :  صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات» (1) بتقريب أنّ الافتتاح إنما يصدق على تكبيرة الاحرام التي بها يقع الافتتاح حقيقة ، ويتحقق الدخول في الصلاة ، فما يقع قبلها من التكبيرات ـ بناءً على ما زعموه ـ ليس من الافتتاح في شيء .

   نعم ، يسمّى غيرها من سائر التكبيرات بتكبيرات الافتتاح ، إلاّ أنّ هذا الصدق لا يكون إلاّ بتأخيرها عن تكبيرة الاحرام ، كي يتحقق بها الافتتاح الحقيقي والدخول في الصلاة كما عرفت ، وإلاّ كان من قبيل الاقامة ونحوها ممّا يقدّم قبل الدخول في الصلاة .

   وفيه :  أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «فارفع كفيك ثم ابسطهما ثم كبر ثلاث ... » إلخ ، أنّ ذلك كله بيان لما يتحقق به الافتتاح ، فقوله «إذا افتتحت» أي إذا أردت الافتتاح ، فكيفيته هكذا كما وقع نظيره في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثاً ... » إلخ (2) .

   وعليه فما يقع به الافتتاح هو مجموع السبع المذكورة في الصحيحة ، وهذا كما ترى لا ينطبق بظاهره إلاّ على مسلك والد المجلسي ، فهو على خلاف المطلوب أدل ، فان أمكن الأخذ به ، وإلاّ فلا تعرّض للصحيحة لتعيين تكبيرة الاحرام كما لا يخفى .

   وأمّا ما زعمه (قدس سره) من أنّ ما يقع قبل تكبيرة الاحرام ليس من الافتتاح في شيء ، بل هو من قبيل الاقامة ، ففيه : أنّ ما يقع بعدها أيضاً ليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 24 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 8 ح 1 .

(2) الوسائل 6 : 21 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 7 ح 3 .

ــ[135]ــ

منه في شيء ، بل هو من قبيل الاستعاذة والقراءة .

   وبالجملة : الاطلاق الحقيقي منفي على التقديرين بعد الاعتراف بأنّ الافتتاح لا يتحقق إلاّ بتكبيرة واحدة هي تكبيرة الاحرام لا مجموع التكبيرات الذي اختاره والد المجلسي ، والاطلاق المجازي بعناية الاشتمال على ما به الافتتاح بعلاقة الجزء والكل متحقق على التقديرين أيضاً ، إذ لا فرق في ذلك بين تقدم ذلك الجزء أو تأخره أو توسطه كما لا يخفى .

   الثانية :  صحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماءً على دابّته ـ إلى أن قال ـ ولا يدور إلى القبلة ، ولكن أينما دارت به دابته ، غير أ نّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجه» (1) .

   وفيه :  ما لا يخفى ، فانّ من يخاف اللص والسبع يقتصر بطبيعة الحال على أقل الواجب ، ولا يسعه المجال لتكبيرات الافتتاح . فالمراد بقوله (عليه السلام) «بأوّل تكبيرة» أوّل تكبيرات الصلاة ، أعني تكبيرة الاحرام في مقابل تكبيرة الركوع والسجود ونحوهما ، لا في مقابل تكبيرات الافتتاح ، فلا نظر فيها إلى هذه التكبيرات أصلاً .

   هذا ، مع أنّ الاستدلال مبني على أن يكون قوله : «حين يتوجه» قيداً لأوّل في قوله «أوّل تكبيرة» حتى يدل على أنّ ما يتوجّه ويدخل به في الصلاة ويفتتحها هو أوّل التكبيرات السبع ، وهو غير ظاهر ، ومن الجائز أن يكون قيداً للتكبيرة المضاف إليه ، فيكون المعنى اعتبار الاستقبال في أوّل تكبيرة متصفة بكون تلك التكبيرة ممّا يتوجه ويفتتح بها الصلاة ، وأمّا أنّ تلك التكبيرة هل هي الاُولى أو الوسطى أو غيرهما فلا تتعرض الرواية لتعيينها أصلاً كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 441 /  أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8 .

ــ[136]ــ

   الثالثة :  صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «أ نّه قال: خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الصلاة وقد كان الحسين (عليه السلام) أبطأ عن الكلام ـ إلى أن قال ـ فافتتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الصلاة فكبّر الحسين (عليه السلام) فلمّا سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تكبيره عاد فكبّر ، فكبّر الحسين (عليه السلام) حتى كبّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبع تكبيرات ، وكبّر الحسين (عليه السلام) فجرت السنّة بذلك» (1) فانّ التكبير الذي كبّره (صلّى الله عليه وآله) أوّلاً هو تكبيرة الاحرام لاطلاق الافتتاح عليها ، والعود إليها ثانياً وثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين (عليه السلام) ، فليس الافتتاح إلاّ بالأوّل والزائد هو المستحب ، وقد جرت السنّة على هذه الكيفية كما صرّح بذلك في آخر الخبر .

   والجواب :  أ نّه لا ريب في وقوع الافتتاح منه (صلّى الله عليه وآله) بالتكبيرة الاُولى في تلك القضية الشخصية ، لعدم تشريع السبع بعد كما كان كذلك قبل تلك القضية ، ومجرد ذلك لا يقتضي تعيّن الاُولى فيما بعد التشريع وليس في فعله (صلّى الله عليه وآله) بعد إجماله دلالة على التعيين كما لا يخفى . نعم ، ربما يوهمه قوله (عليه السلام) في ذيل الخبر «فجرت السنّة بذلك» ، لكنّه مبني على أن يكون المراد من المشار إليه الكيفية المذكورة الصادرة منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من وقوع الافتتاح بالاُولى ، لا أصل تشريع السبع الذي هو الظاهر المنسبق إلى الذهن كما لا يخفى ، لا أقل من احتماله المسقط لها عن الاستدلال .

   الرابعة :  صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح، فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ ثم ركع»

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 21 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 7 ح 4 .

ــ[137]ــ

إلى آخر الرواية المتقدمة في نسيان تكبيرة الاحرام(1) فانّ تقييد المنسي بكونه أوّل التكبيرات يدل على أ نّه هو تكبيرة الاحرام ، إذ لو كانت الأخيرة مثلاً لما كان هناك أثر لنسيان غيرها من سائر التكبيرات المستحبة ، فلا حاجة لتداركها في الأثناء أو بعد الفراغ كما تضمنته الصحيحة .

   وفيه :  بعد الغض عن مخالفة مضمونها للنص والفتوى كما تقدم الكلام حوله في محله مستقصى(2) ـ ولسنا الآن بصدد ذلك ـ أ نّها في حدِّ نفسها قاصرة الدلالة على مطلوبه (قدس سره) فانّ كلمة «من» في قوله «من الافتتاح» إمّا للتبعيض أو للبيان .

   فان اُريد الأوّل دلت الصحيحة حينئذ على أنّ مجموع التكبيرات السبع هي المحقق للافتتاح والمنسي بعض من هذا المركب ، فتنطبق بظاهرها على مسلك والد المجلسي (قدس سره) فهي حينئذ على خلاف المطلوب أدل . على أ نّه بناءً عليه كان المنسي هي السابعة لا الاُولى ولا غيرها ، لعدم اعتبار قصد عنوان الأوّلية أو الثانوية ونحوهما، فالنقص إنّما يرد على العدد الأخير المكمِّل للمجموع كما لا يخفى .

   وإن اُريد الثاني كي يكون المعنى أنّ المنسي هي تكبيرة الاحرام التي يتحقق بها الافتتاح ، فلا دلالة فيها على أ نّها الاُولى أو الوسطى أو الأخيرة ، وإطلاق الأوّل عليها باعتبار أ نّها اُولى تكبيرات الصلاة في مقابل تكبير الركوع والسجود وغيرهما .

   فالانصاف :  أنّ هذه الوجوه التي استدل بها في الحدائق لا دلالة في شيء منها على تعيّن الاُولى ، فالقول به ساقط .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 14 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 2 ح 8 ، المتقدمة في ص 91 .

(2) في ص 91 ، 92 .

ــ[138]ــ

   وأمّا القول بتعيّن الأخيرة ، فقد استدل له أيضاً بوجوه :

   أحدها :  الفقه الرضوي (1) المتضمن للتصريح بذلك . لكنّه كما ترى لا حجية فيه فلا يصلح للاستناد إليه في شيء من الأحكام كما مرّ مراراً .

   الثاني :  ما نقله المحقق الهمداني (2) عن كاشف اللثام في شرح الروضة من الاستدلال برواية أبي بصير، وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله: اللّهمّ أنت الملك الحق المبين ... إلخ ، والدعاء عقيب الاثنين بقوله : لبيك وسعديك وعقيب السادسة بقوله : يا محسن قد أتاك المسيء ، قال (عليه السلام) : ثم تكبر للاحرام ، لكنّا بعد التتبع لم نجدها في كتب الحديث كي ننظر في سندها . نعم مضمونها مذكور في صحيحة الحلبي المتقدمة (3) مع اختلاف يسير وظني انّها اشتبهت بها ، لكنها خالية عن الذيل الذي هو مورد الاستدلال فلاحظ .

   الثالث :  ما استظهره في الجواهر (4) من النصوص المتضمّنة لاخفات الإمام بست ، والجهر بواحدة ، التي هي تكبيرة الاحرام بمناسبة الحكم والموضوع بضميمة ما ورد من أنّ الإمام يجهر بكل ما يتلفّظ به ويسمع المأمومين كل ما يقوله في الصلاة ، فانّ الجمع بين الدليلين يقضي بتعيّن الأخيرة للافتتاح إذ لو كان ما عداها لزم ارتكاب التخصيص في الدليل الثاني كما لا يخفى ، فتحفّظاً على أصالة العموم يحكم بأ نّها الأخيرة ، كي يكون ما قبلها من التكبيرات واقعة قبل الصلاة ، فالاخفات فيها لا ينافي مع الإجهار المطلوب في الصلاة .

   وربما يجاب عنه :  بأنّ أصالة العموم حجة في تشخيص المراد لا في كيفية الإرادة، فلا تجري إلاّ لاستعلام الحكم لدى الشك فيه لا لتشخيص حال الموضوع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فقه الرِّضا : 105 .

(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 248 السطر 30 .

(3) الوسائل 6 : 24 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 8 ح 1 .

(4) الجواهر 9 : 214 .

ــ[139]ــ

وفي المقام لا شك في الحكم للقطع باخفات الست وخروجها عن دليل الإجهار في الصلاة ، وإنّما الشك في أ نّها من الصلاة كي يكون خروجها عن ذاك الدليل من باب  التخصيص ، أم ليست منها لكون الأخيرة هي الاحرام ، كي يكون خروجها من باب التخصص ، فهو نظير ما إذا ورد أكرم العلماء وعلمنا من الخارج أن زيداً لايجب إكرامه ، ولم نعلم أ نّه عالم كي يكون خروجه للتخصيص أم جاهل كي يكون للتخصص ، فكما أنّ أصالة العموم لا تجري لاثبات حاله وأ نّه جاهل لعدم الشك في المراد ، فكذا لا تجري في المقام حتى يثبت بها أنّ الإحرام هي الأخيرة .

   وفيه :  أنّ الكبرى المذكـورة وإن صحّت لكنها غير منطبقة على المقام لحصول الشك هنا في الحكم كالموضوع ، فلا يعلم المراد أيضاً لاجمال المفهـوم فهو كما لو علمنا بعدم وجوب إكرام زيد بعد ورود الأمر باكرام العلماء وتردد زيد بين شخصين أحدهما عالم والآخر جاهل ، ولم يعلم أنّ المراد به الأوّل كي يكون الخروج تخصيصاً أم الثاني كي يكون تخصصاً ، ولا شك أنّ المرجع في مثله أصالة العموم ، لعدم العلم بورود التخصيص على عموم إكرام العلماء كي يخرج عنه زيد العالم ، فيتمسك بأصالة عدم التخصيص ويثبت بها أنّ الخارج هو زيد الجاهل ، لحجية مثبتات الاُصول اللفظية .

   والمقام من هذا القبيل ، فانّ المراد من الست المحكومة بالاخفات مردد بين الواقع قبل التكبيرة كي يكون خروجها عن دليل الإجهار في الصلاة من باب التخصص، والواقع بعدها كي يكون من التخصيص، فهو مجمل مردّد بين فردين وفي مثله يتمسك بأصالة العموم في دليل الإجهار للشك في ورود التخصيص عليه ، ويثبت بها أنّ المراد هي الست الواقعة قبل التكبيرة ، فينتج أنّ تكبيرة الاحرام هي الأخيرة، لما عرفت من حجية مثبتات الاُصول اللفظية .

   إلاّ أنّ أصالة العموم في دليل الإجهار في الصلاة تعارضها أصالة الاطلاق

ــ[140]ــ

في دليل الجهر بالواحدة وإخفات الست ، فانّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم والموضوع هي تكبيرة الاحرام ـ كما تقدم (1) ـ ومقتضى الاطلاق جواز إيقاعها قبل الست أو بعدها أو خلالها . والعموم وإن كان مقدّماً على الاطلاق لدى الدوران لكون الدلالة فيه وضعية ، وفي الثاني بمقدّمات الحكمة ، إلاّ أنّ في المقام خصوصية تستوجب قوّة الظهور في الاطلاق بحيث كاد يلحقه بالتصريح الموجب لتقديمه على العموم ، وهو التعبير بالواحدة المقرون بالتعبير بالست في الإخفات إذ لو كان المراد بالواحدة خصوص الأخيرة فما يمنعه (عليه السلام) عن التعبير بالسابعة ، فالعدول عنها ـ مع أنّ المقام يقتضي التصريح بها لو كان الافتتاح متعيناً فيها ـ إلى التعبير بالواحدة فيه قوة ظهور في الاطلاق والتخيير ، وإلاّ لم يكن وجه للاهمال المؤدّي إلى نوع من الاغراء بالجهل كما لا يخفى .

   هذا ، ومع التنزل فلا أقل من التكافؤ بين الظهورين ، أعني ظهور العموم في تعين الأخيرة ـ بالتقريب المتقدم ـ وظهور الاطلاق في عدمه ، فيقع التعارض الموجب للاجمال فتسقط عن الاستدلال .

   الرابع :  النصوص المتضمنة لتعداد تكبيرات الصلوات وأ نّها خمس وتسعون تكبيرة، التي منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة، منها تكبيرات القنوت خمس»(2) فانّها لاتنطبق إلاّ على القول بتعيّن الأخيرة للافتتاح، فيستقيم العدد حينئذ، إذ كل ركعة تشتمل على خمس تكبيرات: تكبيرة للركوع، واُخرى للهوي إلى السجود ، وثالثة لرفع الرأس منه ، ورابعة للسجدة الثانية ، وخامسة لرفع الرأس منها ، وبعد ضرب الخمسة في عدد ركعـات الفرائض وهي سبع عشرة يصير المجموع خمساً وثمانين ، وبعد إضافة خمسة لتكبيرات القنوت في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 138 .

(2) الوسائل 6 : 18 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 5 ح 1 .

 
 

ــ[141]ــ

الصلوات الخمس يصير المجموع تسعين ، فاذا زيدت عليها لكل من الصلوات الخمس تكبيرة الاحرام صار المجموع خمساً وتسعين واستكمل العدد، ولا يحسب تكبيرات الافتتاح لخروجها عن الصلاة بناءً على هذا القول .

   وأمّا بناءً على عدم تعيّن الأخيرة وجواز الافتتاح بالاُولى ، المستلزم لايقاع الست الاُخرى في الصلاة ، كان اللاّزم حينئذ زيادة ست تكبيرات لكل صلاة البالغة ثلاثين تكبيرة ، فيصير المجموع مائة وخمساً وعشرين .

   وأجاب عنه  المحقق الهمـداني (قدس سره) (1) بما ملخّصـه : أنّ تكبيرات الافتتاح حيث لم يكن في موردها إلاّ أمر واحد متعلق بالجميع بعنوان الافتتاح فمن هنا عدّ المجموع بمنزلة تكبيرة واحدة .

   وهذا كما ترى ، لظهور الأخبار في اختصاص كل تكبيرة منها بأمر مستقل كبقية تكبيرات الصلوات كما لا يخفى ، فلا وجه لاهمالها في مقام العدّ .

   والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ هذا الاستدلال إنّما ينفع في قبال دعوى صاحب الحدائق القائل بتعيّن التكبيرة في الاُولى، فيكون هذا ردّاً عليه بالتقريب المتقدم ، ولعله (قدس سره) لو التفت إلى ذلك لعدل عن مذهبه ، فانّه أقوى شاهد على بطلانه .

   وأمّا القائل بالتخيير كما عليه المشهور ، فلا تكون هذه النصوص ردّاً عليه كي تتعين التكبيرة في الأخيرة ، وذلك لأنّ معنى التخيير في تطبيق التكبيرة على واحدة من السبع ، أنّ الخصوصيات الفردية غير معتبرة في متعلق الأمر ، وإنّما الماهية المأمور بها هي الطبيعي الجامع بين تلك الأفراد ، وهي التكبيرة الواحدة التي قد تكون مسبوقة بالست ، واُخرى ملحوقة بها ، وثالثة متخللة بينها ، فما لوحظ اعتباره في الماهية التي لا تتخلف عنه إنما هي التكبيرة الواحـدة ، وأمّا الزائد عليها فهو شيء قد يكون وقد لا يكون ، ولأجـله يعدّ ـ لو كان ـ من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 249 السطر 2 .

ــ[142]ــ

خصوصيات الفرد ومزاياه ، لا الخصوصيات الملحوظة في نفس الجامع ، وإلاّ لما تخلّفت عنه كما لم تتخلف سائر التكبيرات .

   ومن الواضح أنّ هذه النصوص إنما هي بصدد تعداد التكبيرات الملحوظة في ماهية الصلاة بقول مطلق لا في افرادها التي لا اطراد فيها ، ومن هنا اُلغيت بقية التكبيرات الافتتاحية في مقام التعداد ولم يحتسب غير الواحدة منها . نعم ، بناءً على قول صاحب الحدائق كان المجموع داخلاً في ماهية الصلاة ولزم احتسابها . فهذه الروايات إنّما تصلح ردّاً عليه كما عرفت ، لا على مذهب المشهور كي تدل على تعيّن الأخيرة .

   هذا ، وممّا يدل على بطـلان هذا القول ـ أعني تعين الأخيرة ـ الروايات المتقدمة(1) الواردة في علّة تشريع السبع المشتملة على قصّة الحسين (عليه السلام) لوضوح أنّ افتتاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تلك القضية الشخصية إنّما كان بالتكبيرة الاُولى ، والعود إليها ثانياً وثالثاً وهكذا إنما كان لتمرين الحسين (عليه السلام) بعد الدخول في الصلاة بالاُولى .

   وجريان السنة بذلك ـ كما في ذيل تلك الأخبار ـ إمّا اشارة إلى الكيفية الصادرة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو إلى أصل تشريع السبع ، وإن كان الأظهر الثاني كما تقدم (2) ، وعلى التقديرين فلا يحتمل نسخ تلك الكيفية قطعاً ، فلو كان اللازم تعيين الأخيرة فكيف اقتصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على تلك الصلاة .

 وممّا يدل على بطلانه أيضاً كبطلان القول بتعيّن الاُولى : روايات استحباب الجهر بالواحدة للامام ، وإخفات الست التي مرّت الاشارة إليها (3) ، لما عرفت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 136 .

(2) في ص 136 .

(3) في ص 138 .

ــ[143]ــ

من أنّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم والموضوع هي تكبيرة الاحرام كي يسمعها المأمومون فيقتدون ، ومقتضى ظهورها القوي في الاطلاق الذي هو في قوّة التصريح كما تقدم عدم الفرق في إيقاع تلك التكبيرة مسبوقة بالست أو ملحوقة أو متخللة .

   وممّا يدل على بطلانهما أيضاً ، وإثبات التخيير الذي عليه المشهور اطلاقات الأمر بالتكبير وافتتاح الصلاة به، حيث لم تتقيّد بالسبق على الست ولا اللّحوق كما لا يخفى .

   والمتلخص من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن : أنّ احتمال الافتتاح بجميع ما يختار كما عليه والد المجلسي ممّا لا سبيل إليه لامتناعه ثبوتاً ، فلا تصل النوبة إلى مرحلة الاثبات . على أنّ بعض الأخبار وإن كان ظاهراً فيه لكنّه معارض بطائفة اُخرى ظاهرة في أنّ تكبيرة الاحرام إنّما هي تكبيرة واحدة ، والزائد فضل ومستحب كما مرّ ، فيدور الأمر بين القول بتعيّن الاُولى كما عليه صاحب الحدائق ، أو الأخيرة كما اختاره جمع من القدماء ، ومال إليه في الجواهر أوّلاً وإن ضعّفه أخيراً ، أو التخيير كما عليه المشهور ، والأوّلان ساقطان لضعف مستندهما ، مضافاً إلى قيام الدليل على الاطلاق والتخيير الذي منه روايات جهر الإمام بواحدة ، الظاهرة ولو بمناسبة الحكم والموضوع في أ نّها هي تكبيرة الاحرام ليسمعها المأمومون فيقتدون كما مرّ كل ذلك مستقصى ، فيتعيّن القول الأخير وهو الأقوى .

   لكن هذا مبني على أن يكون لتكـبيرة الاحرام عنوان به تمـتاز عن بقيـة التكبيرات الافتتاحية، وتختلف عنها في الحقيقة والذات وإن شاركتها في الصورة نظير الفرق بين الظهر والعصر .

   وأمّا بناءً على أنّ الواجب هي ذات التكبيرة من دون تعنونها بعنوان خاص فلا مناص من الالتزام بتعين الاُولى ، لا لما استدلّ به في الحدائق من الوجوه




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net