ــ[184]ــ
[ 1468 ] مسألة 8 : يعـتبر في القـيام الإنتصـاب والإسـتقرار((1)) والإستقلال((2)) (1) حال الاختيار ، فلو انحنى قليلاً ، أو مال إلى أحد الجانبين بطل ، وكذا إذا لم يكن مستقرّاً ، أو كان مستنداً على شيء من إنسان أو جدار أو خشبة أو نحوها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أمّا الأوّلان ، فقد مرّ الكلام حولهما في مبحث التكبير في المسألة الرابعة إذ لا فرق بين القيام المعتبر في التكبير وبين غيره فيما له من الأحكام ، وعرفت وجوب الأوّل بالروايات الخاصة التي منها قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة «وقم منتصباً ... » إلخ (3) . وكذا الثاني بمقتضى الاجماع ، وإلاّ فالأدلة اللفظية قاصرة عن إثباته ، ومنه تعرف أنّ اعتباره ـ أي الاستقرار ـ في القيام المتصل بالركوع محل إشكال بل منع ، لما تقدّم (4) من عدم وجوبه في نفسه ، وإنّما يعتبر من أجل تقوّم الركوع به ودخله في تحققه ، وظاهر معقد الاجماع اختصاصه بالقيام الواجب في نفسه لا أقل من الشك ، وحيث إنّه دليل لبي فلا إطلاق له بحيث يشمل مثل هذا القيام ، ومن الواضح أنّ الذي يتقوّم به الركوع إنّما هو جامع القيام ، سواء تضمّن الاستقرار أم لا .
وأمّا الاستقلال في القيام وعدم الاعتماد على شيء ـ بحيث لو اُزيل لسقط ـ فالمشهور اعتباره في حال الاختيار، بل عليه دعوى الاجماع في كثير من الكلمات وخالف فيه أبو الصلاح (5) من القدماء ، وجملة من المتأخرين ، وهو الأقوى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اعتباره في القيام المتصل بالركوع لا يخلو من إشكال بل منع .
(2) على الأحوط ، وجواز الاستناد على كراهة لا يخلو من قوّة .
(3) الوسائل 5 : 488 / أبواب القيام ب 2 ح 1 .
(4) في ص 168 .
(5) الكافي في الفقه : 125 .
ــ[185]ــ
ويستدل للاعتبار بوجوه :
الأوّل : الاجماع . وفيه : أنّ المحصّل منه غير حاصل ، والمنقول غير مقبول . مضافاً إلى عدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) للقطع باستناد المجمعين إلى الوجوه الآتية أو بعضها ولا أقل من احتماله .
الثاني : اعتباره في مفهوم القيام كما نصّ عليه جمع من الأعـلام . وفيه : ما لا يخفى ، ضرورة أنّ القيام عبارة عن نفس الهيئة الخاصة التي هي حالة من الحالات قبال سائر الهيئات من القعود والاضطجاع ونحوهما ، ولا يعتبر في تحققها الاستقلال وعدم الاعتماد جزماً .
الثالث : دعوى الانصراف إليه وإن لم يؤخذ في مفهومه . وهي ممنوعة وعهدتها على مدّعيها .
الرابع : أ نّه المعهود من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) فيجب الاقتصـار عليه تأسِّـياً لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «صلّوا كما رأيتموني اُصلي»(1) وقد يقرّر هذا بقاعدة الشغل، فانّ القطع بالفراغ عن التكليف المعلوم لا يحصل إلاّ بالقيام مستقلاًّ .
وفيه : أنّ الصادر عنهم (عليهم السلام) وإن كان كذلك يقيناً ، إلاّ أنّ الفعل لمكان إجماله لا يدل إلاّ على أصل المشروعية دون الوجوب الذي هو المطلوب وإثباته بالنبوي المذكور ممنوع ، إذ مضافاً إلى ضعف سنده كما تقدّم(2) سابقاً لعدم روايته إلاّ عن طرق العامّة ، قاصر الدلالة ، لعدم وجوب رعاية جميع الخصوصيات التي تضمّنتها صلاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا إشكال ولا تعيّن لبعضها فيوجب الاجمال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عوالي اللآلي 1 : 198 ، السنن الكبرى 2 : 345 .
(2) في ص 100 .
ــ[186]ــ
وصحيحة حماد (1) وإن تضمّن ذيلها الأمر بقوله (عليه السلام) «يا حماد هكذا فصلّ» ، إلاّ أ نّها خالية عن ذكر الاستقلال ، فانّا وإن كنا نقطع بكونه (عليه السلام) مستقلاًّ غير معتمد على شيء في الصلاة التي صلاها تعليماً ، إلاّ أ نّه لم يكن شيئاً مفروغاً عنه بين الإمام (عليه السلام) وحماد بحيث يكون ملحوظاً في مقام التعليم ، وإلاّ كان الأحرى التعرض فيها كما لا يخفى .
ومنه تعرف أنّ قاعدة الشغل لا مسرح لها بعد إطلاق الأدلّة ، مع أنّ مقتضى الأصل هي البراءة في أمثال المقام دون الاشتغال كما هو ظاهر .
فتحصل : أنّ هذه الوجوه كلّها ساقطة ، والعمدة في المقام روايتان معتبرتان :
إحداهما : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي إلاّ أن تكون مريضاً»(2) هكذا في الوسائل، والموجود في نسخ الحدائق ـ غير الطبعة الجديدة ـ وكذا في الذخـيرة (3) «لا تسـتند» بدل «لا تمسك» والمعنى واحد . وكيف كان فالخمر ـ بالفتح والتحريك ـ : ما واراك من شجر وغيرها ، والدلالة ظاهرة .
الثانية : موثقة ابن بكير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط ، فقال : لا ، ما شأن أبيك وشأن هذا ، ما بلغ أبوك هذا بعد» (4) والتعبير عنها بالخبر في بعض الكلمات المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى ، والدلالة أيضاً ظاهرة كسابقتها .
لكن بإزائها عدة روايات فيها الصحيح والموثق دلت على الجواز صريحاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 459 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 .
(2) الوسائل 5 : 500 / أبواب القيام ب 10 ح 2 .
(3) الذخيرة : 261 السطر 4 .
(4) الوسائل 5 : 487 / أبواب القيام ب 1 ح 20 .
ــ[187]ــ
كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة ؟ فقال : لا بأس . وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة ؟ فقال : لا بأس به» (1) .
وموثق ابن بكير «عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط ، قال : لا بأس بالتوكأ على عصا ، والاتكاء على الحائط» (2) ونحوهما غيرهما .
هذا ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما الحمل على الكراهة ، لصراحة الطائفة الثانية في الجواز ، فيرفع اليد بها عن ظهور الطائفة الاُولى في المنع وتحمل على الكراهة .
لكن الأصحاب جمعوا بينهما بحمل الطائفة الاُولى على الإتكاء والاستناد المشتمل على الاعتماد ، بحيث لو اُزيل السناد لسقط ، والثانية على مجرّد الاستناد العاري عن الاعتماد .
وهذا كما ترى من أردأ أنحاء الجمع، فانّه تبرّعي لا شاهد عليه، إذ الموضوع فيهما واحد وهو الاتكاء أو الاستناد ، فكيف يحمل في إحداهما على ما تضمن الاعتماد وفي الاُخرى على ما تجرّد عنه مع فقد ما يشهد بهذا الجمع .
بل ذكر في الحدائق (3) أنّ الاتكاء قد اعتبر في مفهومه الاعتماد لغة ، وعليه فيسقط هذا الجمع من أصله كما لا يخفى .
وعن صاحب الجواهر (قدس سره) حمل الطائفة الثانية على التقية لموافقتها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 499 / أبواب القيام ب 10 ح 1 .
(2) الوسائل 5 : 500 / أبواب القيام ب 10 ح 4 .
(3) الحدائق 8 : 62 .
ــ[188]ــ
للعامة (1) ، فلا مجال للأخذ بها ، سيّما وقد أعرض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية .
وفيه : أنّ الحمل على التقية فرع استقرار المعارضة ، ولا تعارض بعد إمكان الجمع الدلالي بالحمل على الكراهة كما عرفت ، فلا تصل النوبة إلى الترجيح بالجهة بعد وجود الجمع العرفي . ــــــــــــــــ
(1) الجواهر 9 : 248 .
|