وأمّا الإعراض فمضافاً إلى منع الكبرى ، لعدم قدحه في الحجية كما حققناه في الاُصول (2) ، لا صغرى له في المقام ، ضرورة اعتناء الأصحاب بهذه الطائفة كما يفصح عنه تصديهم لعلاج المعارضة إمّا بالحمل على الاستناد العاري عن الاعتماد كما مرّ ، أو بجعل عمل المشهور على طبق الاُولى مرجّحاً لها عليها .
والحاصل : أنّ الإعراض القادح في الحجية هو الكاشف عن بناء الأصحاب على خلل في السند وقصور في الصدور ، ولذا قيل إنّه كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض بعداً ، وهذا غير محتمل في المقام بعد ما عرفت من الاعتناء المزبور الذي يظهر منه عدم غمز في السند والمفروغية عن صحته .
وقد تحصّل : أنّ الأقوى عدم اعتبار الاستقلال، وجواز الاستناد على كراهة وإن كان الأحوط ذلك حذراً عن مخالفة المشهور .
ثم على تقدير تسليم اعتباره في القيام ، فهل يعتبر ذلك في النهوض أيضاً فلا تجوز له الاستعانة حاله ؟
ربما يقال بذلك أخذاً باطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان المتقدمة(3) : «لا تمسك بخمرك وأنت تصلي» بدعوى أنّ قوله (عليه السلام) وأنت تصلي شامل للنهوض أيضاً .
ــــــــــــ (2) مصباح الاُصول 2 : 241 .
(3) في ص 186 .
ــ[189]ــ
نعم ، لا بأس بشيء منها حال الاضطرار (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه أوّلاً : أنّ الصلاة اسم لمجموع الأجزاء خاصة ، دون المركب منها ومن المقدمات ، والنهوض مقدّمة للجزء وليس منه ، فليس من الصلاة ، فلا تشمله الصحيحة الظاهرة في اعتبار الاستقلال في الصلاة نفسها .
وثانياً : لو سلّم الاطلاق ، فهو مقيّد بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة (1) حيث تضمّن ذيلها التصريح بجواز الاستعانة حال النهوض ، فانّ الإعراض على تقدير تسليم قدحه غير متحقق بالنسبة إلى هذه الفقرة جزماً، لاختصاص الشهرة باعتبار الاستقلال في القيام دون النهوض .
(1) بناءً على اعتبار الاستقلال في القيام ـ وقد عرفت منعه ـ فلا ريب في اختصاصه بحال الاخـتيار ، فيسقط اعتباره لدى الاضـطرار بلا خلاف ولا إشكال، وقد قام عليه الاجماع، وتسالمت عليه كلمات الأصحاب من غير نكير.
وهل السقوط حينئذ على طبق القاعدة أو لا ؟ يختلف ذلك باختلاف مدارك اعتباره ، فان كان المستند فيه دخل الاستقلال في مفهوم القيام ، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوطه رأساً والانتقال إلى الجلوس ، شأن كل عاجز عن القيام على ما تقتضيه الآية والروايات كما سبق ، فتحتاج كفاية القيام غير الاستقلالي إلى الدليل ، فانّ الاجتزاء به على خلاف القاعدة .
وبالجملة : بناءً على هذا المبنى تلزمه الصلاة جالساً ، ولا يكتفى بالقيام من غير استقلال ، لعدم كونه من القيام ولا القعود على الفرض . مع أنّ المتسالم عليه الاكتفاء به كما مرّ ، وإن كان المستند انصراف الأدلّة إلى القيام الاستقلالي فالحكم على طبق القاعدة، إذ الانصراف على تقدير تسليمه مختص بحال الاختيار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 187 .
|