وأمّا الجهة الثانية : فقد يقال كما في الجواهر : بوجوب الوقوف على تمام القدمين ، وعدم الاكتفاء بالبعض من الأصابع أو الاُصول ، استناداً إلى الأصل ودليل التأسي ، والتبادر ، وعدم الاستقرار بدون ذلك .
وفي الجميع ما لا يخفى ، فانّ مقتضى الأصل هو البراءة كما مرّ ، مع أ نّه لا مجال له بعد إطلاق الدليل . وأمّا التأسي فلأنّ الصادر منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن كان كذلك جزماً، فالصغرى مسلّمة ، لكن الكبرى ممنوعة كما تقدّم . والتبادر في غاية المنع ، إذ لا يعتبر في حقيقة القيام ـ التي هي هيئة مخصوصة في مقابل الجلوس ـ كيفية خاصة قطعاً ، وكذا الاستقرار ، إذ لا تلازم بين الوقوف
ــ[195]ــ
على الأصابع أو أصل القدمين وبين عدمه كما هو ظاهر ، فلا مجال لشيء من هذه الوجوه بعد إطلاق الدليل الذي هو المتبع .
وقد يستدل له برواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ا لْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) » (1) . وقد وقع الكلام في المراد من هذا الحديث الوارد في تفسير الآية المباركة ، فقيل : إنّ الآية ناسخة لما كان يفعله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تلك الكيفية ، فتدل على نفي المشروعية . وعليه مبنى الاستدلال .
وقيل : بل هي ناظرة إلى نفي الالزام نظير قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج )(2) فلا تدل على نفي المشروعية ، بل تلك الكيفية باقية على ما هي عليه من الرجحان والمحبوبية ، غايته أ نّها غير واجبة .
لكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم ، أمّا الأوّل : فلأنّ سياق الآية يشهد بورودها في مقام الامتنان ورفع ما يوجب الشقاء ، وهو التعب والكلفة عن النبي الأقدس (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وذلك إنّما يناسب نفي الالزام دون المشروعية كما لا يخفى .
وأمّا الثاني : فلوضوح أنّ ما كان يصدر منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تلك الكيفية لم يكن بقصد اللزوم والوجوب كي تنزل الآية لرفعه ، ولذا لم يأمر المسلمين بتلك الكيفية ، وإنّما اختارها هو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لنفسه مع عدم وجوبها حرصاً منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مزيد طلب الجهد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 490 / أبواب القيام ب 3 ح 2 .
(2) الحج 22 : 78 .
|