ــ[211]ــ
[ 1475 ] مسألة 15 : إذا لم يقدر على القيام كلاً ولا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع ((1)) (1) صلّى من جلوس (2) ، وكان الانتصاب جالساً بدلاً عن القيام ، فيجري فيها حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد وغيره .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذي يهوّن الخطب ما عرفت من عدم الدليل على وجوب الاستقلال فيصح ما أثبته في المتن من تقديم الاستقرار، لوضوح عدم المعارضة بين الواجب والمستحب .
(1) ظاهر العبارة أنّ من تمكن من القيام ولو بهذه الصورة تعيّن وكان مقدّماً على الجلوس .
وهو وجيه على تقدير صدق القيام عليه كالمخلوق بهيئة الركوع ، أو المنحني ظهره لهرم ونحوه ، حيث إنّ قيام مثل هذا الشخص إنّما هو بهذا النحو .
وأمّا مع عدم الصدق ، كما لو كان الانحناء بهذا المقدار لأمر عارض من مرض أو خوف من الظالم أو انخفاض السقف ، انتقل حينئذ إلى الصلاة جالساً لعجزه عن القيام فعلاً .
(2) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لقوله تعالى : (الّذِينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً ... )(2) إلخ ، المفسّر في مصحح أبي حمزة ، بأنّ الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً (3) وقد نطقت به نصوص كثيرة وهذا مما لا غبار عليه .
وإنّما الكلام في أنّ الاُمور المعتبرة في القيام من الانتصاب والاستقرار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا فيما صدق عليه القيام كالمخلوق كذلك أو المنحني ظهره ، وإلاّ قدّم الجلوس مع القدرة عليه أيضاً .
(2) آل عمران 3 : 191 .
(3) الوسائل 5 : 481 / أبواب القيام ب 1 ح 1 .
ــ[212]ــ
والاستقلال هل هي معتبرة في الجلوس أيضاً أو لا ؟
أمّا الانتصاب فلا ينبغي الشك في اعتباره لاطلاق الدليل ، فانّ قوله (عليه السلام) «من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (1) مطلق يشمل حالتي القيام والجلوس معاً .
وأمّا الاستقرار فكذلك ، سواء أكان مستنده الاجماع أم الرواية المتقدمة (2) لاطلاق كلمات المجمعين كالنص .
وأمّا الاستقلال، فعلى تقدير تسليم وجوبه حال القيام فاعتباره حال الجلوس لا يخلو عن الاشكال ، لقصور الدليل عن الشمول له ، فانّه منحصر في روايتين :
إحداهما : موثقة عبدالله بن بكير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط ، فقال : لا ، ما شأن أبيك وشأن هذا ، ما بلغ أبوك هذا بعد» (3) .
ثانيتهما : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي ، إلاّ أن تكون مريضاً» (4) .
أمّا عدم دلالة الموثقة فظاهر ، إذ الاتكاء قد جعل فيها مقابلاً للقعود ، فلا جرم يراد به الاتكاء حال القيام ، فالاتكاء لدى الجلوس خارج عن مفروضها سؤالاً وجواباً ، ولا نظر فيها إليه بوجه .
وأمّا الصحيحة ، فربما يستدل بها لذلك ، نظراً إلى إطلاق قوله (عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 488 / أبواب القيام ب 2 ح 2 .
(2) في ص 209 .
(3) الوسائل 5 : 487 / أبواب القيام ب 1 ح 20 .
(4) الوسائل 5 : 500 / أبواب القيام ب 10 ح 2 .
ــ[213]ــ
ومع تعذّره صلّى مضطجعاً (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام) : «ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي» الشامل لحالتي القيام والقعود بعد منع دعوى الانصراف إلى الأوّل .
ولكنه يندفع باستظهار اختصاصها بالأوّل أيضاً بقرينة استثناء المريض(1) حيث يظهر منه اختصاص النهي عن الاستناد بغير المريض وغير العاجز ، ومن البيّن أنّ مثله يصلي قائماً لا قاعداً ، فلا نظر فيها ـ إثباتاً أو نفياً ـ إلى الاتكاء الجلوسي بتاتاً ، هذا .
وقد يقال : إنّ دليل بدليـة الجلوس عن القـيام بنفسـه كاف في ترتيب الأحكام وإسراء شرائط المبدل منه إلى البدل ، فيلتزم بوجوب الاستقلال في المقام قضاءً للبدلية .
ولكنه واضح الضعف ، لعدم ثبوت البدلية بهذا النحو وأنّ جلوس المريض قـيام ، ليتمسك حينئذ بعموم المنزلة ، لعدم وضوح ورود دليل بلسان التنزيل بل المستفاد من الأدلة تنويع المكلفين وتقسيمهم إلى صحيح ومريض ، أو فقل إلى قادر وعاجز، وأنّ الأوّل يصلي قائماً، والثاني قاعداً، فاختلف الحكم باختلاف موضوعه ، وأنّ لكل وظيفة تخصه حسب حاله ، وهذا بمجرده لا يستدعي انسحاب ما لأحدهما من الأحكام إلى الآخر ما لم ينهض عليه دليل آخر .
(1) بلا خلاف فيه ظاهراً ولا إشكال ، وقد دلت عليه جملة من الأخبار :
منها : النصوص الواردة في تفسير قوله تعالى : (الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستثنى ـ بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع ـ هو المريض العاجز عن الاستقلال وهو أعم من عجزه عن القيام أيضاً وعدمه ، فالقرينة غير واضحة .
ــ[214]ــ
وقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )(1) من أنّ الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً والذي هو أضعف منه يصلي على جنبه (2) .
ومنها : موثقة سماعة قال : «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : فليصلّ وهو مضطجع ... » إلخ (3) .
ومنها : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى ، إمّا أن يوجه فيومئ إيماءً وقال : يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه (جنبه) الأيمن ، ثم يومئ بالصلاة ، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فانه له جائز ، وليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً» (4) .
نعم ، لا يخلو متن هذه الموثقـة عن نوع من الاضطراب ، لعدم ذكر عدل للشرطية المنفصلة، أعني قوله (عليه السلام) «إمّا أن يوجّه» بل قال في الحدائق(5) إنّ الكثير من روايات عمار كذلك ، ولكنه لا يقدح في الاستدلال بها لما هو محل الكلام من الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع على الجانب الأيمن بعد صراحتها في ذلك .
هذا ، وقد روى المحقق في المعتبر قال : روى أصحابنا عن حماد (6) عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجّه كما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 3 : 191 .
(2) الوسائل 5 : 481 / أبواب القيام ب 1 ح 1 .
(3) الوسائل 5 : 482 / أبواب القيام ب 1 ح 5 .
(4) الوسائل 5 : 483 / أبواب القيام ب 1 ح 10 .
(5) الحدائق 8 : 76 .
(6) المستدرك 4 : 116 / أبواب القيام ب 1 ح 4 ، المعتبر 2 : 161 .
ــ[215]ــ
يوجّه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ... » إلى آخر ما في رواية عمار المتقدمة، بل هي عينها، غير أ نّها خالية عن تلك الفقرات المستوجبة للاضطراب.
وتبعه الشهيدان في الذكرى والروض(1) ، وعليه فلا اضطراب في الرواية بوجه .
بل ظاهر الذخيرة(2) أ نّهما رواية واحدة عن عمار ، وإن أسندها المحقق إلى حماد ، ولعلّه سهو من قلمه ، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك ، كما أنّ بعض نسخ التهذيب أيضاً كذلك .
ولكن صاحب الحدائق(3) أنكر الاتحاد ، لعدم الموجب لذلك بعد أن نرى أنّ المحقق قد روى في المعتبر أخباراً زائدة على ما في الكتب الأربعة من الاُصول التي عنده ، فلعل هذه الرواية كانت من تلك الاُصول ، ولا سيّما وأنّ الاضطراب الموجود في تلك الرواية لم يوجد في هذه .
ولكن الظاهر أنّ ما ذكره السبزواري في الذخيرة هو الصحيح ، فانّ المحقق لو روى باسناده عن حماد لأمكن القول بأ نّه نقلها عن أصل وصل إليه ولم يصل إلينا ، ولأجله لم يذكر في الكتب الأربعة ولكنّه (قدس سره) عبّر بقوله : روى أصحابنا ، الظاهر في كون الرواية معروفة مشهورة ، ومعه كيف يمكن القول بأ نّه رواها عن أصل غير معروف وصل إليه خاصة . إذن فالظاهر هو الاتحاد ، وأنّ ذكر حماد بدل عمار إمّا سهو منه نشأ من تشابه الكلمتين ، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك .
وعلى أيّ حال ، فعلى تقدير التعدد لا يمكن التعويل عليها ، لعدم العلم بطريقه إلى تلك الاُصول ، فتكون في حكم المرسل . والعمدة في الاستدلال ما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذكرى 3 : 271 ، الروض : 251 السطر الأخير .
(2) الذخيرة : 262 السطر 30 .
(3) الحدائق 8 : 76 .
ــ[216]ــ
عرفت من موثقتي سماعة وعمّار ، والروايات المفسّرة للآية المباركة المؤيّدة بنصوص اُخر ضعيفة . مضافاً إلى التسالم وعدم الخلاف فيه كما تقدم .
|