ــ[228]ــ
ويزيد في غمض العين للسجود ((1)) على غمضها للركوع (1) ، والأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة ((2)) (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما عن جماعة ولعله المشهور ، وكأ نّه إيماءً للفرق بين الايماءين بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع ، ولكنه كما ترى ، إذ لا دليل على لزوم رعاية الفرق المزبور بعد خلوّ النص عنه ، فانّ الواجب بمقتضى الاطلاق إنّما هو الغمض بمقدار الذكر الواجب ، ولا دليل على الزيادة عليه ، سواء اُريد بها تطويل الغمض أو تشديده .
(2) في المسألة أقوال خمسة : وجوب الوضع تعييناً ، التخيير بينه وبين الإيماء ، لزوم الجمع بينهما ، أفضلية ضمّ الوضع إلى الايماء ، بدلية الوضع عن الإيماء .
أمّا القول الأوّل : فيستدل له بموثقة سماعة المتقدمة قال : «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فانّه يجزئ عنه ، ولم يكلف الله ما لا طاقة له به» (3) .
وفيه أوّلاً : أ نّها معارضة باطلاق النصوص الدالة ـ وهي في مقام البيان ـ على أنّ وظيفة العاجز عن الركوع والسجود إنّما هي الايماء ، وحملها على ما إذا لم يتمكن من وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة ولو بالاستعانة من الغير ـ الميسورة غالباً ـ حمل على الفرد النادر جداً ، فكيف يمكن حمل تلك الروايات الكثيرة وهي في مقام بيان تمام الوظيفة على ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر عدم وجوبها .
(2) لا يبعد جواز تركه ، وأمّا الايماء بالمساجد فلم نتصور له معنى معقولاً .
(3) الوسائل 5 : 482 / أبواب القيام ب 1 ح 5 .
ــ[229]ــ
وثانياً : أنّ الموثقة في نفسها غير قابلة للدلالة على الوجوب التعييني، لظهور القضية الشرطية في قوله (عليه السلام) : «وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد» في أ نّه بعد حصول الشرط وتحقق السجود خارجاً يجب عليه الوضع المزبور فكأ نّه مأمور بالسجود أوّلاً ، وبالوضع ثانياً ، وحيث إنّ السجود الحقيقي متعذّر حسب الفرض ، فلا جرم يراد به بدله وهو الايماء ، فيكون محصل المعنى أ نّه إذا أومأ يضع شيئاً على جبهته . إذن لا يمكن أن يراد خصوص الوضع من دون الايماء كما هو المدعى .
بل إنّ دقيق النظر يقضي بلزوم رد علم الموثقة إلى أهله ، لأنّ حمل السجود فيها على معناه الحقيقي ليجب الجمع بينه وبين الوضع على الجبهة مقطوع العدم كيف ولازمه أن يكون المريض أسوأ حالاً وأشق تكليفاً من الصحيح وهو كما ترى .
وتوجيهه : بأنّ سجود المضطجع المريض لمّا كان فاقداً لشرائط الصحة غالباً فمن ثمّ اُمر بوضع شيء على جبهته أيضاً ، بعيد جداً كما لا يخفى .
فلا مناص من أن يراد به إمّا بدله وهو السجود التنزيلي أعني الايماء ، أو إرادته يعني متى أراد أن يسجد فليضع شيئاً على جبهته بدلاً عنه .
أمّا الثاني ، فقد عرفت معارضته مع نصوص بدلية الايماء ، وعرفت أيضاً أنّ حمل تلك النصوص على صورة العجز عن الوضع المزبور حمل للمطلق على الفرد النادر ، فتسقط الموثقة من أجل المعارضة وعدم المقاومة تجاهها .
وأمّا الأوّل ، فغير واضح أيضاً ، لأنّ حمل السجود على الايماء الذي هو خارج عن مفهومه يحتاج إلى الدليل ولا دليل ، ومجرد بدليته عنه لدليل خاص لا يستوجب حمل اللفظ عليه عند الاطلاق . إذن لا نعقل معنى صحيحاً للموثقة ولا بدّ من رد علمها إلى أهله .
ــ[230]ــ
وبمضمون الموثقة مرسلة الفقيه قال: «وسئل عن المريض لايستطيع الجلوس أيصلي وهو مضطجع ويضع على جبهته شيئاً ؟ قال : نعم ، لم يكلفه الله إلاّ طاقته» (1) .
ولكنها ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ قاصرة الدلالة، إذ الحكم بالوضع لم يذكر إلاّ في كلام السائل ، وجواب الإمام (عليه السلام) بقوله : «نعم» لا يدل على الوجوب ، لجواز إرادة الاستحباب بل مطلق الجواز ، وأ نّه أمر سائغ لا يضرّ بصلاته فليتأمل .
ولعلّ نظر الفقيه في هذه المرسلة إلى تلك الموثقة بقرينة ما في ذيلها من أ نّه لا يكلّف الله إلاّ طاقته . وكيف ما كان ، فالعمدة هي الموثقة وقد عرفت ما فيها .
وأمّا القول الثاني : فيستدل له بأ نّه مقتضى الجمع بين الموثقة وبين نصوص الإيماء ، بعد رفع اليد عن ظهور كل منهما في الوجوب التعييني فينتج التخيير بينهما .
وفيه : أنّ كثرة نصوص الايماء الواردة في الموارد المتفرّقة ، وأوضحيّتها في الدلالة على البدلية ، بعد كونها في مقام بيان تمام الوظيفة ، يعطي لها قوة ظهور في إرادة الوجوب التعييني بحيث لا تقبل الحمل على التخيير ، لا سيّما مع جواز أن يكون المراد من السجود في الموثقة الايماء إليه ، لتضمّنها حينئذ الأمر بالوضع في فرض الايماء ، فكيف تحمل على التخيير بينهما .
وأمّا القول الثالث : فيستدل له بأ نّه مقتضى تقييد إطلاقات الايماء بالموثقة ، فانّ نتيجته وجوب الجمع بينهما .
وربما يجاب عنه : بمعارضته مع صحيحتي زرارة والحلبي الظاهرتين في استحباب الوضع زائداً على الايماء ، ففي الاُولى عن أبي جعفر (عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 485 / أبواب القيام ب 1 ح 14 ، الفقيه 1 : 235 / 1034 .
ــ[231]ــ
قال : «سألته عن المريض كيف يسجد ؟ فقال : على خمرة ، أو على مروحة ، أو على سواك يرفعه إليه ، هو أفضل من الايماء» (1) .
وفي الثانية : عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال يومئ برأسه إيماءً ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» (2) .
وفيه : أ نّهما غير ناظرتين إلى ما هو محل الكلام من وضع شيء على الجبهة مع الايماء ، بل المراد أنّ من كان السجود حرجياً بالنسبة إليه فله أن يومئ بدلاً عنه ، ولكنه مع ذلك إذا تحمّل المشقة وسجد على الأرض أو على غيرها قدر ما يطيق فهو أفضل ، وقد تقدم (3) هذا المعنى عند التكلم حول صحيحة الحلبي . وبالجملة : محل كلامنا وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة ، لا وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، فلا ارتباط للصحيحتين بالمقام .
فالأولى أن يجاب : بما تقدم (4) من أنّ الموثقة مطروحة ، لأ نّها غير صحيحة المفاد فلا تنهض لتقييد المطلقات .
على أ نّا لو تنازلنا وسلّمنا دلالتها بعد ارتكاب التقييد المزبور على وجوب كلا الأمرين فلم يكن بدّ من رفع اليد عنها ، نظراً إلى أنّ المسألة كثيرة الدوران ومحل للابتلاء غالباً . وقد تعرّض الأصحاب لها القدماء منهم والمتأخرون ، فلو كان الوجوب ثابتاً لأصبح من الواضحات ، فكيف خلت منه فتاوى القدماء ولم يرد في شيء من الروايات على كثرتها تنصيص عليه .
وممّا ذكرنا يظهر لك مستند القول الرابع مع جوابه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 364 / أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 .
(2) الوسائل 5 : 481 / أبواب القيام ب 1 ح 2 .
(3) في ص 222 .
(4) في ص 229 .
|