التفصيل في اعتصام ماء الحمّام بين الرفع والدفع 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8150


   هذا على أن الحمامات المصنوعة في البلاد إنما اُعدّت لاستحمام أهل البلد وعامة الواردين والمسافرين ومثلها يشتمل على أضعاف الكر ، بحيث لو اُضيف عليها مثلها من الماء البارد لم تنسلب عنها حرارتها لكي تكفي في رفع حاجة الواردين على كثرتهم ، وفرض حمام عمومي تشتمل مادته على مقدار كر خاصة أو أقل منه حتى يسأل عن حكمه فرض أمر لا تحقق له خارجاً . فمنشأ السؤال عن حكمه ليس هو قلة الماء في مادته أو كثرته ، كما أنه ليس هو احتمال خصوصية ثابتة لماء الحياض تمنع عن انفعاله بملاقاة النجس مع فرض قلته ، وعليه فلا يبقى وجه للسؤال إلاّ ما أشرنا إليه آنفاً .

   وعلى الجملة إن غاية ما يستفاد من الأخبار المتقدمة أن المادّة الجعلية العالية سطحاً عن الماء القليل كالمادّة الأصلية المتساوية سطحاً معه فلا دلالة لها على سائر الجهات ، فلا بدّ في استفادة سائر الأحكام والخصوصيات من مراجعة القواعد العامة التي قدمناها سابقاً ، وهي تقتضي التفصيل بين الرفع والدفع . بيان ذلك : أن ماء الحياض إذا كان طاهراً في نفسه ، وكان المجموع منه ومن الموجود في مادته بالغاً حد الكر فهو ماء معتصم يكفي في دفع النجاسة عن نفسه فلا ينفعل بطروّها عليه ، وأمّا إذا كان ماء الحياض متنجساً فبلوغ المجموع منه ومن مادته كراً لا  يكفي في الحكم بالاعتصام ، فان بلوغ المجموع من النجس والطاهر كراً المعبّر عنه بالمتمم كرّاً بنجس لا يكفي في تطهير النجس كما أسلفناه في محلّه (1) ، فيشترط في طهارة ماء الحياض ـ  لأجل اتصاله بمادته  ـ أن تكون المادّة بالغة كراً بنفسها ، لما قدّمناه من أن تطهير الماء النجس منحصر باتصاله بالكر الطاهر على الأظهر ، أو بامتزاجه معه أيضاً كما قيل ، أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 206 .

ــ[232]ــ

فالحياض الصغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة إذا كان ما في الخزانة وحده أو مع ما في الحـياض بقدر الكر ، من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة أو عدمه ، وإذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة بشرط كونها كراً وإن كانت أعلى وكان الاتصال بمثل المزمَّلة (1) ، ويجري هذا الحكم في غير الحمّام أيضاً ، فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكر أو ازيد وكان تحته حوض صغير نجس ، واتصل بالمنبـع بمثل المزمَّلة يطهر ، وكذا لو غسل فيه شيء نجس ، فانّه يطهر مع الاتصال المذكور (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بنزول المطر عليه ونحوهما من أفراد الماء العاصم ، فيشترط بحسب الرفع أن تكون المادّة بالغة حد الكر بنفسها . فما في المتن من الحكم بكفاية بلوغ المجموع من ماء الحياض والمادّة حدّ الكر في الدفع ، واعتبار بلوغ المادّة إليه بنفسها في الرفع هو الصحيح .

   (1) قد اتضح مما تلوناه عليك في المقام أنه لا فرق في الحكم باعتصام ماء الحمام بين تساوي سطحي المادّة وماء الحياض واختلافهما ، وغاية الأمر أن الحكم المذكور في صورة تساوي السطحين على طبق القاعدة ، وفي صورة اختلافهما على خلافها وإنما التزمنا به لأجل الصحيحة المتقدمة .

   (2) وهل يختص الحكم المذكور ـ  أعني كفاية الاتصال بماء آخر مع اختلاف سطحي الماءين  ـ بماء الحمام ولا يتعدى عنه إلى غيره ؟

   ليس في شيء من الصحيحة المتقدمة ، ولا في رواية بكر بن حبيب ـ  على تقدير اعتبارها  ـ ما يمكن به التعدي إلى سائر الموارد ، فان الصحيحة دلت على أن ماء الحمام بمنزلة الجاري ، واشتملت رواية بكر على أنه لا بأس بماء الحمام إذا كان له مادّة ، وهما كما ترى مختصتان بماء الحمام .

   وأمّا ما في شذرات المحقق الخراساني (قده) من الاستدلال في التعدي عن ماء الحمّام إلى سائر الموارد ، بما ورد في بعض روايات الباب من تعليل الحكم بطهارة ماء

ــ[233]ــ

الحمّام بقوله لأن له مادّة (1) فيتعدى بعمومه إلى كل ماء قليل متصل بمادته بمثل المزمّلة ونحوها ، فهو من عجائب ما صدر منه (قدس سره) لأن التعليل المدعى مما لم نقف على عين منه ولا أثر في شيء من رواياتنا صحيحها وضعيفها ، ولم ندر من أين جاء به (قدس سره) .

   نعم ، يمكن أن يستدل عليه ـ أي على التعدي ـ بأن الحكم إذا ورد على موضوع معيّن مخصـوص فهو وإن كان يمنع عن إسرائه إلى غيره من الموضـوعات لأنه قياس إلاّ أن الأسئلة والأجوبة ربما تدلاّن على عدم اختصاص الحكم بمورد دون مورد ومقامنا هذا من هذا القبيل ، لما أسلفناه من أن الوجه في السؤال عن ماء الحمام ليس هو احتمال خصوصية لاستقرار الماء في الحمام أعني الخزانة والحياض الصغار الواقعتين تحت القباب بشكل خاص المشتملين على سائر خصوصيات الحمام ، وإنما الوجه في السؤال هو ما ارتكز في أذهان العرف من عدم تقوّي السافل بالعالي ، وقد دفعه (عليه السلام) بأن اتصال السافل بالعالي يكفي في الاعتصام ، ولا مانع من تقوّي أحدهما بالآخر ولو مع اختلاف سطحي الماءين ولا يضره التعدد العرفي .

   وهو كما ترى لا يختص بمورد دون مورد ، وهل ترى من نفسك الحكم بعدم اعتصام ماء الحياض المتصلة بالمادّة الجعلية فيما إذا خرب الحمام بحيث لم يصدق عليه أنه حمام ؟ وحيث إنّا لا نحتمل ذلك بالوجدان فنتعدى منه إلى كل ماء قليل متصل بشيء من المواد ولو في غير الحمّام كماء الآنية إذا اتصل بالمادّة أو بمزمّلة أو باُنبوب ونحوهما .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقله أدام الله أظلاله عن بعض مشايخه المحققين (قدس الله أسرارهم) وهذا وإن لم نعثر عليه في الشذرات المطبوعة إلاّ أن مقتضى ما نقله المحقق المتقدم ذكره أنه كان موجوداً في النسخة المخطوطة الأصلية وقد أسقط عنها لدى الطبع أو انّه نقله عن مجلس بحثه والله العالم بحقيقة الحال .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net