موارد سقوط وجوب السورة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4443


ــ[284]ــ

إلاّ في المرض والاستعجال (1) فيجوز الاقتصار على الحمد، وإلاّ في ضيق الوقت أو الخوف ونحوهما من أفراد الضرورة، فيجب الاقتصار عليها وترك السورة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السورة ، إلاّ أ نّه مع ذلك كلّه ففي النفس منه شيء ، والجزم به مشكل جداً لمخالفته مع الشهرة الفتوائية والاجماعات المنقولة على الوجوب كما تقدّمت(1) من أعاظم الأصحاب وقد عرفت قوة الاشتهار به سيّما بين المتأخرين ، بل كادت تبلغ الاجماع لديهم كما مرّ ، وليس من الهيّن رفضها وعدم الاعتناء بها فالمسألة لا تخلو عن الاشكال ، ولا نجد في المقام أجدر من التوقف والاحتياط الذي هو سبيل النجاة وحسن على كل حال ، والله سبحانه أعلم .

   (1) بناءً على وجوب السورة كما هو الأحوط على ما عرفت ، فلا ريب في سقوطها في موارد :

   منها :  المأموم المسبوق إذا خاف عدم إدراك الإمام في الركوع ، ويدل على السقوط فيه صحيحة زرارة المتقدمة في أدلة القول بالوجوب (2) .

   وهذا لا إشكال فيه كما لا خلاف ، إنّما الكلام في أنّ السقوط هل هو على وجه العزيمة أو الرخصة ؟

   الظاهر هو الأوّل ، بل لا ينبغي الريب فيه ، لمنافاة القراءة مع المتابعة الواجبة سواء أكان وجوبها شرطيّاً كما هو المختار أم نفسياً كما عليه الماتن ، فالاتيان بها إمّا موجب للإثم ، أو مخلّ بشرط الجماعة وعلى التقديرين فهي ليست جزءاً من الصلاة ، نعم بناءً على جواز العدول إلى الفرادى في الأثناء فالسقوط رخصة فيجوز له الاتيان بها بقصد الجزئية بعد تحقق القصد المزبور المرخّص فيه . وتمام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 264 .

(2) الوسائل 8 : 388 /  أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4 .

ــ[285]ــ

الكلام في مبحث الجماعة إن شاء الله تعالى .

   ومنها :  حال المرض ، ولا إشكال أيضاً في السقوط فيه ، للتصريح به في صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة : «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها» (1) .

   إنّما الكلام في جهتين : إحداهما :  أنّ السقوط هل هو على وجه الرخصة أو العزيمة ؟

   الظاهر هو الثاني فيما لو أراد الاتيان بها بقصد الجزئية ، لمنافاة الجزئية مع فرض السقوط ، فمع الالتزام بسقوطها حال المرض كما تضمنه الصحيح المتقدم لا يعقل أن يكون جزءاً في هذا الحال ، فانّ الجزء ما يتقوّم به المأمور به ولا يسوغ تركه لانتفاء المركّب بفقده ، فكيف يجتمع ذلك مع الحكم بالسقوط المستلزم لجواز الترك ، وعليه فالاتيان بها بقصد الجزئية تشريع محرّم ، فيكون سقوطها على وجه العزيمة لا محالة .

   نعم ، لو اُريد بها قصد القرآن دون الجزئية، أو أتى بها بعنوان الجزء المستحب كما عبّر به في كلماتهم ، المبني على ضرب من التوسع والمسامحة كما لا يخفى ، كان السقوط حينئذ على وجه الرخصة ، والوجه فيه ظاهر .

   الثانية :  هل السـقوط في هذا الحال يختص بحصـول المشـقة في فعلها فلا سقوط بدونها أو لا؟ ظاهر جمع منهم المحقق الهمداني (قدس سره) الأوّل، وعلله (قدس سره) بأنّ ذلك مقتضى مناسبة الحكم والموضوع (2) .

   أقول : قد يكون الأمر كذلك في بادئ النظر، لكن الظاهر خلافه ، إذ المريض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 40 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 5 .

(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 288 السطر 28 .

ــ[286]ــ

بأيّ مرحلة فرضناه حتى المصلي مستلقياً لا مشقة عليه غالباً في التكلم بسورة يسيرة كالتوحيد مثلاً سيّما مع عدم احتياجه إلى مؤونة الاسماع ، لعدم كون المخاطب من البشر . نعم ، ربما يفرض شدّة المرض بمثابة يشق عليه ذلك أيضاً لاقترانه بثقل في لسانه ، أو استيلاء المرض شديداً بحيث يصعب عليه حتى تلك التلاوة اليسيرة، لكنه فرض نادر جداً (1) لا يمكن حمل الاطلاق عليه ، فالأقوى في النظر تعميم السقوط لصورتي المشقة وعدمها ، عملاً باطلاق الدليل بعد امتناع حمله على الفرد النادر ، ومن الجائز أن تكون الصحة دخيلة في ملاك الوجوب كما يقتضيه الاطلاق ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه .

   ومنها : موارد الاستعجال والخوف ، ويدل على السقوط فيهما صريحاً صحيح الحلبي المتقدم : «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً» (2) .

   والكلام هنا من حيث كون السقوط على وجه الرخصة أو العزيمة، وأنّ الحكم يختص بحال المشقة أم لا، هو الكلام فيما تقدّم في المريض حرفاً بحرف، فهو على وجه العزيمة مع قصد الجزئية ، وعلى وجه الرخصة بقصد القرآن ، كما أ نّه يعم صورتي المشقة وعدمها عملاً باطلاق النص ، إذ فرض بلوغ العجلة والخوف مثابة يشق عليه التأخير حتى بمقدار قراءة سورتين قصيرتين لا يستوجبان من الزمان أكثر من دقيقة واحدة بل أقل ، فرض نادر جداً لا يمكن حمل الاطلاق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غير خفي أنّ مناسبة الحكم والموضوع التي ادّعاها المحقق الهمداني (قدس سره) تكون كقرينة متصلة تستوجب الاختصاص بهذا الفرض وإن قل وندر ، إذ ليت شعري كيف يحتمل سقوط السورة عن المريض الذي ينفعه التكلم أو لا يضره ولا ينفعه ، لعدم ارتباطه به بوجه ، فلا مناص من أن يراد به من يشق التكلم عليه . ومن البيّن أ نّه لا مانع من الحمل على الفرد النادر إذا اقتضته القرينة .

(2) الوسائل 6 : 40 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 2 .

ــ[287]ــ

عليه كما مرّ .

   ثم إنّ السقوط بمجرد الاستعجال العرفي وإن لم يبلغ حدّ المشقة لا ينافي أصل الوجوب ، كما ربما يتوهم ، إذ لا غرابة في ذلك بعد مساعدة الدليل ، ومن الجائز أن يختص ملاك الوجوب بغير صورة العجلة، وقد وقع نظيره في القصر والاتمام فالركعتان الأخيرتان من الرباعية تسقطان لدى السفر وإن كان السفر باختياره ولم تكن حاجة تدعو إليه ولا مشقة في صلاة المسافر تاماً ، فكما أنّ ملاك وجوب التمام مقيّد بعدم السفر سواء أكانت هناك مشقة أم لا ، فليكن ملاك وجوب السورة أيضاً مقيداً بعدم العجلة من غير فرق بين المشقة وعدمها .

   ومنها :  ضيق الوقت ، ولا خلاف أيضاً في سقوطها به . وتفصيل الكلام أ نّه قد يفرض الضيق بالنسبة إلى مجموع الصلاة فلا يمكنه درك تمام الصلاة في الوقت مع القراءة ، واُخرى يفرض بالنسبة إلى الركعة الواحدة ، فلو قرأ السورة لا يدرك من الوقت حتى مقدار الركعة الواحدة .

 أمّا في الصورة الاُولى :  فلا محالة تقع المعارضة بين دليل الوقت وبين دليل وجوب السورة ، وحيث إنّ الدليل الأوّل له إطلاق يعم حال التمكن من السورة وعدمه ، كقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ ... )(1) إلخ وقوله (عليه السلام) : «إذا زالت الشمس فقد وجبت الصلاتان إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ثم إنّك في سعة منهما حتى تغيب الشمس...» إلخ(2) وليس كذلك الثاني ، إذ ليس في أدلّة السورة ما يتضمن إطلاقاً يصح التعـويل عليه ، فانّ عمدتها مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة (3) ولا ريب أ نّها ناظرة إلى المتمكن من السورة وأ نّه في فرض التمكّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإسراء 17 : 78 .

(2) الوسائل 4 : 126 /  أبواب المواقيت ب 4 ح 5 ، (نقل بالمضمون) .

(3) الوسائل 6 : 40 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 2 .

ــ[288]ــ

تجب إن لم تكن عجلة وإلاّ فتسقط ، فلا إطلاق لها لغير المتمكن كي تعمّ المقام وكذا الحال في صحيحة عبدالله بن سنان(1) ومعاوية بن عمار(2) وغيرهما فانّها بأجمعها ناظرة إلى صورة التمكّن . وعليه فلا مناص من تقديم الدليل الأوّل فتسقط السـورة حينئذ لعدم التمكّن منها بعد وجـوب مراعاة الوقت ، بل إنّ سقوطها على وجه العزيمة أيضاً ، فليس له الاتيان بالسورة ، لاستلزامه التعجيز الاختياري بالنسبة إلى الوقت الأوّلي الذي هو محرّم عقلاً ، ولا مجال للتمسك بدليل من أدرك في مثل ذلك كما لا يخفى .

   وأمّا في الصورة الثانية :  فقد يقال إنّ الحـال أيضاً كذلك ، فانّ وجوب مراعاة الوقت الاختياري ساقط بالعجز حسب الفرض ، وبما أ نّه متمكن من إدراك الركعة فتنتقل الوظيفة إلى مراعاة الوقت الثانوي الذي هو بدل اضطراري فهو مكلف بالصلاة في الوقت بعد ملاحظة دليل التوسعة، فتقع المعارضة حينئذ بين هذا الدليل وبين دليل وجوب السورة ، وحيث إنّ الثاني لا إطلاق له يعمّ المقام كما مرّ بخلاف الأوّل، فيتقدم فيجب إدراك الركعة وإن استلزم ترك السورة لقصور دليلها عن إثبات الوجوب في الفرض .

   وفيه :  أنّ دليل وجوب السورة وإن لم يكن له إطلاق كما ذكر ، إلاّ أ نّه لا مجال للتمسك بدليل من أدرك أيضاً ، فانّه يشبه التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ الدليل يختص ـ لا محالة ـ بالمتمكن من إدراك الركعة ، وصدقه في المقام يتوقف على عدم وجوب السورة كي لا تكون دخيلة في الركعة التامة ، مع أ نّه بعد أوّل الكلام ، إذ من الجائز وجوبها واقعاً وإن كان الدليل عليه في مرحلة الاثبات قاصراً ، ومع احتمال الدخل كيف يمكن التمسك باطلاق من أدرك ، ومن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 40 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 5 .

(2) الوسائل 6 : 110 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 43 ح 1 .

ــ[289]ــ

المعلوم عدم تعرض هذا الدليل لمصداق الركعة والأجزاء المعتبرة فيها ، وهل التمسك به إلاّ من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية .

   وبالجملة :  كما لا إطلاق لدليل السـورة ، لا إطلاق لدليـل الوقت أيضاً فتوجّه التكليف إليه بالصلاة في الوقت مشكوك من أصله ، لاحتمال سقوطها عنه والانتقال إلى القضاء ، كما في فاقد الطهورين ، وحينئذ قد يبدو في النظر ما احتمله المحقق الهمداني من لزوم الجمع بين الأداء والقضاء ، عملاً بالعلم الاجمالي بوجوب أحدهما (1) ، لكن الأقوى تعيّن الأداء ، فيأتي بركعة خالية عن السورة في الوقت ويتم الصلاة خارجه ، ولا حاجة إلى القضاء وذلك نتيجة الجمع بين اُمور ثلاثة :

   أحدها : ما دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال، من الاجماع والضرورة وخصوص صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من قوله (عليه السلام) «فانّها لا تدع الصلاة بحال» (2) كما مرّ التعرض لها غير مرّة .

   ثانيها :  ما هو المعلوم من عدم كون السـورة ـ ولو قلنا بوجوبها ـ من مقوّمات الصلاة وأركانها ، وعدم دخلها في حقيقتها وماهيتها ، فيصدق اسمها على الفاقد لها بالضرورة ، بل يظهر من حديث التثليث أنّ قوامها بالطهور والركوع والسجود ، فصدق الصلاة كصدق الركعة لا يتوقف على الاشتمال على السورة قطعاً ، فيشملها دليل عدم سقوط الصلاة بحال .

   ونتيجة هذين الأمرين أنّ من تمكن من الصلاة في الوقت وإن كانت فاقدة السورة وجبت ، وبعد ضمهما إلى الأمر الثالث وهو حديث من أدرك ، الموجب لاتساع الوقت ، ينتج ما ذكرناه من وجوب الصلاة فعلاً ، والتكليف نحوها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر مصباح الفقيه (الصلاة) : 288 السطر 33 .

(2) الوسائل 2 : 373 /  أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 (نقل بالمضمون) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net