ــ[329]ــ
ويقع الكلام تارة في وجود ما يدل على الاتحاد ، واُخرى فيما يخالفه .
أمّا الأوّل : فقد استدلّ له بعدّة روايات كلّها ضعاف أو مراسيل كالفقه الرضوي ومرسل الهداية ، ومراسيل الطبرسي ، وأبي العباس ، واُبيّ ، والمحقق ، والراوندي وغيرها ممّا لا يمكن الاعتماد على شيء منها (1) فمن يرى اعتبار العدالة في الراوي كصاحب المدارك (2) أو الوثاقة كما هو المختار ، ليس له التعويل على شيء من هذه الأخبار ، ودعوى الانجبار ممنوعة كما حقق في الاُصول (3) . فلم يبق في البين عدا الاجماعات المحكية ممّا تقدمت ، وهي كما ترى بعد وضوح المستند فالمقتضي للاتحاد قاصر لعدم دليل(4) معتبر عليه .
وأمّا الثاني : أعني ما يخالفه ممّا يدل على التعدد فهو أيضاً ضعيف ، فانّ ما استدل به لذلك وجوه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 54 / أبواب القراءة في الصلاة ب 10 .
(2) لم نعثر عليه .
(3) مصباح الاُصول 2 : 240 .
(4) يمكن الاستدلال له بصحيحة زيد الشحام المتقدمة آنفاً ، بتقريب أنّ مقتضى نصوص القران حرمته أو كراهته مطلقاً ، وحيث إنّ الإمام (عليه السلام) لا يصدر منه المكروه فضلاً عن الحرام ، فلا مناص من حمل الجمع الصادر منه على اللزوم ولا وجه له عدا اتحاد السورتين .
إلاّ أن يقال : إنّ المستكشف من فعله (عليه السلام) إنّما هو عدم حرمة القران ولا كراهته في خصوص المورد ، وحينئذ فعلى التعدد كان ذلك تخصيصاً في أدلة القران وعلى الاتحاد تخصصاً ، ومن المقرّر في محله عدم صحة التمسك بأصالة العموم لاثبات الثاني أو يقال : بعدم المانع من صدور المكروه عنه (عليه السلام) إمّا تنبيهاً على عدم الحرمة ، أو إيعازاً إلى جواز فعل المكروه ، ولا سيّما في العبادة التي يراد به فيها أقلية الثواب .
ــ[330]ــ
أحدها : ما ذكره في المدارك من إثبات الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف كسائر السور (1) .
واُجيب: بأنّ هذه الكيفية من جمع الخلفاء فلا يدل على أنّ النزول كان كذلك .
وفيه : أنّ مرجـع ذلك إلى دعوى التحريف(2) من ناحية الزيادة التي هي مقطوعة البطلان باتفاق المسلمين، وانّما الخلاف في التحريف من ناحية النقيصة . على أ نّا قد أثبتنا في بحث التفسير بطلان ذلك أيضاً بما لا مزيد عليه ، فلاحظ إن شئت (3) .
فالصواب في الجواب: أنّ مجرد اشتمال السورة على البسملة لا يقتضي تغايرها عن غيرها ، ولا يكشف عن التعدد ، وإن كان الغالب كذلك ، لكنه ليس بدائمي إذ لا دليل عليه كما لا يخفى .
الثاني : ما استدلّ به صاحب الحدائق(4) من رواية زيد الشحام «قال : صلى بنا أبو عبدالله (عليه السلام) فقرأ في الاُولى والضحى ، وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك»(5) وقد وصفها في الحدائق بالصحة، وذكر أ نّها أولى بالاستدلال لصاحبي المعتبر والمدارك لو اطلعا عليها ، لكن عدم اطلاعهما عليها بعيد غايته ، وإنّما لم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 3 : 378 .
(2) التحريف المزبور متقوّم بزيادة شيء في القرآن على أ نّه جزء منه ، وليس المقام كذلك بل إنّما زيدت البسملة رمزاً لفواصل السور وكعلامة على استقلالها كسائر العلامات أو البيانات المذكورة في أوائل السور ، ولذلك لا تجعل عليها علامة الآية فيما عدا سورة الفاتحة كما سبق .
(3) البيان : 197 .
(4) الحدائق 8 : 205 .
(5) الوسائل 6 : 54 / أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 3 .
ــ[331]ــ
يستدلا بها لضعف سندهما كما ستعرف ، وقد حملها الشيخ على النافلة (1) وهو بعيد جداً ، لقوله «صلى بنا» (2) الظاهر في الجماعة ، ولا جماعة في النافلة .
وأجاب في الحدائق : بأنّ غايتها الدلالة على جواز التبعيض ، فيكون سبيلها سبيل الأخبار الدالة عليه .
وفيه : أنّ الكلام في هذه المسألة ـ كما أشرنا إليه في صدر المبحث ـ إنّما هو بعد الفراغ عن عدم جواز التبعيض ، وإلاّ فلا إشكال في جواز الاقتصار على إحداهما .
والصحيح في الجواب : أنّ الرواية ضعيفة السند بالارسال ، وإن كان المرسل ابن أبي عمير ، وكون مراسيله كمسانيد غيره كلام مشهوري لا أساس له كما تعرضنا له في مطاوي هذا الشرح غير مرّة ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، والانجبار بالعمل لا نقول به .
الثالث : ما استدلّ به في المعتبر (3) من رواية مفضّل بن صالح المتقدمة (4) المتضمنة لاستثناء الضحى وألم نشرح ، وكذا الفيل ولايلاف عن الجمع بين سورتين في ركعة واحدة ، فانّ ظاهر الاستثناء هو الاتصال ، فيدل على أ نّهما سورتان قد استثنيا عن حكم القران .
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ ، أ نّه يكفي في صحة الاستثناء واتصاله كونهما متعددين بحسب الصورة، وما يعتقده الناس من تسميتهما بسورتين لمكان الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 2 : 72 / 265 ، الاستبصار 1 : 318 / 1184 .
(2) كلمة «بنا» موجودة في الاستبصار 1 : 318 / 1184 دون التهذيب 2 : 72 / 265 .
(3) المعتبر 2 : 188 .
(4) الوسائل 6 : 55 / أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 5 .
|