ــ[332]ــ
والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أ نّه لا دليل على وحدة السورتين ولا على تعددهما ، لعدم تمامية شيء مما استدلّ به للطرفين ، فتنتهي النوبة إلى ما يقتضيه الأصل العملي .
والظاهر أنّ مقتضى الأصل حينئذ هو الاشتغال ، وليس المقام من قبيل الأقل والأكثر الارتباطي كي يرجع فيه إلى البراءة على ما هو التحقيق من الرجوع إليها فيه .
وتوضيحه : أنّ الضابط في ذاك الباب ما إذا كان المأمور به وما تعلّق به التكليف بنفسه مجملاً دائراً بين الأقل والأكثر ، كالسورة بالنسبة إلى الصلاة حيث لم يعلم أنّ مصبّ التكليف هي الصلاة المشتملة عليها ، أو الأعم من الواجدة والفاقدة ، فيقال إنّ الجامع وهو الأقل متيقن ، والزائد عليه من تقيده بالسورة يشك في تعلق التكليف به فيدفع بالبراءة .
وهذا الضابط غير منطبق على المقام ، إذ ليس المأمور به خصوص سورة الفيل ، أو خصوص سورة والضحى كي يشك في سعة دائرة المأمور به وضيقها من جهة الترديد في جزئية لايلاف في الأوّل ، والانشراح في الثاني ، كالترديد في جزئية السـورة للصلاة حتى يكون من الدوران بين الأقل والأكثر ، بل المأمور به هو طبيعي السورة بالضرورة ، ولا إجمال في هذا المفهوم قطعاً . وإنّما الترديد في انطباقها على الفيل وحدها ، أو الضحى كذلك ، فالشك إنّما هو في محصّل ذاك الطبيعي ومحقق العنوان المأمور به ، فيعود الشك لا محالة إلى مرحلة الامتثال بعد العلم بالتكليف لا إلى أصل تعلق التكليف ، ومثله مجرى للاشتغال بلا إشكال .
فالأقوى وجوب الجمع بينهما في الصلاة مترتبتين كما أفاده في المتن ، وإن لم يعلم أ نّهما سورتان أم سورة واحدة .
نعم ، إنّ ما ذكرناه مبني على ما هو الأقوى من عدم حرمة القران بين
ــ[333]ــ
السورتين ، وإلاّ فيندرج المقام في باب الدوران بين المحذورين ، إذ بعد قراءة الفيل مثلاً يدور أمر الايلاف بين الوجوب لو كانتا سورة واحدة ، والحرمة لو كانتا سورتين ، وفي مثله يتعذر الاحتياط ، فاللازم على هذا المبنى اختيار سورة اُخرى من أوّل الأمر ، وإن كان لو قرأ الفيل يخيّر بين ضم الايلاف وعدمه كما هو مقتضى القاعدة في الدوران بين المحذورين ، إلاّ أنّ الاجتزاء بمثل هذه الصلاة لا يخلو عن الاشكال كما لايخفى . والذي يهوّن الخطب أنّ المبنى فاسد كما عرفت وستعرف تفصيله إن شاء الله تعالى .
الجهة الثالثة : بعد ما عرفت من وجوب الجمع بين السورتين عملاً بقاعدة الاشتغال ، فهل يجب الفصل بينهما بالبسملة كما اختاره في المتن أو يؤتى بهما موصولة ؟
فيه خلاف بين الاعلام ، بل ربما ينسب الثاني إلى الأكثر، بل عن التهذيب : عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة (1) ، وعن التبيان ومجمع البيان أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (2) .
وكيف كان ، فربما يستدل للأوّل بثبوتها في المصاحف المعروفة عند المسلمين من صدر الاسلام .
وفيه : أنّ الثبوت فيها لا يدل على الجزئية ، ولذا ترى أنّ أكثر أصحاب المصاحف مع بنائهم على عدم جزئية البسملة يثبتونها في كل سورة .
وربما يستدل للثاني : بالفقه الرضوي(3) ، وبما روي من سقوطها عن مصحف اُبيّ بن كعب (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم نجده في التهذيب وإنما هو في الاستبصار 1 : 317 .
(2) التبيان 10 : 371 ، مجمع البيان 10 : 769 .
(3) فقه الرضا (عليه السلام) : 113 .
(4) مجمع البيان 10 : 827 .
|