حكم مَن لم يتعلّم القراءة حتّى ضاق الوقت - من لم يعلم شيئاً من القرآن 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4190


ــ[418]ــ

   [ 1525 ] مسألة 33 : مَن لا يقدر إلاّ على الملحون أو تبديل بعض الحروف ولا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك ولا يجب عليه الائتمام ، وإن كان أحوط وكذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام (1) .

   [ 1526 ] مسألة 34 : القادر على التعلّم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلّم، وقرأ من سائر القرآن ((1)) عوض البقيّة، والأحوط مع ذلك تكرار ما يعلمه بقدر البقية ، وإذا لم يعلم منها شيئاً قرأ من سائر القرآن بعدد آيات الفاتحة ((2)) بمقدار حروفها (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) تقدّم(3) الكلام في هذه المسألة مستقصى فلا حاجة إلى الاعادة فلاحظ .

   (2) المشهور أنّ مَن لم يتعلّم القراءة إلى أن ضاق الوقت ـ سواء أكان قادراً على التعلم فقصّر أم كان قاصراً ـ قرأ من الفاتحة ما تيسر ، فان عجز عنها بأن لم يتعلم شيئاً منها قرأ من سائر القرآن ، فان عجز عن ذلك أيضاً كبّر وسبّح .

   وظاهر المحقق في الشرائع(4) الغاء الترتيب ، وأ نّه بعد العجز عن الفاتحة يتخيّر بين قراءة سائر القرآن وبين التسبيح .

   وهذا ـ مضافاً إلى أنه لا قائل به عدا ما ينقل عن الشيخ في موضع من المبسوط (5) فهو قول شاذ لا يعبأ به ـ لا دليل عليه ، بل الدليل قائم على خلافه كما ستعرف ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط الأولى ، ولا يجب عليه تكرار ما تعلّم .

(2) على الأحوط فيه وفيما بعده .

(3) في ص 413 .

(4) الشرائع 1 : 98 .

(5) المبسوط 1 : 107 .

ــ[419]ــ

   وقد استدلّ على المشهور من اعتبار الترتيب المزبور بوجوه كلها ضعيفة ، ما عدا صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة(1) حيث اُنيط فيها إجزاء التكبير والتسبيح بالعجز عن قراءة القرآن لا عن خصوص الفاتحة ، فالانتقال إلى الذكر متفرع على العجز عن طبيعي القراءة، ولازم ذلك هو الترتيب والطولية فيسقط التخيير .

   ويؤيّدها قوله تعالى : (فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ )(2) ، وما في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) من أنّ العلة في قراءة القرآن في الصلاة لئلاّ يكون القـرآن مهجوراً ، والعلة في اختصاص الفاتحة بالوجوب لاشـتمالها على جوامع الكلم (3) حيث يظهر منه تعدد المطلوب ، فاذا فات المطلوب الأرقى بقي المطلوب الأدنى بحاله ، فوجب قراءة غير الفاتحة من سائر القرآن مهما أمكن رعاية لأدنى المطلوبين ، لكن العمدة ما ذكرناه من الصحيحة ، إذ في هذين الوجهين ما لا يخفى وسنشير إليه فلا يصلحان إلاّ للتأييد .

   هذا إذا لم يتمكن من الفاتحة أصلاً ، وأمّا إذا تمكن من بعضها ، فان كان المقدور هو معظم الفاتحة فلم يرد النقص إلاّ على مقدار يسير منها كربعها بل وثلثها ، بحيث صدق على الباقي عنوان الفاتحة ، فلا إشكال في وجوب الاتيان به ووجهه ظاهر، وأمّا إذا كان الفائت مقداراً معتنى به كالنصف أو الثلثين، بحيث لم يصدق على المقدور عنوان الفاتحة ، فقد استدلّ على وجوب قراءته حينئذ بوجوه ضعيفة كقاعدة الميسور، وما لايدرك، وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»(4) ، والاستصحاب ، والكل كما ترى .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 42 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1 .

(2) المزمل 73 : 20 .

(3) الوسائل 6 : 38 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 3 .

(4) عوالي اللآلي 4 : 58 .

ــ[420]ــ

   والعمدة الاستدلال عليه بأحد وجهين :

   أحدهما :  تسالم الأصحاب واتفاقهم على ذلك بحيث لم ينقل الخلاف عن أحد .

   ثانيهما : صحيحة ابن سنان المتقدمة بضميمة العلم الخارجي بتقدم الفاتحة على غيرها من سائر القرآن في الصلاة ، فانّ مقتضى الصحيحة أنّ التسبيح إنّما يجزئ بعد العجز عن طبيعي القرآن ، غير المتحقق في المقام بعد تمكنه من بعض الفاتحة، فانّه مصداق للقرآن كما هو ظاهر ، فلا تصل النوبة إلى التسبيح ، وحيث إنّا نقطع من الخارج أنّ الفاتحة مقدمة على بقية سور القرآن في القراءة المعتبرة في الصلاة ولذا تتقدم على ما عداها لدى الاختيار ، فلا نحتمل تقدم غيرها أو التخيير بينها وبين الفاتحة ولو بعضها في المقام . فالصحيحة بضميمة هذا العلم الخارجي تنتج وجوب الاتيان بالفاتحة بالمقدار الممكن .

   وهل يجب التعويض حينئذ عن الباقي؟ فيه خلاف نسب إلى المشهور الوجوب واستدلّ عليه باُمور :

   أحدها : قاعدة الاشتغال ، إذ لا جزم بفراغ الذمة عن عهدة التكليف المقطوع إلاّ بالتعويض .

   والجواب : عنه ظاهر، فانّه من موارد الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي والصحيح أ نّه مجرى البراءة دون الاشتغال .

   ثانيها :  قوله تعالى : (فاقْرَءوا ما تَيَسَّرَ منه )(1) وظاهر الأمر الوجوب .

   وفيه أوّلاً :  أنّ الآية المباركة غير ناظرة إلى حال الصلاة ، بل هي مطلقة ومعلوم أنّ الأمر حينئذ محمول على الاستحباب .

   وثانياً :  على تقدير كونها ناظرة إلى الصلاة ومختصة بها ، فليس المراد كل ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المزمل 73 : 20 .

 
 

ــ[421]ــ

تيسر ، وإلاّ وجب بالمقدار الذي يمكنه وإن كان سورة البقرة مع أ نّه غير واجب قطعاً ، بل المراد طبيعي ما يتيسر ، الصادق على المقدار الممكن من القراءة ، فلا موجب للتعويض .

   ثالثها :  قوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (1) ، فانّ ظاهره نفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للفاتحة المستلزم للبطلان، خرجت عنه ما اشتملت على الفاتحة الناقصة المعوّضة بالاجماع ، فيبقى غيره تحت عموم النفي . ولعلّ هذه أحسن الوجوه .

   والجواب :  أنّ الاستدلال مبني على أن تكون الرواية بصدد الإخبار عن الدخل في الحقيقة ، وليس كذلك ، بل هي إرشاد إلى الجزئية ولو بضميمة العلم الخارجي بعدم دخل الفاتحة في حقيقة الصلاة وأ نّها لا تسقط بحال ، وأنّ المقوّم لها ليس إلاّ الركوع والسجود والطهور حسبما ثبت بالنص (2) .

   وعليه فالجملة المزبورة في قوة الأمر بالفاتحة ، المختص بحال التمكّن جزماً فيسقط لدى العجز لا محالة، فالأمر بالتعويض يحتاج إلى الدليل، والأصل البراءة. وبالجملة : غاية ما يثبت بهذه الرواية جزئية الفاتحة ، وأمّا وجوب البدل فكلاّ .

   رابعها :  خبر الفضل بن شـاذان عن الرضا (عليه السلام) «أ نّه قال : اُمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلاّ يكون القرآن مهجوراً ـ إلى أن قال ـ وإنما بدئ بالحمد دون سائر السور لأ نّه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد» (3) الدال على وجوب كل من قراءة القرآن ومن خصوص سورة الحمد من باب تعدد المطلوب ، فإذا تعذّر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عوالي اللآلي 1 : 196 /  2، المستدرك 4 : 158 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

(2) الوسائل 6 : 310 /  أبواب الركوع ب 9 ح 1 .

(3) الوسائل 6 : 38 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 3 .

ــ[422]ــ

المطلوب الأرقى لزم التحفّظ على المطلوب الأدنى ، فيجب التعويض محافظة على أدنى المطلوبين بعد تعذر الآخر .

   وفيه :  مضافاً إلى ضعف السند كما لا يخفى ، قصور الدلالة ، بداهة أنّ المراد من قراءة القـرآن ـ الذي هو المطلوب الأدنى ـ الطبيعي الصادق على المقدار الميسـور من الفاتحة ، فالمصلحة القائمة بقراءة القرآن من عدم كونه مهجـوراً حاصلة، والقائمة بالفاتحة ساقطة بالعجز، والتبديل عن المقدار الفائت يحتاج إلى الدليل ، والأصل البراءة .

   فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ ما ذكره بعضهم من عدم وجوب التعويض هو الأظهر ، وإن كان مراعاته أحوط .

   ثم على تقدير الوجوب ، فهل يتعيّن أن يكون العوض من سائر القرآن غير الفاتحة ، إذ لا أثر للتكرار ، فانّ الشيء الواحد لا يكون أصلاً وبدلاً فلا يجمع بينهما ، أو يتعيّن أن يكون منها ، فيكرّر ما يعلمه حتى يستكمل مقدار الفاتحة لكونه أقرب إلى المتعذر من غيره ، لاشتراكهما في كونهما من أجزاء الفاتحة ؟

   قيل بكل منهما ، وكلاهما ليس بشيء ، إذ مستندهما وجه اعتباري لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي، وأيّ مانع من أن يكون الشيء الواحد باعتبار وجوده الأول أصلاً وبلحاظ الوجود الثاني بدلاً ، والأقربية المزبورة لم يقم دليل على وجوب مراعـاتها . فالتعـيين لا دليل عليه ، ولعلّه برعـاية هذين الوجهين جمع الماتن بينهما وجعل ذلك أحوط .

   نعم ، لايبعد أن يكون الجمع واجباً لو كان المستند في أصل وجوب التعويض قاعدة الاشتغال، فانّ هذا الاستدلال كما يقتضي أصل التعويض يقتضي وجوب الجمع في المقـام بملاك واحد ، إذ لا يحصـل الجزم بالفـراغ إلاّ بذلك ، لاحـتمال وجوب كل منهما كما مرّ . كما أنّ الحال كذلك لو كان المستند قوله (عليه السلام)

ــ[423]ــ

وإن لم يعلم شيئاً من القرآن سبّح وكبّر وذكر بقدرها ، والأحوط الاتيان بالتسبيحات الأربعة بقدرها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(1) إذ المتيقن خروجه عن عموم النفي صورة الجمع فيبقى ما عداها تحت العموم المقتضي للبطلان بالتقريب المتقدم ، لعدم العلم بالخروج لو اقتصر على واحد منهما ، ومن هنا كان الجمع أحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب التعويض من أصله كما عرفت .

   ثم على تقدير الوجوب فهل يعتبر أن يكون البدل ـ من الفاتحة أو من غيرها ـ مساوياً للمقدار الفائت في الحروف والآيات والكلمات أو لا ؟

   يجري فيه الكلام المتقدم آنفاً بعينه ، فانّ المستند لو كان قاعدة الاشتغال أو قوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» فاللازم الاحتياط ، فلا بدّ من رعاية كل ذلك مما يحتمل دخله في الواجب ، نعم ما لا يحتمل كعدد الحروف الساكنة أو المتحركة وعدد الفتح والضم والكسر ونحوها ممّا يقطع بعدم اعتبارها لا يلزم رعايتها ، ولو احتمل اعتبار هذه أيضاً وجب الاحتياط فيها .

   (1) إذا لم يتمكّن من قراءة القرآن أصلاً ـ لا الفاتحـة ولا غيرها ـ فما هي الوظيفة حينئذ ؟

   نسب إلى المشهور أ نّه يسبّح الله ويهلّله ويكبّره، وزاد بعضهم التحميد، واكتفى بعـضهم بمطلق الذكر كما عن الشهيد في اللّمعـة(2) ، وذكر بعـضهم أ نّه يأتي بالتسبيحات الأربع الواجبة في الركعتين الأخيرتين على هيئتها الخاصة .

   وكل ذلك ممّا لا دليل عليه ، فانّ الوارد في المقام نبويّان ، أحدهما : تضمّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عوالي اللآلي 1 : 196 /  2، المستدرك 4 : 158 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

(2) الروضة البهية 1 : 268 .

ــ[424]ــ

التكبير والتهليل والتحميد (1) ، والآخر : تضمّن التسبيحات الأربع بزيادة قوله : ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، أو مع إضافة العلي العظيم (2) ، ومعلوم أنّ سند النبويين قاصر ولم يعمل بمضمونهما الأصحاب حتى ينجبر الضعف بالعمل لو سلّم كبرى الانجبار ، فانّ التسبيح يلتزم به المشهور والنبوي الأوّل خال عنه كما أنّ الزيادة التي يشتمل عليها النبوي الآخر لا يلتزمون بها .

   وبالجملة : فلم نعرف مسـتنداً صحيحاً لهذه الأقوال . إذن لا مناص من الرجوع إلى صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة (3) ، والمذكور فيها قوله (عليه السلام) «أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي ... » إلخ ، والمستفاد من الصحيحة أنّ الركن المقوّم للصلاة إنّما هو الركوع والسجود ، وأمّا القراءة فهي واجبة في حق المتمكّن ، وأمّاالعاجز فيجزئه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي .

   ولا يبعد أن يكون قوله (عليه السلام) «ويصلي» بمعنى يركع ، أي يمضي في صـلاته ، وإلاّ فهو من الأوّل داخل في الصلاة . فعلى هذا ، الواجـب بدلاً عن القراءة إنّما هو التسبيح فقط ، وأمّا التكبير المذكور قبله فهي تكبيرة الاحرام، فما ذكره المحقق الأردبيلي (4) من نفي البعد عن كون التكبير المزبور تكبيرة الصلاة لا أن يكون مع التسبيح بدلاً عن القراءة وجه حسن جداً ، بل هو الظاهر من الصحيحة كما عرفت .

   فالظاهر الاجـتزاء بالتسـبيح فقط ، وإن كان الأولى والأحوط الاتيـان بالتسبيحات الأربع جمعاً بين الأقوال وتحصيلاً للقطع بالموافقة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن البيهقي 2 : 380 ، سنن أبي داود 1 : 228 / 861 .

(2) سنن أبي داود 1 : 220 / 832 ، سنن البيهقي 2 : 381 .

(3) في ص 416 .

(4) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 216 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net