وكيف كان ، فقد عرفت أنّ الكلام يقع في موارد ثلاثة :
المورد الأوّل : في المنفرد ، وهو المتيقن من مورد الاجماع على التخيير ، وقد جرت السيرة عليه من غير نكير ، ويستدل له بجملة من الأخبار :
منها : رواية علي بن حنظلة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما ؟ فقال : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فهو سواء ، قال : قلت : فأيّ ذلك أفضل ؟ فقال : هما والله سواء إن شئت سبّحت ، وإن شئت قرأت» (2) .
ــــــــــــــ (2) الوسائل 6 : 108 / أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 3 .
ــ[451]ــ
لكنها ضعيفة السند فانّ علي بن حنظلة لم يوثق (1) ، إلاّ أن يدعى أنّ في السند الحسن بن علي بن فضال ، وقد ورد في حق بني فضال بالأخذ بما رووا وطرح ما رأوا كما ادعاه شيخنا الأنصاري (قدس سره)(2) . لكن الرواية لم تثبت في نفسها لضعف سندها . وعلى تقدير الثبوت فلا تدل على أكثر من توثيق بني فضال وعدم سقوطهم بالانحراف عن الوثاقة ، لا أنّ رواياتهم تقبل حتى لو رووا عن فاسق أو ضعيف أو مجهول بحيث يكونون أعظم شأناً من زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما بل ومنهم أنفسهم حال الاستقامة .
أو يدعى أنّ في السند عبدالله بن بكير وهو من أصحاب الاجماع .
وفيه : أيضاً ما لا يخفى، لعين المناقشة المتقدمة، فانّ أصحاب الاجماع يصدقون فيما يقولون ، فهم موثوقون في أنفسهم ، لا أنّ رواياتهم تقبل حتى عن ضعيف أو مجهول كما أشرنا إليه مراراً . فهذه الرواية ساقطة والأولى الاستدلال بالروايات الآتية .
ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فانّها تحميد ودعاء» (3) وهي صحيحة السند ظاهرة الدلالة ، غير أ نّها خاصة بالظهر فيتعدى إلى غيرها بعدم القول بالفصل .
والعمدة في المقام صحيحتان ، إحداهما : صحيحة معـاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سيأتي في ذيل المسألة الثانية [ ص 479 ] توثيقه وإن خلت عنه كتب الرجاليين لرواية معتبرة دالة عليه .
(2) كتاب الصلاة 1 : 36 .
(3) الوسائل 6 : 107 / أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 1 .
ــ[452]ــ
فقال : الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبّح ، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبّح» (1) .
والاُخرى : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» (2) ومورد الاستدلال ذيل الصحيحتين كما هو ظاهر .
المورد الثاني : في الإمام ، وقد تضمنت جملة من الأخبار الأمر بقراءة الفاتحة كصحيحتي معاوية ومنصور المتقدمتين، وظاهر الأمر الوجوب، غير أ نّها حملت على التقية لموافقتها العامة ، حيث ينسب إليهم تعينها في الركعات مطلقاً (3) .
ويمكن أن يقال : إنّ الأمر المزبور وإن كان ظاهراً في الوجوب ، لكنه يحمل(4) على الاستحباب أو الجواز ـ على الخلاف كما سيجيء ـ بقرينة صحيحة سالم ابن أبي خديجـة(5) ـ الذي هو سالم بن مكرم الجمال ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وهم قيام، فاذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين»(6) .
قوله (عليه السلام) : «وعلى الذين خلفك أن يقولوا ... » إلخ لا بدّ من حمله
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 108 / أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 2 .
(2) الوسائل 6 : 126 / أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 11 .
(3) المغني 1 : 561 ، الاُم 1 : 107 ، المجموع 3 : 361 .
(4) لكنه سيأتي في مطاوي المسألة الثانية [ ص477 ] تعذّر هذا الجمع واستقرار التعارض والحكم بالتساقط .
(5) سيأتي في التعليق الآتي [ ص465 ] زيادة كلمة (ابن) وأنّ الصحيح سالم أبي خديجة .
(6) الوسائل 6 : 126 / أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13 .
ــ[453]ــ
على صورة عدم السماع ، وإلاّ وجب الانصـات ، أو على الصلاة الاخـفاتية والضمير في قوله (عليه السلام) «فاذا كان ... » إلخ عائد إلى الائتمام ، ولذا حكم (عليه السلام) بوجوب القراءة على المأمومين حينئذ لأنها أوّل ركعتهم . ومحل الاستشهاد قوله (عليه السلام) «وعلى الإمام أن يسبّح ... » إلخ وبذلك يرفع اليد عن ظهور الأمر بالقراءة في الأخبار المتقـدمة في الوجوب ، ويحمل على الجواز أو الاستحباب كما عرفت ، وأمّا أنّ أ يّهما أفضل فسيجيء الكلام حوله إن شاء الله تعالى (1) ، فظهر أنّ الإمام حاله كالمنفرد في ثبوت التخيير . ــــــــــــــ
(1) في ص 473 .
|