معنى الركوع لغةً وشرعاً - واجبات الركوع \ 1ـ الانحناء على الوجه المتعارف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 13130

 

ــ[1]ــ

 بسم الله الرّحمن الرّحيم

    الحمد لله ربّ العالمـين ، والصلاة والسلام على سيِّدنا ونبيِّنا محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين الغرّ الميامين .

ــ[1]ــ

 فصل في الرّكوع

    يجب في كل ركعة من الفرائض والنوافل ركوع واحد إلاّ في صلاة الآيات ففي كل ركعة من ركعتيها خمس ركوعات كما سيأتي ، وهو ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً كان أو سهواً ، وكذا بزيادته في الفريضة إلاّ في صلاة الجماعة فلا تضر بقصد المتابعة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) الركوع لغة (1) هو مطلق الانحناء وتطأطؤ الرأس، يقال ركع الشيخ، أي انحنى من الكبر ، سواء أكان حسِّياً كالمثال أو معنوياً كمن أكبّه الدّهر فصار فقيراً بعد أن كان غنيّاً ، فيقال ركع زيد ، أي انحطّت حالته ، وفي الشرع انحناء مخصوص كما ستعرف .

   ولا إشكال بضرورة الدين في وجوبه مرّة واحدة في كل ركعة من الفرائض والنوافل ، بل باعتباره سمِّيت الركعة ركعة ، ما عدا صلاة الآيات فيجب في كل ركعة من ركعتيها خمس ركوعات كما سيأتي الكلام عليها في محلّها إن شاء الله تعالى (2) .

   ولا ينبغي الاشكال في أ نّه ركن ، بل ممّا تتقوّم به حقيقة الصلاة وماهيّتها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لسان العرب 8 : 133 ، مجمع البحرين 4 : 339 .

(2) شرح العروة 16 / بعد المسألة [ 1752 ] .

ــ[2]ــ

   وواجباته اُمور : أحدها : الانحناء على الوجه المتعارف بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه وصولاً لو أراد وضع شيء منهما عليهما لوضعه ، ويكفي وصول مجموع أطراف الأصابع التي منها الإبهام على الوجه المذكور ، والأحوط الإنحناء بمقدار إمكان وصول الراحة إليها ، فلا يكفي مسمّى الانحناء(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بحيث ينتفي بانتفائه الاسم كما يشهد به حديث التثليث ، «قال (عليه السلام) : الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود» (1) فهو دخيل في المسمّى وركن فيه . ومع الغض فلا شك في كونه ركناً في المأمور به ، بمعنى أنّ الاخـلال به من حيث النقص عمداً أو سهواً موجب للبـطلان كما يشهد به حديث لا تعاد ، ويأتي الكلام عليه في بحث الخلل إن شاء الله تعالى (2) .

   وأمّا الاخلال من حيث الزيادة ، فهو وإن لم يكن معتبراً في صدق الركن لعدم إناطته إلاّ بالاخلال من حيث النقص فحسب كما عرفت سابقاً ، إلاّ أ نّه لا شك في قادحية الاخلال به من حيث الزيادة أيضاً عمداً أو سهواً  كما سيجيء في محلّه أيضاً (3) ، إلاّ في صلاة الجماعة فيغتفر فيها الزيادة بقصد المتابعة كما ستعرفه في مبحث الجماعة (4) .

 (1) قد عرفت أنّ الركوع لغة هو مطلق الانحناء ، وفي الشرع انحـناء خاص فهو في إطلاق الشارع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي غايته مع اعتبار بعض القيود كما ستعرف. وعن صاحب الحدائق(5)  دعوى ثبوت الحقيقة الشرعية فيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 310 /  أبواب الركوع ب 9 ح 1 .

(2) شرح العروة 18 : المسألة [ 2015 ] .

(3) شرح العروة 18 : المسألة [ 2012 ] .

(4) شرح العروة 17 : المسألة [ 1931 ] .

(5) الحدائق 8 : 236 .

ــ[3]ــ

في قبال اللّغة ، مستشهداً له بموثقة سماعة قال : «سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ قال : نعم ، قول الله عزّ وجلّ : (يا أ يُّها الّذينَ آمَنُوا اركَعُوا واسْجدوا ... ) إلخ(1) وبصحيحة محمّد بن قيس(2) الواردة بهذا المضمون .

   وليت شعري أيّ دلالة في الروايتين على ثبوت الحقيقة الشرعية ، فانّ غاية مفادهما ورود الركوع في القرآن، وهل هذا إلاّ كورود البيع فيه بقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ ا لْبَيْعَ )(3) فهل مجرّد ذلك يقتضي ثبوت الحقيقة الشرعية، وهل يلتزم بمثله في البيع ونحوه من ألفاظ المعاملات الواردة في القرآن . فالانصاف أنّ هذه الدعوى غريبة جدّاً ، بل الصحيح أنّ الركوع يطلق في لسان الشرع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي، غايته مع اعتبار بعض القيود كما هو الحال في البيع ونحوه .

   وكيف كان ، فلا ينبغي الاشكال في عدم كفاية مطلق الانحناء في تحقّق الركوع الواجب في الصـلاة ، بل إنّ هذا مسلّم مفروغ عنه عند جميع فرق المسلمين ، عدا ما ينسب إلى أبي حنيفة(4) من الاكتفاء بذلك وهو متفرِّد به .

   إنّما الكلام في تحديد المقدار الواجب ، فالمشهور ما ذكره في المتن من الانحناء بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه بحيث لو أراد وضع شيء منهما عليهما لوضعه ، بل ادّعي الإجماع عليه في كثير من الكلمات وإن اختلف التعبير باليد تارة وبالكف اُخرى ، وبالراحة ثالثة . وقد استدلّ له بوجوه .

   أحدها :  قاعدة الاحتياط ، فانّ فراغ الذمّة عن عهدة التكليف المعلوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 312 /  أبواب الركوع ب 9 ح 7 .

(2) الوسائل 6 : 311 /  أبواب الركوع ب 9 ح 6 لكن الموجود فيه وفي التهذيب [ 2 : 97 / 362 ] والوافي [ 8 : 692 / 6880 ] خال عن ذاك المضمون الّذي حكاه في الحدائق [ 8 : 235 ] عن الشيخ .

(3) البقرة 2 : 275 .

(4) المجموع 3 : 410 ، حلية العلماء 2 : 117 ، بدائع الصنائع 1 : 162 .

ــ[4]ــ

لا يتحقّق إلاّ بالبلوغ إلى هذا الحد .

   وفيه أوّلاً : أنّ المورد من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين والمقرّر فيه هو البراءة دون الاشتغال .

   وثانياً :  مع الغض ، يدفعه إطلاقات الأدلّة ، لما عرفت من صدق الركوع على مطلق الانحناء ، وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، فلو أغضينا النظر عن بقية الأدلّة كان مقتضى الاطلاق الاجتزاء بمسمّى الانحناء كما يقول به أبو حنيفة ولا تصل النوبة إلى الأصل كي يقتضي الاشتغال .

   الثاني :  الاجماع المنقول كما ادّعاه غير واحد على ما مرّ . وفيه : مضافاً إلى عدم حجّيته في نفسه وإلى وهن دعواه حيث ذكر المجلسي في البحار (1) أنّ المشهور هو الاجتزاء ببلوغ أطراف الأصابع ، أ نّه معارض بنقل الاجماع على الخلاف كما ادّعاه بعض فيسقطان بالمعارضة .

   الثالث :  وهو العمدة ، الروايات :

   منها :  صحيحة حماد قال فيها : «ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات ـ ثمّ قال (عليه السلام) في ذيلها : ـ يا حماد هكذا صلّ» (2) وظاهر الأمر الوجوب .

   ومنها :  صحيحة زرارة : « ... وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى» (3) .

   ومنها :  صحيحته الاُخرى : « ... فاذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكّن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ... » إلخ (4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 82 : 119 .

(2) الوسائل 5 : 459 /  أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 .

(3) الوسائل 6 : 295 /  أبواب الركوع ب 1 ح 1 .

(4) الوسائل 5 : 461 /  أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3 .

ــ[5]ــ

   ومنها :  النبوي الّذي رواه الجمهور عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك» (1) .

   والجواب :  أنّ دلالة هذه النصوص على المدّعى قاصرة ـ مضافاً إلى ضعف سند النبوي ـ إذ لا تعرّض فيها لبيـان حدّ الانحناء بالدلالة المطابقية ، وإنّما مدلولها المطابقي وجوب وضع الكف أو الراحة على الركبتين المستلزم ـ  بطبيعة الحال  ـ للانحناء بهذا المقدار ، فالتحديد بذلك مستفاد منها بالدلالة الالتزامية ، وحيث إنّا نقطع بعدم وجوب وضع اليد على الركبتين حال الركوع  ـ  لا لمجرّد الاجماع المدّعى على العدم ، بل للتصريح به في نفس صحيحة زرارة الأخيرة وأنّ ذلك أحب إليه (عليه السلام) قال «وأحب إليّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك» ـ فالدلالة المطابقية ساقطة لا محالة، وبتبعها تسقط الدلالة الالتزامية، لمتابعتها لها في الوجود والحجّية كما تقرّر في محلّه (2) ، وعليه فلا دلالة في شيء من هذه النصوص على تحديد الانحناء بهذا المقدار ، هذا .

   وربّما يستدل له ـ كما في مصباح الفقيه (3) ـ برواية عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر ، فقال : ليس عليه شيء ، وقال : إن ذكره وقد أهـوى إلى الركـوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائماً وليقنت ثمّ ليركع ، وإن وضع يديه على الركبتين فليمض في صلاته وليس عليه شيء» (4) .

   دلّت على أنّ تدارك القنوت المنسي إنّما يمكن ما لم يدخل في الركوع ، وأنّ الضابط في الدخول فيه الانحناء بمقدار تصل يداه إلى الركبتين ، فان بلغ هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعتبر 2 : 193 وفيه «على ركبتك» .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 71 ـ 74 .

(3) مصباح الفقيه (الصلاة) : 326 السطر 34 .

(4) الوسائل 6 : 286 /  أبواب القنوت ب 15 ح 2 .

ــ[6]ــ

الحد فقد دخل في الركوع وفات محل التدارك حذراً عن زيادة الركن ، وإلاّ فلم يدخل فيه وله التدارك ، قال (قدس سره) فتكون هذه الموثقة بمنزلة الشرح لموثقته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) (1) .

   والانصاف : أنّ هذه أصرح رواية يمكن أن يسـتدل بها على هذا القول ولكنّها أيضاً غير صالحة للاستدلال .

   أمّا أوّلاً :  فلضعفها سنداً وإن عبّر المحقِّق الهمـداني (قدس سره) بالموثقة لأنّ في السند علي بن خالد ولم يوثق بل هو مهمل .

   وأمّا ثانياً : فلقصور الدلالة ، فانّ ظاهرها متروك قطعاً ، لظهورها في أنّ الميزان في تحقّق الركوع المانع عن التدارك وضع اليدين على الركبتين حيث اُنيط فيها الرجوع إلى القنوت وعدمه بوضع اليدين وعدمه ، مع أنّ الوضع غير معتبر في حقيقة الركوع قطعاً ، فانّه مهما بلغ هذا الحد لم يجز له الرجوع ، سواء وضع يديه على الركبتين أم لا بلا إشكال، فظاهرها غير ممكن الأخذ ، ولا دليل على تأويلها بارادة بلوغ هذا الحد من وضع اليدين ثمّ الاستدلال بها .

   فتحصّل :  أ نّه لم ينهض دليل يمكن المساعدة عليه على هذا القول . فالأقوى وفاقاً لجمع من الأصحاب كفاية الانحناء حدّاً تصل أطراف أصابعه الركبتين وإن لم تصل الراحة إليهما ، بل قد سمعت من المجلسي نسبته إلى المشهور .

 ويدل عليه صريحاً ـ مضافاً إلى الاطلاقات النافية للأكثر ـ الصحيحة الثانية لزرارة المتقدِّمة قال (عليه السلام) فيها: «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحب إليّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في  عين  الركبة وتفرج بينهما ... » إلخ (2) فانّ التعبير بالإجزاء صريح في كفاية هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 286 /  أبواب القنوت ب 15 ح 3 .

(2) الوسائل 5 : 461 /  أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3 .

ــ[7]ــ

المقدار في حصول الانحناء الواجب في الركوع ، وأنّ الزائد عليه فضل وندب كما صرّح به بقوله (عليه السلام) «وأحب إليّ ... » إلخ . وبذلك يحمل الأمر في صحيحته الاُولى وكذا صحيحة حماد المتقدِّمتين على الاستحباب .

   ويؤيِّده ما نقله المحقِّق في المعتبر والعلاّمة في المنتهى عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي قالوا : «وبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة ... » إلخ (1) لكنّها مرسلة بالنسبة إلينا ، وإن استظهر صاحب الحدائق (2) أنّ المحقِّق قد نقلها من الاُصول التي عنده ولم تصل إلينا إلاّ منه ، فانّه لو سلّم ذلك لا تخرج الرواية عن كونها مرسلة بالاضافة إلينا كما لا يخفى . فالعمدة هي صحيحة زرارة المتقدِّمة المؤيّدة بهذه الرواية .

   ولا فرق في صحّة الاستدلال بها على المطلوب بين استظهار كونها مسوقة لبيان حدّ الانحناء المعتبر في الركوع بجعل الوصول طريقاً إلى معرفة ذلك الحد ـ  كما هو الظاهر منها  ـ وبين دعوى كونها مسوقة لبيان جعل البدل وأنّ إيصال الأصابع إلى الركبة بدل عن وضع اليد عليها من غير تعرّض لبيان الحد فيها أصلاً كما قيل .

   أمّا على الأوّل فواضح جدّاً كما عرفت . وأمّا على الثاني فكذلك وإن لم يكن بذلك الوضوح ، إذ قد يقال بناءً عليه بعدم المنافاة بينها وبين الصحيحة الاُولى لزرارة المتضمِّـنة لتحديد الانحـناء بما يشتمل على وضع اليدين على الركبتين غايته أنّ المستفاد من هذه الصحيحة عدم لزوم وضع تمام اليد والاكتفاء بوضع أطراف الأصابع بدلاً عنه ، فيحمل وضع تمام اليد فيها على الاستحباب مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 335 /  أبواب الركوع ب 28 ح 2 ، المعتبر 2 : 193 ، المنتهى 1 : 281 السطر 36 .

(2) الحدائق 8 : 237 .

ــ[8]ــ

الالتزام بلزوم الانحناء بذاك المقدار عملاً بتلك الصحيحة ، لعدم المنافاة بينهما من هذه الجهة كما مرّ .

   وفيه :  ما عرفت من أنّ الانحناء بمقدار يتمكّن من وضع اليد على الركبة إنّما استفيد من تلك الصحيحة بالدلالة الالتزامية ، فاذا بنى على سقوط الدلالة المطابقية وعدم وجوب وضع اليد عليها ولو من أجل جعل البدل المستفاد من هذه الصحيحة سقطت الدلالة الالتزامية قهراً ، لما تقدّم من تبعيتها للمطابقية في الوجود والحجّية . إذن لا دليل على التحديد ببلوغ اليد إلى الركبة ، فلا فرق في صحّة الاستدلال بين الأمرين وإن كان على الأوّل أوضح وأظهر كما عرفت .

   نعم ، بينهما فرق من ناحية اُخرى وهو أ نّه بناءً على الأوّل واستظهار كونها في مقام التحديد ـ كما هو الصحيح ـ فهي بنفسها تدل على نفي الزائد وعدم وجوب الانحناء أكثر من ذلك . وأمّا على الثاني فحيث إنّ النظر فيها مقصور على جعل البدل حسب الفرض فلا تعرّض فيها بالنسبة إلى الزائد نفياً ولا إثباتاً ، وبما أنّ الصحيحة الاُولى أيضاً ساقطة الدلالة بالاضافة إليه كما عرفت آنفاً ، فيتمسّك حينئذ بأصالة البراءة لنفيه ، إذ المتيقّن إنّما هو الانحناء بمقدار تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين لوجوب هذا المقدار على كلّ حال ، وأمّا الزائد عليه فمشكوك يدفع بأصالة البراءة كما هو المقرّر في الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين .

   وقد يقال بعدم التفاوت بين التحديدين ، وعدم التنافي بين الصحيحتين ، إذ المذكور في هذه الصحيحة بلوغ الأصابع، وهو جمع محلّى باللاّم ، ومقتضى دلالته على الاسـتغراق لزوم رعايته حتّى في الخنصر والابهام ، وهو ملازم لوصول الكف ، غايته أ نّه لا يلزم وضع تمام الكف ، بل يكفي وضع بعضها عملاً بهذه الصحيحة ، فيتصرّف في الاُولى بهذا المقدار وتحمل على الفضل .

ــ[9]ــ

ولا الانحناء على غير الوجه المتعارف بأن ينحني على أحد جانبيه أو يخفض كفليه ويرفع ركبتيه ونحو ذلك (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وفيه أوّلاً :  منع الصغرى ، فانّ رأس الابهام لا يساوي الراحة ، بل هو أطول منها بمقدار عقد غالباً ، فوصول رأس الابهام لا يلازم وضع شيء من الكف والراحة على الركبة .

   وثانياً :  مع التسليم فارادة العموم الأفرادي الشامل للابهام متعذِّر في المقام إذ لازمه إرادته خاصّة من أطراف الأصابع ، لوضوح أ نّه بالاضافة إلى ما عداها من بقية الأصابع وضع لتمامها لا وصول لطرفها ، للملازمة بين وصول طرف الابهام ووضع الباقي ، وإرادة خصوصه من مثل هذا التعبير مستبشع جدّاً كما لا يخفى . بل المتعيِّن حينئذ التعبير بوصول طرف الابهام أو الراحة لا أطراف الأصابع ، فلا مناص من أن يراد به العموم المجموعي الصادق على الثلاثة الوسطى ، فيكون التفاوت حينئذ في مقدار الانحناء فاحشا .

   هذا ، مع أنّ العموم في المقام منفي من اصله ، لعدم التعبير بالاصابع في الصحيحة كي يكون جمعاً محلّى باللاّم ومن صيغ العموم ، وإنّما الموجود فيها هكذا : «فان وصلت أطراف أصابعك» وهو من الجمع المضاف الّذي لا يدل على الشمول إلاّ بالاطلاق لا بالعموم الوضعي وإن كان الحال لا يفرق بذلك ـ  فيما تقدّم  ـ إلاّ من حيث كون الدلالة وضعية أو إطلاقية غير المؤثر في محل الكلام كما لا يخفى .

   فتحصّل : أنّ الأقوى كفاية الانحناء بمقدار تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين فلا يجب الزائد وإن كان أحوط كما ذكره في المتن ، وقد علم وجهه ممّا مرّ .

   (1) قد عرفت الكلام في حدّ الانحـناء ، وأمّا كيفيته فلا بدّ وأن تكون عن




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net