ــ[27]ــ
[ 1581 ] مسألة 1 : لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع بل يكفي الانحناء بمقدار إمكان الوضع كما مرّ (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاطمئنان كما لا يخفى .
وكيف كان ، فلا إشكال في الحكم فلو أخلّ به عمداً بطلت صلاته ، لا سهواً لحديث لا تعاد ، فليس بركن كما هو ظاهر .
(1) تقدّم الكلام حول هذه المسألة سابقاً (1) وعرفت أنّ الوضع مستحب لا واجب إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، كما عرفت أ نّه الظاهر من النص أيضاً على ما مرّ .
نعم ، ذكر في الحدائق بعد أن اعترف بالاجماع وعدم الخلاف بين الأصحاب ما لفظه : ثمّ لا يخفى أنّ ظاهر أخبار المسألة هو الوضع لا مجرّد الانحناء بحيث لو أراد لوضع ، وأنّ الوضع مسـتحب كما هو المشهور في كلامهم والدائر على رؤوس أقلامهم ، فانّ هذه الأخبار ونحوها ظاهرة في خلافه ، ولا مخصّص لهذه الأخبار إلاّ ما يدعونه من الاجماع على عدم وجوب الوضع (2) .
وجوابه يظهر ممّا أسـلفناك ، فانّ الأمر بالوضع في الأخـبار محمول على الاسـتحباب لا محالة بقرينة قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدِّمة : «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحبّ إليَّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك... » (3) فانّه ظاهر بل صريح في عدم وجوب الانحناء حدّاً يتمكّن معه من وضع اليدين على الركبتين فضلاً عن وجوب الوضع ، بل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 5 .
(2) الحدائق 8 : 240 .
(3) الوسائل 5 : 461 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3 .
ــ[28]ــ
[ 1582 ] مسألة 2 : إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المذكور ولو باعتماد على شيء أتى بالقدر الممكن ((1)) ولا ينتقل إلى الجلوس وإن تمكّن من الركوع منه ، وإن لم يتمكنّ من الانحناء أصلاً وتمكّن منه جالساً أتى به جالساً والأحوط صلاة اُخرى بالايماء ((2)) قائماً ، وإن لم يتمكّن منه جالساً أيضاً أومأ له ـ وهو قائم ـ برأسه إن أمكن ، وإلاّ فبالعينين تغميضاً له وفتحاً للرّفع منه ، وإن لم يتمكّن من ذلك أيضاً نواه بقلبه وأتى بالذكر الواجب ((3)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد صرّح (عليه السلام) باستحبابه بقوله «وأحبّ إليَّ ... » إلخ فليس عليه إلاّ إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين لا وضع الكف عليهما .
بل إنّ الايصـال الخارجي أيضاً غير واجب ، لما مرّ من أ نّه ملحوظ على سبيل الطريقية لا الموضوعية لكونه واقعاً موقع التحديد، فاللاّزم إنّما هو الانحناء حدّاً يتمكّن معه من إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين سواء أوصلها إليهما خارجاً أم لا ، إذ العـبرة بالمنكشف لا الكاشـف ، لعدم خصـوصية للوصـول الخارجي بعد لحاظه طريقاً كما عرفت .
(1) للمسألة صور :
إحداها : ما إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المأمور به مع تمكّنه منه في الجملة ، والمشهور حينئذ وجوب الانحناء بالمقدار الممكن ، بل ادّعى غير واحد الاجماع عليه ، ويستدل له بوجهين :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ويومئ معه أيضاً على الأحوط .
(2) الظاهر كفايتها بلا حاجة إلى الصلاة جالسا .
(3) على الأحوط .
ــ[29]ــ
أحدهما : التمسّك باطلاقات الأمر بالركوع ، لما مرّ (1) من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، وأنّ الركوع في لسان الشرع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي أعني مطلق الانحناء ، غايته ثبوت التقييد بالبلوغ إلى مرتبة خاصّة يتمكّن معها من إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتـين ، وحيث إنّه كغيره من سـائر التكاليف مشروط بالقدرة فلا تقييد بالاضافة إلى العاجز فتشمله الاطلاقات .
وفيه أوّلاً : أنّ دليل التقييد لم يتضمّن حكماً تكليفياً نفسـياً كي يختصّ بالقادرين ، وإنّما هو إرشاد إلى اعتبار المرتبة الخاصّة من الانحناء في الركوع المأمور به وكونها شرطاً فيه كأدلّة سائر الأجزاء والشرائط كما تقدّم ، ومقتضى الاطلاق في مثله عدم الفرق بين حالتي العجز والاختيار .
وثانياً : مع التسليم فلازمه التخيير بعد العجز عن تلك المرتبة الخاصّة بين جميع مراتب الانحناء، لصدق الركوع لغة على مطلقها كما عرفت ، لا وجوب الاتيان بالمقدار الممكن كما هو المدّعى لعدم الدليل عليه .
ثانيهما : التمسّك بقاعدة الميسور المنجبر ضعفها بقيام الاجماع على العمل بها في المقام .
أقول : إن تمّ الاجماع في المسألة فهو المستند ، وإلاّ فالقاعدة في نفسها غير صالحة للاستدلال، لمنعها كبرى من أجل ضعف مدركها كما نقحناه في الاُصول(2) . وكذا صغرى ، لتوقفها على كون الهوي من أجزاء الواجب ، وتركب المأمور به منه ومن غيره كي يجب البعض لدى تعذّر الكل لكونه ميسوراً منه . وأمّا بناءً على ما هو التحقيق من خروجه عنه وكونه معتبراً فيه شرطاً لا شطراً ، وأنّ الواجب أمر وحداني بسيط ، وهي الهيئة الخاصّة الحاصلة من الانحناء البالغ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 3 .
(2) مصباح الاُصول 2 : 477 .
ــ[30]ــ
حدّاً مخصوصاً ، والركوع الواجب اسم لتلك المرتبة الخاصّة البسيطة ، والهوي إليها مقدّمة خارجية غير داخلة في حقيقة المأمور به ، فلا مجال حينئذ لتطبيق قاعدة الميسور ، لوضوح أنّ المقدّمة مباينة مع ذيها وأجنبية عنه ، لا أ نّها من مراتبه كي تكون ميسوراً منه .
ودعوى أنّ الركوع عبارة عن الحركة من الانتصاب إلى حدّ الركوع ، فكل حركة بين الحدّين جزء المجموع ، أو أ نّه من التأكّد في الكيف ، لم نتحقّقها ، بل الظاهر خلافها كما عرفت .
فما أفاده المحقِّق الهمداني (قدس سره) (1) من أنّ المقام من أظهر مصاديق القاعدة ومجاريها لا يمكن المساعدة عليه ، فانّه إنّما يتّجه بناءً على كون الهوي من أجزاء الواجب ، وقد عرفت أ نّه من المقدّمات ، بل ومع الشك في ذلك أيضاً لا مجال لها ، لعدم إحراز صغراها ، فيكفينا مجرّد الشك فضلاً عن استظهار العدم كما عرفت .
وعليه ، فلا دليل على الاجتزاء بالمقدار الممكن من الانحناء ، بل الأقوى أنّ الوظيفة حينئذ هو الايماء ، لاطلاق ما دلّ على بدليّته عن الركوع التام لدى العجز عنه كما تقدّم البحث عنه في أحكام القيام (2) ، ولا تنتقل الوظيفة إلى الركوع الجلوسي التام وإن تمكّن منه ، كما نبّه عليه في المتن ، لاختصاصه بالعاجز عن الصلاة قائماً بحيث كانت وظيفته الصلاة عن جلوس ، وهو خارج عن محل البحث .
نعم ، لا بأس بضمّ الانحناء إلى الايماء احتياطاً حذراً عن مخالفة المشهور قاصداً بأحدهما لا بعينه ما هي الوظيفـة الواقعـية في حقِّه فيقع الآخر لغواً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 327 السطر 30 .
(2) شرح العروة 14 : 222 .
ــ[31]ــ
غير مضر .
الصورة الثانية : ما إذا لم يتمكّن من الانحناء حال القيام أصلاً ، وهي على صور ، لأ نّه قد يتمكّن من الركوع الجلوسي التام ، واُخرى لا يتمكّن إلاّ من الناقص منه ، وثالثة لا يتمكّن منه أصلا .
أمّا في الأخير فلا ريب أنّ الوظيفة هي الايماء ، لأدلّة بدليّته عن الركوع كما مرّ التعرّض لها في بحث القيام (1) .
وأمّا الفرض الأوّل ، أعني صورة التمكّن من الركوع الجلوسي التام ، فقد ذكر العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في منظومته تعيّنه(2) واختاره في المتن وكأ نّه لأقربيّته إلى الصلاة التامّة من الايماء قائماً ، لكنّه كما ترى مجرّد استحسان ووجه اعتباري لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي ، بل الظاهر عدم جوازه فضلاً عن وجوبه ، فانّ الركوع الجلوسي وظيفة العاجز عن القيام، وهذا قادر عليه على الفرض ، فلا يشرع في حقّه إلاّ الايماء أخذاً بدليل بدليّته لدى العجز عن الركوع الاختياري .
وعلى الجملة : المتحصِّل من الأدلّة كما فصّلنا الكلام حولها في بحث القيام(3) أنّ المتمكِّن من القيام وظيفته الصلاة قائماً ، والعاجز عنه يصلِّي عن جلوس والعاجز عنه أيضاً يصلِّي مضطجعاً إلى أحد الجانبين أو مستلقياً على تفصيل تقـدّم . وفي كل من هذه المراحـل إن تمكّن من الركوع والسجود على حسب وظيفته أتى بهما ، وإلاّ أومأ إليهما .
ونتيجـة ذلك : أ نّه لو تمكّن من الصـلاة عن قيام كما هو محل الكـلام ، ولم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 14 : 222 .
(2) الدرّة النجفية : 125 .
(3) شرح العروة 14 : 211 وما بعدها .
ــ[32]ــ
يتمكّن من الركوع القيامي فليست وظيفته إلاّ الايماء إليه ، ولا ينتقل إلى الركـوع الجلوسي ، فانّه وظيفـة العاجز عن القـيام الّذي يصلِّي عن جلوس والمفروض في المقام أ نّه يصلِّي عن قيام لقدرته عليه .
فظهر أنّ الأقوى في هذه الصورة أيضاً هو الايماء . فما ذكره في المتن من أ نّه أحوط فيأتي بصلاة اُخرى بالايماء قائماً في غير محلّه ، بل إنّ هذا هو المتعيِّن بلا حاجة إلى الصلاة جالساً كما نبّه عليه سيِّدنا الاُستاذ في التعليقة .
وأمّا ما في الجواهر (1) من الاشكال على ترجيح الركوع الجلوسي في المقام باستلزامه الاخلال بالركن وهو القيام المتّصل بالركوع ، بخلاف ما لو صلّى قائماً مومئاً ، فانّه محافظ عليه .
فساقط ، لما عرفت سابقاً (2) من عدم وجوب هذا القيام في نفسه فضلاً عن ركنيته ، وإنّما اعتباره من أجل تقوّم الركوع به ، فانّه ليس عبارة عن مجرّد الهيئة الحاصلة من الانحناء الخاص كيف ما اتّفق ، بل بشرط كونه مسبوقاً بالقيام فالمسمّى بالركوع لغة وشرعاً خصوص الحصّة الخاصّة وهي الانحناء الحاصل عن القيام لا مطلقاً ، فهو دخيل في حقيقة الركوع لا أ نّه واجب مستقل ، ومع سقوطه لمكان العجز كما هو المفروض يسقط القيام بتبعه لا محالة ، فلا يلزم الاخلال بالركن زائداً على الركوع الساقط على كلّ حال . وكيف ما كان فلا ينبغي الرّيب في تعين الايماء قائماً وعدم الانتقـال إلى الركوع جالساً للـوجه الّذي عرفت .
وأمّا الفرض الثاني : اعني ما إذا لم يتمكّن إلاّ من الركوع الجلوسي الناقص أي مع الانحـناء إليه في الجملة ، فدار الأمر بينه وبين الايماء قائماً ، وهو الّذي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الجواهر 10 : 80 .
(2) شرح العروة 14 : 168 .
|