الكلام في حكم التكبير للركوع وهو قائم منتصب 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7589


ــ[77]ــ

   الثالث : أن يضع إحدى الكفّين على الاُخرى ويدخلهما بين ركبتيه ، بل الأحوط اجتنابه .

   الرابع : قراءة القرآن فيه .

   الخامس : أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقاً لجسده .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في أوّل المستحبّات وهو التكبير للركوع وهو قائم منتصب . ويظهر منه (قدس سره) أنّ المستحب هو التكبير في حال الانتصاب ، لا أنّ المستحب هو مطلق التكبيرة ولو حال الهوي ، ويكون ايقاعها حال الانتصاب مستحبّاً آخر ، وذلك حيث احـتاط بعدم تركه وأنّ الأحوط عدم قصد الخصوصية إذا كبّر حال الهوي أو مع عدم الاستقرار .

   وكيف ما كان فالأقوال في المسألة ثلاثة :

   أحدها :  وهو المشهور ، استحباب إتيان التكبيرة قائماً قبل الركوع ، حتّى ذكر بعضهم أ نّه لو أتى بها في حال الهوي أثم بل بطلت صلاته وإن كان ذلك في حيِّز المنع كما لا يخفى .

   ثانيها :  استحباب إتيانها قبله ولو في حال الهوي ، وإن كان الأفضل إتيانها منتصبا .

   ثالثها :  وجوب إتيـانها منتصباً قبل الركـوع كما عن السـيِّد المرتضى(1) والديلمي(2) والعماني(3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الانتصار : 147 ، وحكاه عنه في المختلف 2 : 188 المسألة 106 .

(2) المراسم : 69 .

(3) حكاه عنه في المختلف 2 : 187 المسألة 105 .

ــ[78]ــ

   أمّا الوجوب ، فمستنده صحاح أربع : إحداها: صحيحة حماد، وثلاث صحاح لزرارة .

   ففي صحيحة حماد «رفع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر وهو قائم ثمّ ركع» وقد ورد في ذيلها «هكذا صلّ يا حماد» ، المتضمِّن للأمر الظاهر في الوجوب (1) . وفي إحدى صحاح زرارة «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب الله أكبر ثمّ اركع» (2) . وفي الاُخرى «فارفع يديك وكبِّر ثمّ اركع» (3) وفي الثالثة «إذا كنت إماماً أو وحدك ، فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرّات تكمله تسع تسبيحات ثمّ تكبِّر وتركع» (4) .

   فانّها كما ترى ظاهرة في وجوب التكبير قائماً ولو بعد تقييد إطلاق الصحيح الأخير ـ لو كان له إطلاق ـ بما تقدّمه من الصحاح .

   وبازاء هذه الروايات روايات اُخر صريحة في استحباب هذا التكبير وبها ترفع اليد عن ظاهر تلك الصحاح وتحمل على أصل الرجحان .

   منها : رواية أبي بصير المعبّر عنها في مصباح الفقيه بالموثقة (5) ، قال : «سألته عن أدنى ما يجزي في الصلاة من التكبير؟ قال: تكبيرة واحدة» (6) فانّها صريحة في أنّ التكبير الواجب في الصلاة إنّما هي تكبيرة واحدة لا غير ، وليس هي إلاّ تكبيرة الإحرام للمفروغية عن وجوبها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 459 /  أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 ، 2 .

(2) الوسائل 6 : 295 /  أبواب الركوع ب 1 ح 1 .

(3) الوسائل 6 : 296 /  أبواب الركوع ب 2 ح 1 .

(4) الوسائل 6 : 122 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1 .

(5) مصباح الفقيه (الصلاة) : 334 السطر 15 .

(6) الوسائل 6 : 10 /  أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 5 .

ــ[79]ــ

   ومنها :  صحيحة زرارة قال «قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا كنت كبّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثمّ نسيت التكبير كلّه أو لم تكبِّر أجزأك التكبير الأوّل عن تكبير الصلاة كلّها» (1) فانّ الاجتزاء بما يأتي به في مفتتح صلاته من التكبيرات المقرّرة في محلّها آية عدم كون تلك التكبيرات المقرّرة ـ ومنها تكبيرة الركوع ـ بواجبة ، وإلاّ لما جاز تركها إلاّ إذا كانت واجبة بالوجوب التخييري بينها وبين الاتيان في مفتتح الصلاة وهو خلاف المفروض ، ولم يدّعه أحد أيضا .

   ومنها :  رواية الفضل بن شاذان في حديث « ... فلمّا أن كان في الاستفتاح الّذي هو الفرض رفع اليدين أحب الله أن يؤدّوا السنة على جهة ما يؤدّى الفرض» (2) . فانّها صريحة في أنّ الفرض إنّما هو تكبيرة الإحرام وما عداها سنّة مستحبّة ، فتكون هذه الروايات قرينة على عدم إرادة ظاهر تلك الصحاح من الوجوب ، بل الثابت أصل الرجحان . وبما أنّ الصحيحة الثالثة من صحاح زرارة مطلقة شاملة لحال الهوي ، وما عداها مقيّدة بحال الانتصاب ، ومن المعلوم عدم جريان قانون حمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات ، فلا محالة يكون أصل التكبيرة ولو في حال الهوي مستحبّاً ، وإتيانها حال الانتصاب أفضل الأفراد ، كما هو القول الثاني .

   هذا ، ولكن للمناقشة في هذه الروايات سنداً أو دلالة ، أو هما معاً مجال واسع فلا تصلح لأن تكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر من تلك الصحاح لترفع اليد عنها .

   أمّا رواية أبي بصير ، ففيها أوّلاً :  أ نّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان ، إذن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 19 /  أبواب تكبيرة الإحرام ب 6 ح 1 .

(2) الوسائل 6 : 29 /  أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 11 .

ــ[80]ــ

فتعبير المحقِّق الهمداني (قدس سره) عنها بالموثقة في غير محله .

   وثانياً :  ما ذكره المحقِّق المزبور (قدس سره) من استبعاد أن يكون السؤال ناظراً إلى الاسـتفهام عن حال التكبيرات المسـتقلّة المشروعة في الصلاة في مواضع مختلفة من أ نّها هل هي بأسرها واجبة ، أو أ نّه يجوز ترك بعضها لعدم وقوع التعبير عن ذلك بمثل هذه العبارة . مضافاً إلى أ نّه لا يجديه حينئذ الجواب بأ نّها واحدة أو اثنتان أو ثلاث في تمييز واجبها عن غيره حتّى تترتّب عليه ثمرة عملية . فالظاهر أنّ المسؤول عنه هو أدنى ما يجزي من التكبير في افتتاح الصلاة ، لا في مجموعها كي يعم مثل تكبير الركوع والسجود (1) .

   ويؤيِّد ذلك : صحيح زرارة حيث قيّد فيه بالتكبيرات الافتتاحية قال: «أدنى ما يجزي من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل» (2) .

   وأمّا صحـيحة زرارة ، فهي قويّة السـند ظاهرة الدلالة ، إلاّ أنّ هذا على رواية الصدوق (3) ، ولكن الشيخ في التهذيب(4) ذكرها بعنوان «ولم تكبِّر» بالعطف بالواو لا بأو . وعليه فيكون الحكم بالإجزاء مختصّاً بفرض النسيان ولا يشمل فرض العمد كي يستفاد منه الاستحباب ، وبما أ نّه لم يعلم الصواب منهما وأنّ الصادر منه (عليه السلام) أ يّهما ، فلا محالة تكون الرواية مجملة غير صالحة للاستدلال بها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 334 السطر 15 .

(2) الوسائل 6 : 11 /  أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8 .

(3) الفقيه 1 : 227 / 1002 .

(4) التهذيب 2 : 144 / 564 .

 
 

ــ[81]ــ

   وأمّا رواية الفضل ، فهي من حيث الدلالة وإن لم يكن بها بأس(1) ، إلاّ أ نّها من حيث السند ضعيفة ، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل .

   فظهر أ نّه ليس هناك ما يوجب أن يرفع اليد به عن ظواهر تلك الصحاح بل هي باقية على حجّيتها ، ولذا مال صاحب الحدائق (2) إلى الوجوب لولا قيام الاجماع على عدمه وتوقف صاحب المدارك في الحكم (3) .

   ولكن مع ذلك كلّه فالأظهر عدم الوجوب ، بل هو مستحب حال الانتصاب كما عليه المشهور ، وذلك لأنّ الصحيحة الثالثة إن قلنا بأ نّها مطلقة وشاملة لحال الهوي فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها وحملها على الصحاح الثلاث الاُخر المقيّدة بحال الانتصـاب ، فان قانون حمل المطلق على المقيّد وإن لم يجر في المستحبّات ، بل يؤخذ ويعمل بكلا الدليلين ، إلاّ أنّ كون الحكم في المقام مستحبّاً بعدُ أوّل الكلام ، فلا يمكن إجراء حكمه عليه .

   وعليه ينتج وجوب التكبيرة حال الانتصاب ، وهذا ما تكذّبه السيرة العملية المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام) حيث إنّها جارية على إتيانها عند الهوي ولولا بقصد الخصوصية . على أ نّه لو كان واجباً لكان شـائعاً وذائعاً كيف لا وهو ممّا يكون مورداً لابتلاء عامّة المكلّفين في اليوم عدّة مرّات ، مع أ نّه لم يذهب إليه إلاّ أفراد معدودون لم يتجاوزوا الأصابع ، فلا بدّ من رفع اليد عن ظواهرها أو حملها على الاستحباب .

   وإن قلنا بأ نّها ليست مطلقة كما لا يبعد ، فانّه وإن لم يكن العاطف فيها «ثمّ»

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل لا تخلو عن البأس ، لتوقّفها على إرادة الاستحباب من السنّة الواقعة في مقابل الفريضة وهو أوّل الكلام .

(2) الحدائق 8 : 257 .

(3) المدارك 3 : 394 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net