ــ[165]ــ
وأمّا المقام الثاني : فان كان التذكر قبل السلام رجع بلا إشكال ولا كلام سواء أكان المنسي سجدة واحدة أم سجدتين ولا شيء عليه ، إذ لم يترتّب عليه محذور سوى زيادة التشهّد كلاًّ أو بعضاً ، ولا ضير فيها بعد أن كانت سهواً . فالحكم حينئذ على طبق القاعدة .
إنّما الكلام فيما إذا كان بعد السلام ، فقد فصّل في المتن تبعاً لجمع بين ما إذا كان المنسي سجدة واحدة أم سجدتين ، فحكم بالقضاء في الأوّل ، والبطلان في الثاني ، وكلاهما محل نظر بل منع .
أمّا القضاء ، فلعدم الدليل عليه ، إذ النص الوارد فيه مختص بما إذا كان التذكر بعد الركوع المستلزم بطبيعة الحال لكون المنسي من سائر الركعات ، فلا يمكن التعدِّي إلى المقام ، لوجود الفرق الواضح بين الموردين ، فانّ السجود غير قابل للتدارك هناك ، فلا مناص من القضاء ، بخلاف المقام ، لبقاء المحل إذ لا ركن بعده ، فهو قابل للتدارك غايته أنّ التشهّد والسلام وقعا زائدين ولا بأس بالزيادة السهوية في مثلهما فيتدارك السجود ويعيد التشهّد والسلام ، وعليه سجدتا السهو للسلام الزائد ، ولا محذور في ذلك أبداً . فمقتضى القاعدة في المقام بعد عدم ورود نص فيه وجوب التدارك دون القضاء . نعم ، لو كان التذكّر بعد الاتيان بالمنافي من استدبار أو حدث ، أو فصل طويل ونحوها ممّا لم يبق معه مجال للتدارك اتّجه القضاء حينئذ لموثقة عمار (1) .
وأمّا البطلان ، فهو مبني على ما مرّ آنفاً من الاستناد إلى حديث لا تعاد ، بدعوى أنّ الموضوع فيه مجرد النسيان الحاصل في المقام ، وقد عرفت جوابه بما لا مزيد عليه ، وأنّ الموضوع هو الخلل الموجب للبطلان غير المتحقِّق في المقام بعد إمكان التدارك ، إذ هو بعدُ في الصلاة ، لعدم وقوع السلام في محله فيمكنه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 364 / أبواب السجود ب 14 ح 2 .
ــ[166]ــ
التدارك ، فلا يشمله الحديث إلاّ إذا كان التذكر بعد فعل المنافي ، فانّه لا مناص حينئذ من الحكم بالبطلان كما هو ظاهر ، هذا .
وربّما يستدل للبطلان برواية معلّى بن خنيس قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأوّلتين والأخيرتين سواء» (1) فانّ المراد بالسجدة في موضوع هذه الرواية ليس الواحدة بلا ريب ، إذ لا تعاد الصلاة منها قطعاً نصّاً وفتوى ، وقد تضمّنت إعادتها لو كان التذكر بعد الركوع ، بل المراد طبيعي السجدة الواجبة في الصلاة ، أعني الثنتين ، وقد حكم (عليه السلام) أنّ نسيانها في الأوّلتين والأخيرتين سواء .
وفيه : أنّ الرواية ضعيفة السـند وغير قابلة للاعتماد من وجوه أمّا أوّلاً : فللإرسال .
وأمّا ثانياً : فلعدم توثيق معلى بن خنيس، بل قد ضعّفه النجاشي صريحاً(2) وكذا ابن الغضائري(3)، ولا دلالة في شهادة الصادق (عليه السلام) بعد مقتله بأ نّه من أهل الجنّة ـ كما ورد في بعض الروايات المعتبرة (4) ـ على وثاقته حين روايته ، لجواز أن يكون السبب في دخوله الجنّة قتله في سبيل الحق وموالاة أهل البيت ، وبذله تلك الأموال الخطيرة في حبّهم (عليهم السلام) ، فقد ورد أنّ داود بن علي لمّا عزم على قتله قال له معلى : أخرجني إلى الناس فانّ لي دَيناً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 366 / أبواب السجود ب 14 ح 5 .
(2) رجال النجاشي : 417 / 1114 .
(3) الخلاصة : 408 / 1652 .
(4) رجال الكشي : 376 / 707 .
ــ[167]ــ
كثيراً ومالاً حتّى أشهد بذلك فأخرجه إلى السوق فلمّا اجتمع الناس ، قال : أ يُّها الناس ، أنا معلى بن خنيس فمن عرفني فقد عرفني اشهدوا أنّ ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبد ، أو دار ، أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمّد (عليه السلام) ، فشد عليه صاحب شرطة داود فقتله ، فلمّا بلغ ذلك أبا عبدالله (عليه السلام) خرج يجر ذيله حتّى دخل على داود فقال له : قتلت مولاي وأخذت مالي ، قال : ما أنا قتلته ولكن صاحب شرطتي ، قال باذن منك ؟ قال : لا ، فأمر ابنه إسماعيل فقتله ثمّ دعا (عليه السلام) على داود فمات في تلك الليلة (1) .
وعلى الجملة : فشهادته (عليه السلام) واغتياظه على داود والدُّعاء عليه وأمره بقتل القاتل كل ذلك من أجل قتله ظلماً في سبيل أهل البيت الّذين هم سبل النجاة ، ولا دلالة على كونه من أهل الجنّة قبل قتله كي تقتضي الوثاقة حين الرواية .
نعم ، ورد في بعض الأخـبار أ نّه (عليه السلام) اعترض على داود قائلاً : قتلت رجلاً من أهل الجنّة ، الكاشف عن أ نّه كان من أهلها من قبل ورود القتل عليه ، لكن الرواية ضعيفة السند . مضافاً إلى أ نّه أيضاً لا يقتضي التوثيق حال الرواية ، إذ لعل كونه من أهلها من أجل الولاء والاخلاص لهم (عليهم السلام) غير المنافي للفسق . والحاصـل : أنّ النجاشي عدل ضبط قد صرّح بالضعف ولم يثبت ما يعارضه (2) .
وثالثاً : أنّ السند عجيب في نفسه ، فانّ الرجل قتل في زمن الصادق (عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الكشي : 377 / 708 .
(2) لكنّه (دام ظلّه) بالرغم من ذلك كلّه ناقش في تضعيف النجاشي وبنى في المعجم 19 : 268 / 12525 على وثاقة الرجل فليلاحظ .
|