ومن هنا حمل المشهور الأمر الوارد في تلك النصوص على الاسـتحباب جمعاً بينها وبين هذه الرواية كما هو مقتضى الصناعة في نظائر المقام .
ولكنّه لا يتم ، لضعف الرواية من أجل علي بن خالد الواقع في السند فانّه لم يوثق ، وأمّا التضعيف من أجل جهالة طريق ابن إدريس إلى أرباب المجامع والكتب كما سـبق منّا مراراً ، فهو وإن كان وجيهاً ـ ولا يجدي اعتماده على القرائن القطعية بناءً منه على عدم العمل بأخبار الآحاد ، إذ هو لا يستوجب القطع بالاضافة إلينا ، سيّما بعد ما نشاهده من اشتمال كتاب السرائر على خبط وتشويش فتراه ينقل عن راو ثمّ عمّن هو متقدِّم عليه بكثير بحيث يمتنع روايته عنه ـ
إلاّ أ نّه يستثنى من ذلك خصوص ما يرويه عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب ـ الّذي يروي عنه هذه الرواية ـ فانّ طريقه إليه صحيح ، لتصريحه في السرائر بأنّ ما يرويه عن هذا الكتاب قد وجده بخطّ الشيخ (قدس سره) (2) إذ من المعلوم قرب عهده بعصر الشيخ بما لا يزيد على مائة سنة ، وواضح أنّ خط الشيخ ـ وهو شيخ الطائفة حقّاً ومن رؤساء المذهب المعروفين المشهورين ـ كان يعرفه كل من قارب عصره ولم يكن معرضاً للاختفاء والالتباس ، إذن فيطمئن عادة بأنّ الخط الّذي رآه كان خطّه بنفسه ، وحيث إنّ طريقه إلى ابن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 246 / أبواب قراءة القرآن ب46 ح3 ، السرائر 3 (المستطرفات): 605 .
(2) السرائر 3 (المستطرفات) : 601 .
ــ[232]ــ
محبوب صحيح ، فيعتمد على ما يرويه عن خصوص هذا الكتاب . فالعمدة في وجه الضعف ما عرفت . إذن فتبقى تلك النصوص سليمة عمّا يوجب صرفها عن ظاهرها وهو الوجوب .
والتحقيق : قصور المقتضي للوجوب في حدّ نفسه ، لضعف تلك النصوص من جهة الدلالة أو السند على سبيل منع الخلو .
أمّا صحيحة عبدالله بن سنان فقاصرة الدلالة على الوجوب ، لمسبوقية الأمر بالتكبير بعد السجود بالنهي عنه قبله ، ومن الواضح أنّ الأمر المتعلِّق بشيء الواقع عقيب النهي عن ذاك الشيء لا يدل إلاّ على الجواز والاباحة دون الوجوب .
وأوضح حالاً : موثقة سماعة ، لعدم تضمنها الأمر من أصله ، وإنّما اشتملت على تحديد النهي برفع الرأس قال (عليه السلام) : «ولاتكبِّر حتّى ترفع رأسك...» ومقتضى مفهوم الغاية ارتفاع النهي عند حصول الغاية وهي رفع الرأس لاتعلّق الأمر كي يقتضي الوجوب ، فغايتها الاباحة وجواز التكبير عندئذ دون الوجوب .
وأمّا رواية محمّد بن مسلم فهي ضعيفة السند والدلالة . أمّا السند ، فلجهالة طريق المحقِّق(1) إلى جامع البزنطي بعد وجود الفصل الطويل فتلحق بالمراسيل .
وأمّا الدلالة ، فلعين ما مرّ في صحيحة ابن سنان لتقارب المتنين فلاحظ .
وأمّا مرسلة الصدوق ، فهي وإن كانت أقوى دلالة من الكل ، لسلامتها عن تلك المناقشات ، إلاّ أنّ ضعفها من جهة الارسال يمنع عن الاعتماد عليها .
فتحصّل ممّا سردناه : أنّ الأقوى عدم الوجـوب وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولكنّه (دام ظلّه) بنى أخيراً على صحّة الطريق .
|