[ 1655 ] مسألة 24 : يحرم السجود لغير الله تعالى(1) فانّه غاية الخضوع فيختص بمن هو غاية الكبرياء والعظمة ، وسجدة الملائكة لم تكن لآدم بل كان قبلة لهم، كما أنّ سجدة يعقوب وولده لم تكن ليوسف بل لله تعالى شكراً حيث رأوا ما أعطاه الله من الملك ، فما يفعله سواد الشيعة من صورة السجدة عند قبر أمير المؤمنين وغيره من الأئمّة (عليهم السلام) مشكل، إلاّ أن يقصدوا به سجدة الشكر لتوفيـق الله تعالى لهم لادراك الزيارة . نعم لا يبعد جواز تقبيل العتبة الشريفة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا إشـكال ولا خلاف ، لما اُشير إليه في المتن من أ نّه غاية الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكـبرياء ، ويدل عليه من الكتاب قوله تعالى (لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ )(1) فانّ مناط المنع هو المخلوقية فيعم ما سواه تعالى وتخصيصهما بالذكر لعظم الخلقة ، ومن ثمّ احتجّ به إبراهيم (عليه السلام) على ربوبيتهما فقال مشـيراً إلى القمر (هذَا رَبِّي )(2) ثمّ للشمس (هذَا رَبِّي هذَا أَكْبَرُ )(3) .
ومن السنّة طائفة كثيرة من الأخبار ، وهي وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أ نّها متضافرة بل متواترة إجمالاً فيعتمد عليها ، وقد ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بسند معتبر «أ نّه لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فصّلت 41 : 37 .
(2) الأنعام 6 : 77 .
(3) الأنعام 6 : 78 .
ــ[240]ــ
لزوجها» (1) . فانّ التعبير بكلمة «لو» الامتناعية دال على امتناع السجود لغير الله تعالى .
وأمّا سجود الملائكة لآدم وكذا سجود يعقوب وولده ليوسف فقد اُجيب عنه في الروايات بوجهين وكلاهما صحيح .
أحدهما : أنّ السجود كان لله تعالى، وإنّما جعل آدم ويوسف قبلة لهم تشريفاً وإجلالاً ، كما أنّ الكعـبة قبلة لنا (2) ، فلم يكن السجود لآدم ولا ليوسـف بل شكراً له تعالى . كما أ نّا لم نسجد لتلك الأحجار أو لذاك الفضاء .
الثاني : أنّ السجود وإن كان لآدم إلاّ أ نّه حيث كان بأمر من الله تعالى فهو في الحقيقة سجود له وعين العبودية والتوحيد ، ألا ترى أنّ الملك إذا أمر بتعظيم شخص والخضوع له فتعظيمه في الحقيقة عائد إلى الملك وخضوعه يرجع بالأخرة إلى الخضـوع إليه ، لانبعاثه عن أمره وكونه إطاعة لحكمه ، وعليه فلا يجـوز السجود لغير من أمر به تعالى ، لكونه شركاً في العبادة بعد أن لم يكن صادراً عن أمره . وقد ذكرنا في بحث التفسـير(3) أنّ السجود للأصنام إنّما لا يجوز لعدم إذنه تعالى في ذلك ، وإلاّ فلو أذن تعالى به لم يكن به بأس لكونه طاعة له وامتثالاً لأمره .
وقد ورد في بعض الروايات (4) أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أجاب عمّن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 20 : 162 / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب 81 ح 1 .
(2) غير خفي أنّ السجود للشيء غير السجود إلى الشيء ، وظاهر الآيات الواردة في آدم ويوسف هو الأوّل كما أنّ الواردة في الكعبة هو الثاني ، فلا يكونان من سنخ واحد ليقاس أحدهما بالآخر .
(3) البيان : 478 .
(4) الوسائل 6 : 386 / أبواب السجود ب 27 ح 3 .
ــ[241]ــ
سأله عن السجود لغير الله تعالى قياساً على سجود الملائكة لآدم (عليه السلام) بأ نّه كان ذلك عن إذنه تعالى ، وأوضحه (صلّى الله عليه وآله) بايراد مثال وهو أ نّه إذا أذن أحد لغيره بالدخول في داره الخاصّة فهل يجوز للمأذون له الدخول في داره الاُخرى قياساً على الاُولى ، وهذا المضمون قوي وإن كان سند الخبر ضعيفاً . وكيف ما كان فالحكم ظاهر لا غبار عليه .
|