ــ[279]ــ
[ 1656 ] مسألة 1 : لابدّ من ذكر الشهادتين والصلاة بألفاظها المتعارفة(1) فلا يجزئ غيرها وإن أفاد معناها ، مثل ما إذا قال بدل أشهد : أعلم ، أو اُقرّ أو أعترف ، وهكذا في غيره .
[ 1657 ] مسألة 2 : يجزئ الجلوس فيه بأيّ كيفية كان ولو اقعاءً ، وإن كان الأحوط تركه (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف فيه ، ويقتضيه الجمود على ظواهر النصوص .
(2) المعروف والمشهور هو كراهة الاقعاء بقسميه مطلقاً بين السجدتين ، أو بعد الثانية ، سواء أكان جلسة الاستراحة أو حال التشهّد ، وإن كان صريح كثير منهم أنّ الكراهة في الأخير أشد وآكد ، والمحكي عن ظاهر الشيخ في المبسوط(1) والسيِّد المرتضى(2) هو جواز ذلك كذلك .
وعن الصدوق(3) المنع عنه حال التشهّد دون غيره ممّا يعتبر فيه الجلوس في الصلاة فانّه نفى البأس عنه فيه .
وذهب صاحب الحدائق(4) إلى المنع عن خصوص الاقعاء المصطلح عند الفقهاء، وهو أن يعتمد الشخص بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه بلا فرق بين حال التشهّد وغيره . وكراهة الاقعاء بالمعنى اللّغوي وهو أن يضع الرجل ألييه على الأرض وينصب ساقيه وفخذيه واضعاً يديه على الأرض أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 1 : 113 .
(2) حكاه عنه في المعتبر 2 : 218 .
(3) الفقيه 1 : 206 .
(4) الحدائق 8 : 312 .
ــ[280]ــ
بدون الوضع كما في القاموس (1) ، شبيه إقعاء الكلب جاعلاً موردها خصوص ما بين السجدتين، وأمّا حال التشهّد فلا كراهة . وعن بعض العامّة (2) استحباب الاقعاء الفقهائي الّذي منع صاحب الحدائق عنه .
والأقرب هو ما عليه المشهور من الكراهة مطلقاً (3) .
أمّا الاقعاء بين السجدتين فالحكم بالكراهة من جهة الجمع الدلالي بين ما دلّ على حرمة ذلك من موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «لا تقع بين السجدتين إقعاءً» (4) وبين ما هو نص في جواز ذلك وهو صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: لابأس بالاقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين»(5) فانّ الجمـع العـرفي يقتضي رفع اليد عن ظهور الموثقة في الحرمة وحملها على الكراهة ، وحيث إنّ كلاًّ من الدليلين مطلق من حيث كيفية الاقعاء ، فلا محالة تكون نتيجة الجمـع هو كراهة الاقعاء بقسـميه بحكم الاطلاق كما هو ظاهر المشهور .
ولكن صاحب الحدائق بعد أن حمل الروايات الناهية على المنع عن الاقعاء بالمعنى اللّغوي والروايات المجوّزة على ترخيص الاقعاء بالمعنى المصطلح عند الفقهـاء مستشهداً على ذلك بقرائن ذكرها ، اسـتقرب كون الروايات المجـوّزة واردة مورد التقيّة من جهة موافقتها لمذهب جماعة من العامّة ، وحيث ورد في رواية زرارة وعمرو بن جميع الآتيتين أنّ المقعي ليس بجالس ، وفهم من ذلك النفي بمعناه الحقيقي ، لزمه القول ببطلان الصلاة فيما إذا أقعى بالمعنى المصطلح عند
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القاموس المحيط 4 : 382 .
(2) المغني 1 : 599 ، المجموع 3 : 438 .
(3) [ سيأتي في ص 285 عدم كراهة الاقعاء اللّغوي ] .
(4) ، (5) الوسائل 6 : 348 / أبواب السجود ب 6 ح 1 ، 3 .
ــ[281]ــ
الفقهاء ، نظراً إلى الاخلال بالجلوس المعتبر فيما بين السجدتين وكذا عند التشهّد قطعاً .
وفيه : أنّ مجرّد الموافقة مع العامّة لا يقتضي الحمل على التقيّة ما لم يكن ثمة معارض . ومع ما ذكرناه من الجمع الدلالي لا معارضة في البين . على أ نّه كيف يمكن القول بأنّ المقعي ليس بجالس حقيقة مع أ نّه من كيفيّات الجلوس ، وليس مفهوماً آخر مقابلاً له كالقيام والانحناء والاستلقاء والاضطجاع ونحوها ، فلا بدّ من حمل ما ورد في الرواية على معنى آخر سنبيِّنه إن شاء الله تعالى .
وبالجملة : ما استنتجه صاحب الحدائق من القول بعدم جواز الاقعاء في الصلاة بالمعنى المصطلح عند الفقهاء ـ والظاهر أ نّه متفرِّد بهذا القول ـ لا يمكن المساعدة عليه ، ولا على ما ذكره من كيفية الجمع ، بل مقتضى الصناعة هو ما ذكرناه من كراهة الاقعاء بكلا قسميه ، فان إطلاق موثقة أبي بصير كما يشمل الاقعاء اللغوي كذلك يشمل الاقعاء الفقهائي ولا موجب لتخصيصه بالقسم الأوّل ، فانّ القسم الثاني أيضاً كان متعارفاً عند العامّة ، كما أنّ صحيح الحلبي المؤيّد برواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين» (1) وغيرها يعمّ كلا القسـمين ولا وجه لتخصيصه بالاقعاء الفقهائي ونتيجة الجمع العرفي بينهما هو كراهة كلا القسمين من الاقعاء .
ويدلّنا أيضاً على كراهة الاقعاء الفقهائي بل واللغوي : ذيل صحيحة زرارة : « ... وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك ، ولا تكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء» (2) فانّها متضمِّنة لواقع الاقعاء وإن لم يعبّر عنه فيها بلفظه ، واستفادة الكراهة من جهة التعليل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 349 / أبواب السجود ب 6 ح 7 .
(2) الوسائل 5 : 461 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3 .
ــ[282]ــ
الواقع فيها فانّه مناسب للكراهة دون الحرمة كما لا يخفى . وكذا ما في صحيحته الاُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) : «ولا تقع على قدميك» (1) سواء أكانت مادته هو الوقوع أو الاقعاء فانّه على كلا التقديرين يستفاد منها مرجوحية ذلك .
وأمّا الاقعاء حال التشهّد ، فقد عرفت أنّ المحكي عن الصدوق هو المنع مطلقاً ، وكذا صاحب الحدائق، ولكن في خصوص الاقعاء الفقهائي ، واستدلّوا على ذلك بما رواه ابن إدريس في الموثقة (2) عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) «لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين ولا ينبغي الاقعاء في موضع التشهّد إنّما التشهّد في الجلوس وليس المقعي بجالس» (3) . وبرواية عمرو بن جُمَيع قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا بأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة الاُولى والثانية وبين الركعة الثالثة والرابعة ، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى ولا يجوز الاقعاء في موضع التشهّدين إلاّ من علّة ، لأنّ المقعي ليس بجالس إنّما جلس بعضه على بعض ، والاقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهّديه فأمّا الأكل مقعياً فلا بأس به ، لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أكل مقعياً» (4) .
ولا يخفى أنّ الاقعاء بالمعنى اللغوي غير مشمول لشيء من الروايتين ، وذلك من جهة التعليل فيهما بأنّ المقعي ليس بجالس ، مع أنّ الاقعاء بمعنى وضع الأليين على الأرض منتصب السـاق والفخذ يكون من أظهر أفراد الجلـوس فلا يكون هذا الفرد مشمولاً للروايتين . ويؤيِّده : تفسير الاقعاء في ذيل رواية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 463 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5 .
(2) [ لكن رماها بالضعف في ص 275 ] .
(3) الوسائل 6 : 391 / أبواب التشهّد ب 1 ح 1 ، السرائر 3 (المستطرفات) : 586 .
(4) الوسائل 6 : 349 / أبواب السجود ب 6 ح 6 .
ــ[283]ــ
عمرو بن جميع بالمعنى المصطلح عند الفقهاء . فلا دليل على عدم جواز ذلك حال التشهّد ، اللّهمّ إلاّ أن يكون الوجه هو الشهرة الفتـوائية وهو أمر آخر وإلاّ فلا دليل بحسب النصوص .
وأمّا الاقعاء بهذا المعنى فظاهر هاتين الروايتين هو الحرمة ، وليس بازائهما ما يدل بالخصوص على الجواز ليكون مقتضى الجمع بينهما هو الكراهة كما كان هو الحال بالنسبة إلى ما بين السجدتين ، سوى إطلاقات الجلوس حال التشهّد ، فان تمّ هاتان الروايتان سنداً ودلالة فلا بدّ من تقييد تلك الاطلاقات المقتضية لجواز الاقعاء ولو بهذا المعنى بغير هذا الفرض فانّه يكون غير جائز وإلاّ كان مقتضى تلك الاطلاقات هو الجواز ، إلاّ أن يكون المنع مبنياً على الاحتياط كما في المتن ، وإن كان ظاهره هو الاحتياط حتّى عن الاقعاء بالمعنى اللغوي . مع أ نّه لا موجب لذلك ، لقصور شمول الروايتين له قطعاً كما عرفت .
ولكن يمكن المناقشة في كلتا الروايتين : أمّا رواية زرارة ، فلأ نّه رواها ابن إدريس عن كتاب حريز بن عبدالله ، وقد عرفت مراراً أنّ طريق ابن إدريس لهذه الكتب مجهول لدينا ، فهي بالنسبة إلينا في حكم المرسل وإن عبّر عنها في كلام غير واحد من الأعاظم بالصحيحة .
على أ نّه يمكن المناقشة في دلالتها ، وذلك لأنّ لفظة «لا ينبغي» وإن كانت في لسان الأخبار ظاهرة في الحرمة كما يقتضيه معناه اللغوي (1) وهو لا يتيسّر ولا يمكن ، قال الله تعالى (لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ا لْقَمَرَ )(2) إلخ ، أي لا يتيسّر لها ذلك ، إلاّ أ نّه في خصوص المقام قامت القرينة على خلاف ذلك وهو التعليل بقوله : «وليس المقعي بجالس» فان ظاهر هذه الجملة غير مراد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب 14 : 77 ، المنجد : 44 .
(2) يس 36 : 40 .
ــ[284]ــ
قطعاً ، فانّه كيف لا يكون المقعي بجالس مع أنّ الاقعاء نحو من أنحاء الجلوس وليس مفهوماً مبايناً له كالقيام ونحوه ، فلا بدّ وأن يكون المقصود أنّ المقعي ليس مستريحاً في جلوسه بمثابة يتمكن من أداء التشهّد ولا سيّما مع سننه وآدابه المفصّلة كما يفصح عن ذلك ذيل صحيحة زرارة المتقدِّمة : « ... فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء» (1) ، وهذا التعليل إنّما يلائم ويناسب الحكم التنزيهي دون التحريمي كما لا يخفى .
وأمّا رواية عمرو بن جُمَيع ، فلأن هذا الرجل مضافاً إلى كونه بترياً ضعّفه كل من الشيخ(2) والنجاشي(3) صريحاً فلا تكون روايته حجّة .
وما قيل من أنّ الراوي عنه هو محمّد بن أبي عمير وهو ممّن قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فهو عجيب جدّاً ، فان هذا الأصل ـ الّذي يكون الأصل فيه كلام الشيخ في العدّة (4) من أن مثل ابن أبي عمير لا يرسل إلاّ عن الثقة ـ على فرض تماميته إنّما هو فيما إذا كان حال الراوي مجهولاً ومردّداً وأمّا مع التنصيص على الضعف كما فيما نحن فيه فلا سبيل للرجوع إلى ذلك الأصل ، بل يكون العثور على هذه التضعيفات كاشفاً وشاهداً على عدم تمامية ذلك الأصل .
على أ نّه لم يعلم كون هذه الجملة من تتمّة الرواية ، بل سوق الكلام يشهد بأ نّها من فتوى الصدوق أخذها من رواية زرارة فذكرها في ذيل هذه الرواية ثمّ فسّر الاقعاء بنظره ثمّ ذكر بعد ذلك جواز الاقعاء حال الأكل مستشهداً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 461 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3 .
(2) رجال الطوسي : 251 / 3517 .
(3) رجال النجاشي : 288 / 769 .
(4) العدّة 1 : 58 السطر 7 .
ــ[285]ــ
[ 1658 ] مسألة 3 : من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلّم وقبله يتبع غيره فيلقّنه ، ولو عجز ولم يكن من يلقّنه أو كان الوقت ضيقاً أتى بما يقدر ((1)) ويترجم الباقي ، وإن لم يعلم شيئاً يأتي بترجمة الكل ، وإن لم يعلم يأتي بسائر الأذكار بقدره ، والأولى التحميد إن كان يحسنه ، وإلاّ فالأحوط الجلوس قدره مع الإخطار بالبال إن أمكن (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بفعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
وكيف ما كان ، لا ريب في أنّ الروايتين كلتاهما ضعيفة ، ومعه لا يمكن الاستدلال بهما على عدم جواز الاقعاء حال التشهّد ، بل ولا على كراهته .
ولكن يمكن إثبات الكراهة بصحيحتي زرارة المتقدِّمتين في باب أفعال الصلاة حيث صرّح في إحداهما بأ نّه «لا تكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء» (2) وفي الاُخرى بأ نّه «لا تقع على قدميك» (3) فانّ النهي فيهما ليس محمولاً على ظاهره ، وذلك بقرينة التعليل وكونه في مقام بيان تعداد السنن والآداب فلاحظ .
فالنتيجة : أنّ الاقعاء حال التشهّد بالمعنى المصطلح عند الفقهاء مكروه ، وبالمعنى اللغوي جائز من غير كراهة ، وأمّا الاقعاء بين السجدتين فهو مكروه بقسميه .
(1) لا ريب في وجوب التعلّم على من لم يعلم شيئاً من الصلاة ، سواء كان هو الذكر أو غيره ، لئلاّ يقال له ـ فيما إذا أدّى ذلك إلى ترك الصلاة الصحيحة ـ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مع صدق عنوان الشهادة عليه ، وإلاّ فوجوبه كوجوب المراتب اللاّحقة مبنيّ على الاحتياط .
(2) ، (3) الوسائل 5 : 461 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3 ، 5 .
|