ــ[286]ــ
فهلاّ تعلّمت إذا قال ما علمت على ما ورد ذلك في النص (1) فوجوب التعلّم إنّما هو لأجل عدم إفضاء جهله إلى ذلك . نعم ، لو كان ثمة من يلقّنه حال الصلاة ولو كلمة كلمة لم يكن بأس في عدم تعلّمه حتّى متعمِّداً ، إذ وجوب التعلّم إنّما هو طريقي لا نفسي ، فلا مانع من تركه إذا كان متمكِّناً معه من أداء الواجب ولو بمثل التلقين . وأمّا إذا لم يجد من يلقّنه ولم يمكنه التعلّم ولو من جهة ضيق الوقت ففيه فروض :
الأوّل : أن يكون متمكِّناً من القراءة الملحونة ، وإنّما لا يتمكّن من القراءة الصحيحة . الظاهر أ نّه لا إشكال ولا خلاف في وجوب ذلك عليه ، ويدلّنا عليه : مضافاً إلى التسالم، إطلاقات التشهّد ، فانّه خطاب عام متوجِّه إلى الجميع والمستفاد منه عرفاً وجوب ذلك عليهم كلٌّ بحسب تمكنه ومقدرته ، فيكون المطلوب ممّن لا يتمكن من أدائه على وجهه ما يحسنه ويتمكن منه ولو مع تبديل بعض الحروف ببعض ، وقد ورد من طرق العامّة أنّ سين بلال شين عند الله (2) ، فهذا يكون فرداً ومصداقاً للتشهّد حقيقة .
وأيضاً تدل عليه : موثقة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إنّ الرجل الأعجمي من اُمّتي ليقرأ القرآن بعجميّته فترفعه الملائكة على عربيته» (3) ، إذ من المعلوم أ نّه لا خصوصية للقراءة وإنّما هو من باب المثال وإلاّ فالتشهّد أيضاً كذلك ، ويؤيِّد التعدِّي بل يدل على أصل الحكم : معتبرة مسعدة بن صدقة قال : «سمعت جعفر بن محمّد (عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحار 2 : 29 ، 180 .
(2) البداية والنهاية 4 : 102 ، وأورده في المستدرك 4 : 278 / أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 3 .
(3) الوسائل 6 : 221 / أبواب قراءة القرآن ب 30 ح 4 .
ــ[287]ــ
يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهّد وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلِّم الفصيح» (1) فانّ هذه الرواية صريحة في أنّ جميع المكلّفين ليسوا على حد سواء ، بل المطلوب من كل واحد منهم هو ما يكون مقدوراً له ومتمكناً منه .
الثاني : أن لا يكون متمكناً من تمام التشهّد حتّى الملحون منه لكنّه متمكِّن من ترجمته ، وقد ذكر الماتن كغيره أ نّه يأتي بما يقدر ويترجم الباقي ، وإن لم يعلم شيئاً أصلاً يأتي بترجمة الكل .
أمّا وجوب الترجمة كلاًّ أو بعضاً فقد استدلّ له بوجهين :
الأوّل : إطلاقات التشهّد المقتضية لجواز إتيانه ولو بترجمته ، غايته دلالة الدليل على أ نّه مع التمكن لا بدّ وأن يكون ذلك بالألفاظ الخاصّة ، وأمّا فرض العجز فهو باق تحت تلك الاطلاقات .
ويرده : بعد تسليم الاطلاقات والغض عن انصرافها إلى ما هو المتعارف الخارجي من جهة كون الألف واللاّم فيها للعهد، أ نّها مقيّدة بمثل صحيحة محمّد ابن مسلم(2) الدالّة على كون الواجب الصيغة الخاصّة مطلقاً حتّى حال عدم التمكّن منه و [ التمكّن من ] الاتيان بالترجمة، ومن المعلوم أنّ إطلاق دليل الخاص مقدّم على إطلاق دليل العام وحاكم عليه كما قرّر في محله ، فالاطلاقات قاصرة عن إثبات وجوب الترجمة .
الثاني : قاعدة الميسور ، بتقريب أنّ المأمور به في التشهّد ليس هو الألفاظ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 136 / أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 2 .
(2) الوسائل 6 : 397 / أبواب التشهّد ب 4 ح 4 .
ــ[288]ــ
بل معانيها ، كما هو الحال في إظهار الاسلام ، غايته أ نّه في المقام قد دلّ الدليل على أن يكون إبراز ذاك المعنى بهذه الألفاظ الخاصّة ، فاذا فرض أ نّه عجز عن أداء تلك الألفاظ فمقتضى ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه هو إبراز تلك المعاني بما يكون ترجمة لهذه الألفاظ الخاصّة .
وفيه : مضافاً إلى المنع من هذه القاعدة كبروياً على ما عرفته مكرراً ، المنع عن الصغرى أيضاً ، للمنع عن عدم كون المأمور به هو الألفاظ ، كيف وإنّ كثيراً من المكلّفين ولا سيّما الأعاجم منهم وعلى الأخص حديثوا العهد بالاسلام لا يدركون معاني تلك الألفاظ ولم يكلفوا تفهّم معانيها ، فالمطلوب ليس إلاّ هذه الألفاظ ولو بداعي حكايتها عن تلك المعاني ، ومن الظاهر أنّ ترجمة تلك الألفاظ بلغة اُخرى لا تعد ميسورة لها ليجب الاتيان بها بمقتضى تلك القاعدة بناءً على تماميتها ، فالترجمة لا دليل على الاتيان بها .
وأمّا الاتيان بما يقدر من التشهّد ، فان كان ذلك ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد كما لو كان غير المتمكن من أدائه هو جملة «وحده لا شريك له» أو كلمة «عبده» فلا إشكال في وجوب الاتيان بالمتمكن منه ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد ، فانّ العجز عن بعض أجزاء الصلاة لا يوجب سقوط البعض الآخر المتمكن منه ، لما استفدناه من قوله (عليه السلام) : «لا تدع الصلاة على حال» (1) من أنّ كل جزء من الصلاة مشروط بالقدرة على نفس ذاك الجزء فلا بدّ من الاتيان به إذا كان ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد . وأمّا إذا لم يصدق عليه التشهّد كما إذا كان متمكناً من لفظة «أشهد» فقط مثلاً ، فلا دليل على الاتيان به لا بنفسه ولا بترجمته لا منفرداً ولا منضماً إلى ترجمة بقيّة ما يكون عاجزاً عنه ، بل مقتضى القاعدة هو سقوط التشهّد عندئذ رأساً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .
ــ[289]ــ
الثالث : أن لا يكون متمكناً حتّى من الترجمة ، فقد ذكر غير واحد أ نّه لا بدّ من أن يأتي بسائر الأذكار بقدره كما في المتن . وعن الشهيد (1) أ نّه لا بدّ من الاتيان بخصوص التحميد ولذا جعله الماتن أولى من غيره .
أمّا التحميد ، فمدركه هو رواية حبيب الخثعمي المتقدِّمة : «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد الله أجزأه» (2) ورواية بكر بن حبيب قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التشهّد ، فقال : لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا إنّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأ عنك» (3) بناءً على ما ذكره الشهيد من أ نّهما تدلاّن على اعتبار التحميد بالفحوى .
والوجه في ذلك : أ نّه حملهما على التقيّة كصاحب الحدائق (4) ، فاذا كانت الوظيفة عند المانع الخارجي أعني التقيّة هو التحميد بدلاً عن التشهّد ، فمع المانع التكـويني وهو عدم التمكن من التشهّد والعجز عنه لا بدّ وأن تكون الوظيفة هو ذلك بالأولويّة القطعية .
وفيه : مضافاً إلى ضعف الروايتين ، الاُولى بسعد بن بكر ، والثانية بنفس بكر بن حبيب ، ما عرفته سابقاً (5) من أنّ الروايتين ناظرتان إلى الأوراد المفصّلة المعمولة عندهم ، وأ نّه يجزئ التحميد عن تلك الأوراد والأدعية ، لا أنّ التشهّد غير واجب ، وأنّ التحميد بدل عنه ، كيف ورواية حبيب ظاهرة في وجوبه حيث قال : «إذا جلس للتشهّد» ، والعامّة أيضاً لا يرون عدم وجوبه ليحمل ذلك على التقيّة ، فالروايتان قاصرتان سنداً ودلالةً عن إثبات التحميد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذكرى 3 : 413 .
(2) الوسائل 6 : 399 / أبواب التشهّد ب 5 ح 2 .
(3) الوسائل 6 : 399 / أبواب التشهّد ب 5 ح 3 .
(4) الحدائق 8 : 445 .
(5) في ص 251 .
ــ[290]ــ
وأمّا مطلق الذكر ، فلا وجه له إلاّ أن يستفاد ذلك من صحيح عبدالله بن سنان قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ رجلاً دخل في الاسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبِّر ويسبِّح ويصـلِّي» (1) بناءً على أنّ ذكر القراءة من باب المثال والمراد أنّ مع عدم التمكّن من غير الركوع والسجود يجزئ عنه التكبير والتسبيح .
وفيه : أنّ الرواية في مقام بيان ركنية الركوع والسجود في الصلاة على ما ورد ذلك في غير هذه الرواية ، فلا يستفاد منها أكثر من بدلية التكبيرة عن القراءة ، وأمّا بدليتها عن كل ما ليس بركن فلا ، لعدم كون الرواية في مقام البيان من هذه الجهة .
فالنتيجة : أ نّه مع عدم التمكن من الترجمة لا دليل على وجوب مطلق الذكر أو خصوص التحميد ، ففي هذا الفرض لا يجب عليه شيء أصلاً .
لكن المحقِّق الهمداني (قدس سره)(2) استبعد ذلك باعتبار استلزامه أن يكون هذا أسوأ حالاً من الأخرس ، حيث إنّ الأخرس يجب عليه أن يجلس ويحرِّك لسانه بداعي الحكاية عن ذلك .
إلاّ أنّ استبعاده (قدس سره) في غير محله ، لأنّ الأخرس إنّما يكون تشهّده هو هذا حقيقة كسائر أفعاله وأقواله الصادرة منه ، وأمّا غيره ممّن هو قادر على التكلّم لكنّه لم يتعلّم التشهّد فلا بدّ في وجوب غير التشهّد عليه بدلاً عنه من قيام دليل عليه وهو مفقود ولا يقتضي ذلك كونه أسوأ حالاً ، فان ذلك متمكِّن من التشهّد ولو بحسب حاله دون هذا .
الرابع : أن لا يكون متمكناً حتّى من مطلق الذكر أو التحميد ، ذكر الماتن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 42 / أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1 .
(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 373 السطر 18 .
ــ[291]ــ
[ 1659 ] مسألة 4 : يستحب في التشهّد اُمور :
الأوّل : أن يجلس الرجل متورّكاً على نحو ما مرّ من الجلوس بين السجدتين .
الثاني : أن يقول قبل الشروع في الذكر : «الحمد لله» أو يقول : «بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، أو الأسماء الحسنى كلّها لله» .
الثالث : أن يجعل يديه على فخذيه منضمّة الأصابع .
الرابع : أن يكون نظره إلى حجره .
الخامس : أن يقول بعد قوله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله : «أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، وأشهد أنّ ربِّي نعم الرب وأنّ محمّداً نعم الرسول» ثمّ يقول : «اللّهمّ صلّ ... » إلخ .
السادس : أن يقول بعد الصلاة : «وتقبّل شفاعته وارفع درجته» في التشهّد الأوّل بل في الثاني أيضاً ، وإن كان الأولى عدم قصد الخصوصية في الثاني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(قدس سره) كغيره أنّ الأحوط الجلوس قدره مع الاخطار بالبال إذا أمكن وهذا مبني على أنّ الجلوس واجب في نفسه كالتشهّد والعجز عن خصوص الثاني لا يقتضي سقوط الأوّل المفروض تمكنه منه .
وفيه : أنّ المستفاد من الروايات كون الجلوس واجباً حال التشهّد لا أ نّه واجب في نفسه، فمع سقوط التشهّد من جهة العجز يكون الجلوس ساقطاً أيضاً .
فظهر ممّا سبق أنّ جميع ما ذكروه من الترجمة كلاًّ أو بعضاً منضماً إلى ما لايصدق عليه التشهّد أو الذكر أو التحميد، أو الجلوس مع الاخطار بالبال ، كل ذلك مبني على الاحتياط ، وإلاّ فلا دليل عليه ، والله سبحانه أعلم .
ــ[292]ــ
السابع : أن يقول في التشهّد الأوّل والثاني ما في موثقة أبي بصير وهي قوله (عليه السلام) «إذا جلست في الركعة الثانية فقل : بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أ نّك نعم الرب ، وأنّ محمّداً نعم الرسول ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّل شفاعته في اُمّته وارفع درجته ، ثمّ تحمد الله مرّتين أو ثلاثاً ، ثمّ تقوم فاذا جلست في الرابعة قلت : بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أ نّك نعم الرب وأنّ محمّداً نعم الرسول ، التحيّات لله والصلوات الطاهرات الطيِّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات ، ما طاب وزكى وطهر وخلص وصفا فللّه أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أنّ ربِّي نعم الربّ وأنّ محمّداً نعم الرسول ، وأشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور، الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله ربّ العالمين ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وسلّم على محمّد وآل محمّد ، وترحّم على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واغفر لنا ولاخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وامنن عليّ بالجنّة ، وعافني من النار ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد
ــ[293]ــ
واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلاّ تباراً ، ثمّ قل : السلام عليك أ يُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على جبريل وميكائيل والملائكة المقرّبين ، السلام على محمّد بن عبدالله خاتم النبيين لا نبيّ بعده ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثم تسلِّم .
الثامن : أن يسبِّح سبعاً بعد التشهّد الأوّل بأن يقول : سبحان الله سبحان الله سبعاً ثمّ يقوم .
التاسع : أن يقول : بحول الله وقوّته ... إلخ حين القيام عن التشهّد الأوّل .
العاشر : أن تضم المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهّد .
[ 1660 ] مسألة 5 : يكره الإقعاء حال التشهّد على نحو ما مرّ في الجلوس بين السجدتين ، بل الأحوط تركه كما عرفت .
|