وأمّا السلام عليك أ يُّها النبيّ ، فليس من صيغ السلام بل هو من توابع التشهّد (2) .
ـــــــــــــــــــــ (2) فلا يتحقّق الخروج به ، خلافاً لما نسب إلى الراوندي(4) من كونه مخرجاً
ـــــــــــــ (4) حكاه عنه في الذكرى 3 : 421 .
ــ[331]ــ
وليس واجباً بل هو مستحب ، وإن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان مستحباً ، ولعلّه لاطلاق بعض الروايات المتضمِّنة لمخرجية السلام بدعوى شمولها للمقام وعدم انحصاره في الصيغتين الأخيرتين .
ولكن الاطلاق لو تمّ ـ كما لا يبعد ـ لم يكن بدّ من الخروج عنه بما دلّ صريحاً على عدم كونه مخرجاً ، ففي صحيح الحلبي قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) كل ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» (1) فانّها كالصريح في أنّ السلام عليه (صلّى الله عليه وآله) من مصاديق ذكره المعدود من أجزاء الصلاة ، ولا يتحقّق الانصراف إلاّ بالصيغة الاُخرى .
وأصرح منها رواية أبي كهمس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أ يُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته انصراف هو ؟ قال : لا ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف» (2) .
فانّها واضحة الدلالة في كون السلام عليه (صلّى الله عليه وآله) من توابع التشهّد وعدم كونه مخرجاً . نعم ، هي ضعيفة السند بأبي كهمس حيث لم تثبت وثاقته فلا تصلح إلاّ للتأييد . على أنّ المسألة مجمع عليها حيث لم يذهب أحد إلى حصول الانصراف بالسلام على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) غير الراوندي كما عرفت .
(1) بعد ما عرفت من عدم كون هذا السلام مخرجاً فهل هو واجب أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 426 / أبواب التسليم ب 4 ح 1 .
(2) الوسائل 6 : 426 / أبواب التسليم ب 4 ح 2 .
ــ[332]ــ
مستحب ؟ المشهور والمعروف هو الثاني ، ونسب الوجوب إلى بعضهم كالجعفي في الفاخر (1) ، ومال إليه في كنز العرفان (2) ، ويستدل للوجوب بروايات .
منها : موثقة أبي بصير الطويلة الواردة في كيفية التشهّد (3) حيث ورد في ذيلها الأمر بالسلام على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وظاهر الأمر هو الوجوب .
ويندفع : بأن اشتمالها على كثير من المستحبّات يستوجب ضعف الظهور المزبور ، فانّا وإن ذكرنا في الاُصول (4) أنّ الاستحباب ـ كالوجوب ـ بحكم العقل ومنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك فغير المقرون محكوم بالوجوب ـ ومن ثمّ أنكرنا قرينية السياق فيما لو اشتملت الرواية على أوامر تثبت استحباب بعضها من الخارج ، حيث حكمنا بالوجوب في غير الثابت لمكان عدم الاقتران ـ إلاّ أنّ خصوص هذه الموثقة لما كانت مشتملة على كثير من التحيّات والمسنونات بحيث يستظهر عدم ورودها لبيان أجزاء الصلاة الأصلية بل لبيان الفرد الأكمل والمصداق الأفضل ، فهي في قوّة الاقتران بالترخيص في الترك ، فعليه لا ينعقد للأمر المزبور ظهور في الوجوب .
وعلى تقدير التنازل وتسليم الظهور ، فلا مناص من رفع اليد عنه بما هو كالصريح في عدم الوجوب كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فان كان مسـتعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه» (5) وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد ، فقال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكاه عنه في الذكرى 3 : 420 .
(2) كنز العرفان : 142 .
(3) الوسائل 6 : 393 / أبواب التشهّد ب 3 ح 2 .
(4) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 131 و 132 .
(5) الوسائل 6 : 416 / أبواب التسليم ب 1 ح 5 .
ــ[333]ــ
يسلِّم من خلفه ويمضي في حاجته» (1) حيث يظهر منها بوضوح عدم وجوب شيء بعد التشهّد ما عدا سلام الانصراف المنحصر في الصيغتين الأخيرتين كما تقدّم (2) .
ومنها : موثقة أبي بكر الحضرمي قال «قلت له : إنِّي اُصلِّي بقوم فقال سلّم واحدة ولا تلتفت ، قل السلام عليك أ يُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم» (3) .
وفيه : ـ مضافاً إلى قصور المقتضي بعدم كونه (عليه السلام) بصدد بيان السلام الواجب ، بل في مقام بيان كفاية المرّة وعدم الحاجة إلى التكرار بالسلام تارة إلى اليمين واُخرى إلى الشمال ، ولعلّ التعرّض لصيغة السلام عليك أ يُّها النبيّ مبني على المتعارف الخارجي توطئة للسلام المخرج من غير نظر إلى وجوبه أو استحبابه ، فالمقتضي للظهور في الوجوب قاصر في حدّ نفسه ـ أ نّه مع تسليم الظهور لم يكن بدّ من رفع اليد عنه والحمل على الاستحباب، للنصوص الظاهرة في عدم الوجوب كما عرفت آنفا .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا كنت إماماً فانّما التسـليم أنّ تسلِّم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ... » إلخ (4) .
وفيه : مضـافاً إلى ضعف سـندها بمحمّد بن سـنان ، أ نّها محمـولة على الاستحباب ، لأنّ السلام الواجب هو السلام المخرج بمقتضى صحيحتي الفضلاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 416 / أبواب التسليم ب 1 ح 6 .
(2) في ص 325 .
(3) الوسائل 6 : 421 / أبواب التسليم ب 2 ح 9 .
(4) الوسائل 6 : 421 / أبواب التسليم ب 2 ح 8 .
|