(1) وهذا للاتفاق على جواز سقي الماء النجس للحيوانات ، لأنها خارجة عن سنخ البشر ولم يدلنا دليل على حرمة سقيه للحيوان . نعم ، لا تبعد كراهته كما تستفاد من بعض الأخبار (2) .
(2) قد وقع الاشكال في جواز سقي الماء النجس للأطفال بعد الاتفاق على جواز سقيه للحيوان وعلى حرمة سقيه للمكلفين . وربما قيل بعدم الجواز نظراً إلى أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيتين ، وحرمة شرب النجس على المكلفين تكشف عن وجود مفسدة في شربه ، وعليه فلا يجوز سقيه للأطفال لأنهم وإن لم يكلفوا بالاجتناب عن شربه ، لعدم قابليتهم للتكليف إلاّ أن مفسدة شربه باقية بحالها ، ولا يرضى الشارع بالقاء الأطفال في المفسدة .
وللمناقشة في ذلك مجال واسع :
أمّا أوّلاً : فلأن المفاسد والمصالح إنما نعترف بهما في الأحكام أو في متعلقاتها ، ومع عدم الحكم لا طريق إلى كشف المفسدة والمصلحة ، ولعلّ المفسدة مختصة بالشرب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهي موثقة سعيد الأعرج التي قدمنا نقلها وقد رواها في الوسائل في الباب المتقدم وأيضاً في ص 169 ب 13 ح 2 .
(2) هو ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن البهيمة تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك ؟ قال : نعم ، يكره ذلك» المروية في الوسائل 25 : 309 / أبواب الأشربة المحرمة ب 10 ح 5 .
ــ[276]ــ
الصادر عن المكلفين فلا مفسدة في شرب الأطفال أصلاً ، فحكمه حكم شرب الماء الطاهر بالاضافة إليهم .
وأمّا ثانياً : فلأ نّا لو سلمنا وجود المفسدة في شرب غير المكلفين فلا نسلم أنها بمرتبة تقتضي حرمة التسبيب إليها ، فلا يحرم على المكلفين ايجادها بواسطة الأطفال والمجانين وذلك لأن المفسدة الكائنة في الأفعال على نحوين :
فتارة : تبلغ مفسدتها من الشدة والقوة مرتبة لا يرضى الشارع بتحققها خارجاً ولو بفعل غير المكلفين ، وهذا نظير شرب الخمر حيث يحرم سقيه الصبيان ، وفي مثله يجب الردع والزجر فضلاً عن جواز التسبيب إليه ، وكذا في مثل اللواط والزنا ونظائرهما ، وقد لا يرضى بمطلق وجوده وصدوره ولو من غير الانسان فضلاً عن الأطفال كما في القتل فانّه مبغوض مطلقاً ولا يرضى بصدوره ولو كان بفعل حيوان أو جماد ، فيجب على المكلفين ردع الحيوان ومنع الجماد عن مثله .
واُخرى : لا تبلغ المفسدة تلك الدرجة من الشدّة ، وفي مثلها لم يدل دليل على حرمة إيجادها بفعل غير المكلفين ، لأن المبغوض إنما هو صدورها عن المكلفين ، ولا دليل على مبغوضية مطلق وجودها عند الشارع ، وما نحن فيه من هذا القبيل حيث لم يقم دليل على مبغوضية شرب النجس على الاطلاق فلا مانع من سقيه للأطفال ، ولا سيما إذا كانت النجاسة مستندة إلى نفس الأطفال ، لتنجس أيديهم أو أفواههم الموجب لتنجس الماء بملاقاتهما ، هذا كله في السقي .
|