ــ[358]ــ
فصل في القنوت
وهو مستحب (1) في جميع الفرائض اليومية ونوافلها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على المشهور بل اجمـاعاً كما عن غير واحـد . وعن الصـدوق القول بالوجوب مطلقاً (1) ، وعن ابن أبي عقيل ـ كما في الذكرى(2) ـ اختصاصه بالجهرية وإن نسب إليه الوجوب مطلقاً أيضاً كالصدوق (3) .
وعن البهائي في الحبل المتين (4) الميل إليه حيث إنّه قال بعدما نسب الوجوب إلى من عرفت : أنّ ما قال به ذانك الشيخان الجليلان غير بعيد عن جادة الصواب ، بل في الحدائق (5) بعد حكاية الميل إلى الوجوب عن الشيخ سليمان بن عبدالله البحراني ذكر أ نّه صنّف رسالة في ذلك وإن لم يعثر عليها .
وعن التذكرة(6) حمل الوجوب المنسوب إلى بعض الأصحاب على إرادة التأكّد وشدّة الاستحباب .
وكيف ما كان ، فمنشأ الخلاف اختلاف ظواهر الأخبار ، والمتبع هو الدليل ويستدل للوجوب بوجوه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيه 1 : 207 .
(2) الذكرى 3 : 281 .
(3) حكاه عنه في المعتبر 2 : 243 .
(4) الحبل المتين : 237 .
(5) الحدائق 8 : 353 .
(6) التذكرة 3 : 260 .
ــ[359]ــ
أحدها : قوله تعالى : (وَقُومُوا للهِِ قَانِتِينَ ) (1) بناءً على أن يكون المراد من القيام لله هو الصلاة ، ومن القنوت القنوت المصطلح .
وكلاهما كما ترى ، بل الظاهر أنّ المراد من القيام له سبحانه الاستعداد لاطاعته والتصدِّي لامتثال أوامره ، كما أنّ المراد من القنوت السكون والخضوع والخشوع كما فسّرت الآية الشريفة بذلك في بعض النصوص (2) . وأمّا القنوت المصطلح أعني رفع اليدين في موضع خاص من الصلاة فهو اصطلاح متأخِّر لا ينبغي حمل الآية عليه .
وممّا يؤكِّده أ نّه لو اُريد ذلك لزم القول بوجوب القنوت في جميع حالات الصلاة ، لعدم التقييد في الآية المباركة بحالة خاصّة فان «قانتين» حال للقيام أي قوموا لله حال كونكم قانتين ، وهو كما ترى .
إذن فلا مناص من أن يراد بها ما يكون القيام قانتاً ظاهراً فيه وهو ما عرفت من المثول بين يدي الرب لاطاعته مع سكون وخضوع كقيام العبد بين يدي مولاه ، ولا ارتباط لها بالقنوت المبحوث عنه في المقام بوجه .
نعم ، في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قال (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ ا لْوُسْطَى ) وهي صلاة الظهر ، وهي أوّل صلاة صلاّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر (وَقُومُوا للهِِ قَانِتِينَ ) قال : واُنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) في سـفره فقنت فيها وتركها على حـالها في السفر وفي الحضر ... » الحديث (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 238 .
(2) تفسير نور الثقلين 1 : 237 .
(3) الوسائل 4 : 10 / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 2 ح 1 .
ــ[360]ــ
فربّما يقال : إنّ الصحيحة تضمنت تفسير القنوت المذكور في الآية، وأنّ المراد به هو القنـوت المصطلح حيث إنّه (صلّى الله عليه وآله) قنت في صلاته بعد نزولها .
وفيه : أنّ ورودها في مقام التفسير غير واضح ، إذ لم يؤمر في الآية الشريفة بالقنوت في الصلاة ليكون عمله (صلّى الله عليه وآله) تفسيراً لها ، ولعلّه من باب التطبيق، حيث إنّ القنوت في الصلاة من أحد مصاديق كلي الدُّعاء والخشوع له سبحانه ، فيكون فعله (صلّى الله عليه وآله) الصادر منه امتثالاً للآية الشريفة حكمة لتشريع القنوت المصطلح فأصبح سنّة متبعة .
ثانيها : صحيحة زرارة «أ نّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الفرض في الصـلاة فقال : الوقت والطهور والقبلة والتوجّه والركوع والسـجود والدُّعاء قلت : ما سوى ذلك؟ قال : سنّة في فريضة»(1) وقد رواها الشيخ والكليني(2) بسند صحيح وأسندها في الحـدائق(3) إلى الصدوق في الفقيه ، ولعلّه سهو من قلمه الشريف حيث لم نعثر عليها فيه كما نبّه عليه المعلِّق .
نعم ، رواها في الخصال (4) باسناده عن الأعمش عن الصادق (عليه السلام) مع اختلاف يسير وسند غير صحيح ، وقد أشار إلى صدرها في الوسائل باب 1 من أبواب القنوت حديث 6 .
وكيف ما كان ، فقد دلّت الصحيحة على وجوب الدُّعاء في الصلاة ، وحيث إنّ من المقطوع به عدم وجوبه في غير حال القنوت فلا جرم يراد به ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 264 / أبواب القنوت ب 1 ح 13 .
(2) التهذيب 2 : 241 / 955 ، الكافي 3 : 272 / 5 .
(3) الحدائق 8 : 358 .
(4) الخصال : 604 ، الوسائل 6 : 262 / أبواب القنوت ب 1 ح 6 .
ــ[361]ــ
وقد أجاب عنه المحقِّق الهمداني (قدس سره) (1) تبعاً لصاحب الحدائق بما هو في غاية الجودة : وهو أ نّه إن اُريد من الدُّعاء معناه المصطلح المقابل للذكر من التكبير والتسبيح ونحوهما ، أعني طلب حاجة دنيوية أو اُخروية ، فلا ريب في عدم وجوبه في القنوت ، لجواز الاقتصار على مجرد التسبيح كما نطقت به جملة من النصوص .
وإن اُريد به معناه العام الشامل لمطلق الذكر ، فهو صادق على ذكري الركوع والسـجود وعلى القراءة والتشهّد ، فلا دليل على أن يكون المراد خصوص ما يقع في حال القنوت . مع أنّ الدعاء بالمعنى الأوّل منطبق على الصلاة على محمّد وآله ، الواقعة بعد التشهّد ، فانّها أيضاً نوع من طلب الحاجة ولا إشكال في وجوبها .
ثالثها : النصوص الآمرة بالقنوت في جميع الصلوات :
كصحيحة عبدالرّحمان بن الحجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «سألته عن القنوت ، فقال : في كل صلاة فريضة ونافلة» (2) .
وصحيحة (3) محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّه «قال : القنوت في كل ركعتين في التطوّع والفريضة» (4) .
وما رواه الصدوق في العيون عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون «قال: والقنوت سنّة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة» (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 388 السطر 5 .
(2) الوسائل 6 : 263 / أبواب القنوت ب 1 ح 8 .
(3) [ ولكن طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم ضعيف ] .
(4) الوسائل 6 : 261 / أبواب القنوت ب 1 ح 2 .
(5) الوسائل 6: 262/ أبواب القنوت ب1 ح4، عيون أخبار الرِّضا (عليه السلام) 2:123.
ــ[362]ــ
وما رواه في الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمّد في حديث شرائع الدين «قال : والقنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة» (1) .
ويندفع : بأنّ الصحيحتين ناظرتان إلى المشروعية ـ التي كثر السؤال عنها في لسان الأخبار ـ لا إلى الوجوب كما يفصح عنه عطف النافلة على الفريضة في إحداهما ، وعطف التطوّع عليها في الاُخرى ، فان من الضروري أنّ القنوت على القول بوجوبه فهو خاص بالفرائض ولا يعم النوافل .
وأمّا روايتا العيون والخصال فدلالتهما وإن كانت تامّة لكن السند ضعيف كما لا يخفى ، فلا يمكن التعويل عليهما .
رابعها : النصوص الآمرة بالقنوت في خصوص الصلوات الجهرية ، وهي روايتان هما المستند لابن أبي عقيل القائل بالتفصيل بين الجهرية وغيرها .
إحداهما : موثقة سماعة قال : «سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو ؟ فقال : كل شيء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» (2) .
ثانيتهما : معتبرة وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (3) .
والظاهر أنّ المراد من وهب هذا هو وهب بن عبد ربّه كما صرّح به في الكافي ج 3 ص 339 عند نقله لذيل هذه الرواية وهو موثق .
كما أنّ المراد من العشاء هو المغرب ، ومن العتمة العشاء ، فانّه قد يعبّر عن صلاة المغرب بالعشاء ، ومن ثمّ يعبّر عن العشاء بالعشاء الآخرة .
ويندفع أوّلاً : بعدم كونهما ناظرتين إلى الوجوب ، بل إلى أصل المشروعية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 262 / أبواب القنوت ب 1 ح 6 ، الخصال : 604 .
(2) ، (3) الوسائل 6 : 264 / أبواب القنوت ب 2 ح 1 ، 2 .
ــ[363]ــ
التي كثر السؤال عنها في الأخبار لاختلاف الأنظار ، بل ذهاب عامّة المخالفين إلى الانكار ، فان أبا حنيفة قال : لا يقنت في شيء من الصلوات إلاّ الوتر . وقال مالك والشافعي : لا يقنت في شيء من الصلوات المفروضة إلاّ الصبح خاصّة (1) .
ويرشدك إلى ذلك قوله (عليه السلام) في ذيل المعتبرة : «فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» إذ ليت شعري لو كان النظر معطوفاً إلى الوجوب فما هو الوجه في تخصيص الترك بالرغبة ، ضرورة أنّ مطلق ترك الجزء موجب للبطلان سواء أكان رغبة عنه أم لا . فالتقييد المزبور خير دليل على أنّ القنوت في نفسه مستحب وسنّة ، والّذي يقدح إنّما هو الإعراض عن هذه السنّة والرغبة عنها لا مجرد الترك .
وثانياً : بمعارضتها لروايتين : إحداهما : صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) قال: «سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلّها أم فيما يجهر فيه بالقراءة ؟ قال : ليس القنوت إلاّ في الغداة والجمعة والوتر والمغرب» (2) .
ثانيتهما : موثقة يونس بن يعقوب قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القنوت في أيّ الصلوات أقنت ؟ فقال : لا تقنت إلاّ في الفجر» (3) . حيث لم تذكر العشاء في الاُولى مع أ نّها أيضاً جهرية ولم يذكر من الجهرية في الثانية إلاّ خصوص الفجر .
وثالثاً : بلزوم حملها على التقيّة بشهادة جملة من النصوص .
منها : موثقة أبي بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القنوت فقال : فيما يجهر فيه بالقراءة ، قال : فقلت له : إنِّي سألت أباك عن ذلك ، فقال : في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط للسرخسي 1 : 165 ، المغني 1 : 823 ، المجموع 3 : 494 ، 504 .
(2) ، (3) الوسائل 6 : 265 / أبواب القنوت ب 2 ح 6 ، 7 .
ــ[364]ــ
الخمس كلّها، فقال : رحم الله أبي إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثمّ أتوني شكّاكاً فأفتيتهم بالتقيّة» (1) . ـــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 263 / أبواب القنوت ب 1 ح 10 .
|