ــ[380]ــ
ولا يشترط فيه رفع اليدين (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله (عليه السلام) في ذيل صحـيحة أبي بصير المتقدِّمة : «كل قنوت قبل الركوع إلاّ في الجمعة فانّ الركعة الاُولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع» (1) فانّها شاملة لمطلق صلاة الجمعة من غير تقييد بالإمام .
إذن فلا شبهة في شمول الحكم للمأموم أيضاً .
بقي شيء : وهو أ نّه لا ينبغي التأمّل في أنّ المراد بالإمام الثابت له القنوت في الركعة الاُولى بمقتضى النصوص المتقدِّمة إنّما هو الإمام في صلاة الجمعة لا في صلاة الظهر يوم الجمعة ، فلا فرق بينه وبين سائر الأيّام في عدم ثبوت أكثر من قنوت واحد في الركعة الثانية ، وذلك لظهور تلك النصوص في ذلك ، بل إنّ صحيحة معاوية المتقدِّمة (2) كالصريح في الاختصاص لقوله (عليه السلام) في الذيل : «وإن كان يصلِّي أربعاً ففي الركعة الثانية» الكاشف بمقتضى المقابلة عن أنّ المراد بالصدر صلاة الجمعة ذات الخطبتين وهذا واضح لا غبار عليه .
والمتحصِّل من جميع ما تقدّم : ثبوت قنوتين في صلاة الجمعة من غير فرق بين الإمام والمأموم ، وعدم ثبوت أكثر من قنوت واحد في صلاة الظهر من يوم الجمعة ، من غير فرق أيضاً بين الإمام والمأموم والمنفرد .
(1) فهو بالقياس إليه من قبيل المستحب في المستحب على ما يقتضيه ظاهر كلمات الأصحاب ، خلافاً لما يظهر من جماعة آخرين كالفاضل المقداد(3) وكاشف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 273 / أبواب القنوت ب 5 ح 12 .
(2) في ص 377 .
(3) كنز العرفان 1 : 59 .
ــ[381]ــ
اللثام (1) ، وصاحب الجواهر (2) من الذهاب أو الميل إلى دخله في ماهية القنوت وتقوم مفهومه به وأ نّه بدونه من الدُّعاء المطلق دون القنوت الموظف .
وهذا هو الصحيح ، ويدلّنا عليه ـ بعد قيام ارتكاز المتشرِّعة على أنّ المراد به في الصلاة عمل خاص ذو كيفية مخصوصة فهو اسم لمعنى مصطلح مغاير لمعناه اللغوي من مطلق الدُّعاء أو الخضوع والخشوع ـ اُمور :
أحدها : ما ورد في غير واحد من النصوص من تخصيص محله بالركعة الثانية قبل الركوع ما عدا صلاة الجمعة والعيدين والآيات ففيها كيفيات اُخرى كما تقدّم ، فلو كان مساوقاً لمطلق الدُّعاء ولم يتقوّم برفع اليدين لم يعرف أيّ وجه لهذا التخصيص ، ولا معنى لقوله (عليه السلام) : «ما أعرف قنوتاً إلاّ قبل الركوع»(3) ضرورة استحباب الدُّعاء في غير موضع من الصلاة ، بل مشروعيته في جميع حالاتها ، فما هو الموجب لذلك الحصر والتخصيص الّذي تنادي به تلك النصوص .
ثانيها : النواهي المتعلِّقة به في غير واحد من النصوص المحمولة على التقيّة بل التصريح في بعضها بتركه لدى التقيّة كما تقدّم (4) ، فان من البديهي أنّ عنوان التقيّة لا يكاد يتحقّق من دون تقوم القنوت برفع اليدين ، فانّ الدُّعاء المطلق أثناء الصلاة ممّا لا ينكره العامّة سيما بعد عدم التوظيف وجواز الاكتفاء بالتسبيح أو التسمية أو بعض الآيات ـ كما سيجيء ـ بل العامّة بأنفسهم يقرؤون بعض الآيات بعد الفراغ من الحمد ، فكيف تتصوّر التقيّة مع هذه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشف اللثام 4 : 152 .
(2) الجواهر 10 : 368 .
(3) الوسائل 6 : 268 / أبواب القنوت ب 3 ح 6 .
(4) في ص 363 ، 365 .
ــ[382]ــ
الحالة . هذا في الصلوات الجهرية ، وأمّا في الاخفاتية فالأمر أوضح كما لا يخفى .
ثالثها : ما اتّفق عليه النص والفتوى من نفي القنوت عن صلاة الميت مع وضوح تقوّم هذه الصلاة بالدُّعاء بل ليست حقيقتها إلاّ ذلك ، وهذا خير دليل على مغايرة القنوت مع الدُّعاء المطلق ، إذ لا يكاد يستقيم النفي المزبور من دون ذلك .
رابعها : دلالة بعض النصوص الخاصّة عليه .
فمنها : موثقة عمار الساباطي قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخاف أن أقنت وخلفي مخالفـون ، فقال : رفعك يديك يجزئ ، يعني رفعهما كأ نّك تركع» (1) . ودلالتها من وجهين :
أحدهما : قوله (عليه السلام) : «يجزئ» فان فيه دلالة واضحة على اعتبار رفع اليدين في أداء وظيفة القنوت ، غير أ نّه لمّا لم يتمكن منه لمكان التقيّة يجتزئ عنه برفعهما موهماً إرادة التكبير للركوع قاصداً أداء مسمّى القنوت .
ثانيهما : قول السائل «وخلفي مخالفون» فانّه كالصريح في اعتبار رفع اليدين في مفهوم القنوت وأ نّه به قوامه ومن ثمّ يخاف من المخالفين ، وإلاّ فقد عرفت أنّ الدُّعاء المطلق لم يكن مورداً للتقيّة .
ومنها : موثقة علي بن محمّد بن سليمان قال : «كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن القنوت ، فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين وقل ثلاث مرّات : بسم الله الرّحمن الرّحيم» (2) . دلّت بمفهومها على لزوم الرفع لدى عدم الضرورة الشديدة الكاشف عن دخله في مفهوم القنوت ، وإلاّ لم يكن وجه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 282 / أبواب القنوت ب 12 ح 2 .
(2) الوسائل 6 : 282 / أبواب القنوت ب 12 ح 3 .
ــ[383]ــ
ولا ذكر مخصوص بل يجوز ما يجري على لسانه(1) من الذكر والدُّعاء والمناجاة وطلب الحاجات . وأقلّه : سبحان الله خمس مرّات ، أو ثلاث مرّات ، أو بسم الله الرّحمن الرّحيم ثلاث مرّات ، أو الحمد لله ثلاث مرّات بل يجزئ سبحان الله أو سائر ما ذكر مرّة واحدة ، كما يجزئ الاقتصار على الصلاة على النبيّ وآله (صلّى الله عليه وآله) ومثل قوله : اللّهمّ اغفر لي ، ونحو ذلك (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاناطة تركه بالضرورة .
والمتحصِّل : أنّ المستفاد من مجموع الروايات تقوّم القنوت برفع اليدين وأ نّه بدونه لم يكن آتياً بالوظيفة الخاصّة أعني القنوت المأمور به . نعم ، لا بأس به بقصد مطلق الدُّعاء دون التوظيف .
(1) لصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القنوت وما يقال فيه ؟ قال : ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئاً موقتاً» (1) ونحوها غيرها ممّا هو صريح في عدم التوقيت .
(2) كل ذلك لاطلاق نفي التوقيت (2) المسـتفاد من مثل الصحيح المتقدِّم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 277 / أبواب القنوت ب 9 ح 1 .
(2) لا يخفى أنّ القنوت لغة وإن كان لمعان عديدة ، إلاّ أنّ المتيقن إرادته منه في قنوت الصلاة إنّما هو الدُّعاء كما يفصح عنه ما في صحيحة عبدالرّحمان بن أبي عبدالله عن الصادق (عليه السلام) «أ نّه قال : القنوت في الوتر الاستغفار وفي الفريضة الدُّعاء» (باب 8 من أبواب القنوت الحديث 1) ومقتضى ما دلّ على نفي التوقيت فيه عدم التوقيت بدعاء خاص فيعم المأثور وغيره ، لا أ نّه يكتفي بغير ما هو من سنخ الدُّعاء كالتسبيح ونحوه ، إلاّ أن ينهض على تجويزه دليل بالخصوص ولم ينهض لضعف تلكم النصوص .
ــ[384]ــ
والأولى أن يكون جامعاً للثناء على الله تعالى والصلاة على محمّد وآله وطلب المغفرة له وللمؤمنين والمؤمنات (1) . ــــــــــــــــــــــــــــ
مؤيّداً ببعض النصوص الخاصّة .
(1) كما جاء ذلك في صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «عن القنوت في الوتر هل فيه شيء موقت يتبع ويقال؟ فقال: لا، اثن على الله عزّ وجلّ، وصلّ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) واستغفر لذنبك العظيم ثمّ قال : كل ذنب عظيم» (1) . ـــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 277 / أبواب القنوت ب 9 ح 2 .
|