ــ[497]ــ
السابع : تعمّد البكاء ((1)) (1) المشتمل على الصوت ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه تعرف حكم الضحك المشتمل على مجرّد الصوت من غير مد وترجيع فانّه كما يمكن دخوله في حكم القهقهة وإن خرج عنها موضوعاً لعدم التقهقه فيه ، كذلك يمكن دخوله في حكم التبسّم وإن خرج عن موضوعه ، لاختصاصه بما لا صوت فيه ، ولكنّ المبطل لمّا كان عنوان القهقهة فمقتضى الجمود على النص الاقتصار عليه .
وممّا يدل على الاختصاص المزبور : صحيحة ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول : «إنّ التبسّم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة» (2) .
إذن فالضحـك المشـتمل على الصوت من دون القهـقهة أو على الصوت التقديري لا دليل على مبطليّته وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .
ثمّ إنّ هذه الرواية لا ينبغي التأمّل في صحّتها ، إذ الرهط الّذين يروي عنهم ابن أبي عمير لا يروون إلاّ عن الإمام ، ولأجله كان مرجع الضمير في قوله «سمعوه» هو المعصوم (عليه السلام) ، ولا شبهة في اشتمال الرهط على من يعتمد عليه .
(1) على المشهور بل عن المدارك (3) دعوى الاجماع عليه .
ويستدل له تارة : برواية أبي حنيفة قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة ؟ فقال : إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط .
(2) الوسائل 7 : 250 / أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 3 .
(3) المدارك 3 : 466 .
ــ[498]ــ
أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة» (1) .
واُخرى : بمرسلة الصدوق قال : «وروي أنّ البكاء على الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر الجنّة والنّار من أفضل الأعمال في الصلاة» (2) . ولا يبعد أن تشير المرسلة إلى الرواية الاُولى لاتِّحاد مضمونهما .
وعلى أيّ حال فلا عبرة بها حتّى لو كانت رواية مستقلّة لمكان الارسال والمستند إنّما هي الرواية الاُولى ، غير أ نّها ضعيفة السند ، لمكان أبي حنيفة المعلوم حاله . على أنّ الراوي عنه وهو النعمان بن عبدالسلام لم تثبت وثاقته .
ودعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور ممنوعة صغرى وكبرى . أمّا الثانية فواضحة، وأمّا الاُولى فلأن هذه الشهرة على ما يظهر من الحدائق(3) إنّما حصلت بعد زمن الشيخ للتبعية له في فتاواه ومن ثمّ سموا بالمقلدة ، والشهرة الجابرة هي الحاصلة بين القدماء لا المتأخِّرين . وعلى الجملة : فلا نص يعوّل عليه لاثبات البطلان .
وأمّا الاستدلال له بكونه من الفعل الكثير فهو كما ترى، لعدم الملازمة بينهما، ومع حصوله فالبطلان لأجله لا لأجل البكاء بعنوانه كما هو المدّعى. فلم ينهض دليل على البطلان ، ومن ثمّ استشكل فيه المحقِّق الأردبيلي(4) ، وتبعه صاحب المدارك (5) . إذن فالحكم مبني على الاحتياط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 7 : 247 / أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 4 .
(2) الوسائل 7 : 247 / أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 2 ، الفقيه 1 : 208 / 941 .
(3) الحدائق 9 : 50 .
(4) مجمع الفائدة والبرهان 3 : 73 .
(5) المدارك 3 : 466 .
ــ[499]ــ
بل وغير المشتمل عليه على الأحوط (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد عرفت انحصار المستند في رواية أبي حنيفة الضعيفة ، وعليه فان لم نقل بالانجـبار كما هو المخـتار فلا دليل على البطـلان حتّى في المشـتمل على الصوت فضلاً عن غير المشتمل .
وإن قلنا به كما عليه المشهور فالوارد في الخبر كلمة «البكاء» ممدودة والمعروف عند أهل اللّغة(1) أ نّها اسم للصوت مع الدمع ، في قبال المقصورة التي هي اسم للدمع بلا صوت . وعليه فيختص البطلان بما اشتمل على الصوت .
ودعوى عدم ثبوت كون المذكور في الخبر هو الممدود ، كدعوى عدم ثبوت ما هو المنقول عن اللّغة وجواز كون الكلمة اسماً لمطلق الدمع وإن خلت عن الصوت مدفوعة : أمّا الاُولى ، فباطباق النسخ الصحيحة على ضبط الكلمة ممدودة . على أنّ مجرّد الاحتمـال كاف في لزوم الاقتصار على المقدار المتـيقن والرجوع فيما عداه وهو الخالي عن الصوت إلى أصالة البراءة .
ومنه تعرف ما في الدعوى الثانية ، إذ غايتها أن يكون من إجمال المفهوم ودورانه بين الأقل والأكثر الّذي مقتضاه أيضاً لزوم الاقتصار على المقدار المتيقن .
وأمّا ما يظهر من الحدائق (2) من أنّ البحث عن اللّغة أو عن كيفية ضبط الكلمة قليل الجدوى ، إذ المذكور في الخـبر كلمة «بكى» بصيغة الماضي وهي مشتقّة من الجامع بين الممدود والمقصـور على ما هو الصواب من أنّ الأفعال مشتقّة ممّا تشتق منه المصادر لا من نفس المصادر ، فهي صادقة عليهما وشاملة لواجد الصوت وفاقده .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصحاح 6 : 2284 ، مجمع البحرين 1 : 59 .
(2) الحدائق 9 : 51 .
ــ[500]ــ
لاُمور الدُّنيا (1) وأمّا البكاء للخوف من الله ولاُمور الآخرة فلا بأس به ، بل هو من أفضل الأعمال(2) والظاهر أنّ البكاء اضطراراً أيضاً مبطل (3) ، نعم لا بأس به إذا كان سهواً (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيندفع : بأنّ المذكور في كلام الإمام (عليه السلام) وإن كان كذلك ، إلاّ أنّ السؤال لمّا كان عن حكم المصدر فلا جرم كان الاطلاق منزّلاً على ما في كلام السائل ، رعاية لتطابق الجواب مع السؤال . ومعه لا مجال للتمسّك بالاطلاق بعد الاقتران بما يصلح للقرينية .
فالمتحصِّل : أ نّه لا سبيل إلى إثبات المبطلية لغير المشتمل على الصوت بهذا الخبر ، ومقتضى الأصل البراءة عنها .
(1) فان مورد النص وإن كان هو البكاء لذكر الميّت ، لكن الظاهر بقرينة المقابلة مع ذكر الجنّة والنّار أنّ المراد به كل ما يتعلّق باُمور الدُّنيا من زوال نعمة أو الوقوع في نقمة ، وتخصيصه بالذكر إنّما هو من باب المثال .
(2) لجملة من الأخبار التي منها ما رواه الصدوق باسناده عن منصور بن يونس بُزُرج «أ نّه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتّى يبكي ، فقال: قرّة عين والله ، وقال: إذا كان ذلك فاذكرني عنده»(1) .
(3) لاطلاق النص بعد عدم صلوح حديث رفع الاضطرار لاثبات الصحّة كما تقدّم (2) في نظائر المقام من القهقهة ونحوها . نعم ، لا شبهة في ارتفاع الحرمة التكليفية على القول بحرمة قطع الفريضة .
(4) لا لحديث الرفع لما عرفت آنفاً ، بل لحديث لا تعاد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 7 : 247 / أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 1 ، الفقيه 1 : 208 / 940 .
(2) في ص 494 .
ــ[501]ــ
بل الأقوى عدم البأس به إذا كان لطلب أمر دنيوي من الله فيبكي تذلّلاً له تعالى ليقضي حاجته(1). ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لخروجه عن منصرف النص والفتـوى ، نظراً إلى ظهورهما في كون الباعث على البكاء فوات أمر دنيوي وعدم حصوله ، لا البكاء لأجل تحصيل الفائت تذلّلاً واسـتعطافاً ممّن أزمة الاُمور طراً بيده ، كيف ومثل هذا البكاء تصدق عليه المناجاة مع الرب فلا يكون مبطلاً .
ومنه يظهر حكم البكاء لما أصاب الدين من ضعف الاسلام والمسلمين ، أو لمصاب المعصومين (عليهم السلام) أو لفقد أحد من العلماء العاملين ، فان مرجع الكل إلى البكاء لأمر اُخروي لا دنيوي ليستوجب البطلان كما هو ظاهر .
|