ــ[510]ــ
العاشر : تعمد قول آمين ((1)) (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه .
ونسب إلى أبي الصلاح(2) وابن الجنيد(3) القول بالجواز وإن لم نتحقّق النسبة كما نسب المحقِّق(4) القول بالكراهة إلى قائل مجهول .
وعن المحقِّق في المعتبر(5) اختصاص المنع بالمنفرد . وكيف ما كان ، فالمتبع هو الدليل .
ويقع الكلام تارة : فيما تقتضيه القاعدة ، واُخرى: بالنظر إلى الروايات الخاصّة فهنا جهتان :
أمّا الجهة الاُولى : فالتأمين المبحوث عنه في المقام يتصوّر على أنحاء :
فتارة : يقصد به الجزئية كما قد تفعله جهلة العامّة وعوامّهم ـ فان علماءهم يقصدون به الاستحباب ـ ولا ريب حينئذ في البطلان، لكونه من الزيادة العمدية القادحة ، سواء أتى به جهراً أم سراً ، بعد الفاتحة أم في موضع آخر ، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً ، لاتِّحاد المناط في الكل .
واُخرى : يقصد به الدُّعاء ، أي طلب الاجابة بهذه الكلمة التي هي من أسماء الأفعال بمعنى ـ استجب ـ إمّا لما دعا هو بنفسه كما لو قصد عند قوله (اهْدِنا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يختص البطلان بما إذا قصد به الجزئيّة أو لم يقصد به الدُّعاء .
(2) حكاه عنه في الجواهر 10 : 2 .
(3) حكاه عنه في الدروس 1 : 174 .
(4) الشرائع 1 : 100 .
(5) المعتبر 2 : 186 .
ــ[511]ــ
الصِّراطَ المُستَقِيم ) القرآنية والدُّعاء معاً ، بناءً على جوازه كما تقدّم في محلّه (1) ، أو لما دعا به غيره كما لو سمع وقتئذ من يدعو فأمّن ، ولا ريب أيضاً في عدم البطلان في تمام الصور ، لعدم الضير في الدُّعاء والمناجاة مع الله تعالى أثناء الصلاة ، لما جاء في النص من أ نّه «كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فهو من الصلاة» (2) .
وثالثة : لا يقصد به شيئاً منهما ، كما لو أمّن تبعاً للقوم جهلاً منه بالمعنى لكونه من غير العرب مثلاً ، واللاّزم حينئذ هو الحكم بالبطلان ، لكونه من كلام الآدميين بعد عدم صدق الدُّعاء عليه ، لفقد القصد حسب الفرض .
وأمّا الجهة الثانية : فيستدل للمانعية بطائفة من الأخبار :
منها : صحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها ، فقل أنت : الحمد لله ربّ العالمين ، ولا تقل آمين» (3) .
بناءً على ظهور النهي في باب المركبات في الارشاد إلى الفساد ، وحيث إنّ ظاهرها ـ بقرينة النهي عن التأمين ـ كون الإمام من العامّة ، فهي ناظرة إلى ما يفعلونه من الاتيان بقصد الجزئية أو الاستحباب ولا تدل على المانعية فيما إذا قصد به الدُّعاء . فهي إذن مطابقة لما قدّمناه من القاعدة التي مقتضاها كما عرفت عدم الفرق بين الإمام والمأموم والمنفرد، ولا بين مواضع الصلاة وحالاتها وإن كان مورد الصحيحة خصوص المأموم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 14 : 498 .
(2) الوسائل 6 : 426 / أبواب التسليم ب 4 ح 1 .
(3) الوسائل 6 : 67 / أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 1 .
ــ[512]ــ
نعم ، لو سلّم دلالتها على المانعية المطلقة لزم الاقتصار على موردها وهو المأموم بعد القراءة ، وأمّا الإمام والمنفرد أو المأموم في موضع آخر فلا مانع لهم من الاتيان به بقصد الدُّعاء ، لقصور الصحيحة عن شمولها لهم .
ومنها : رواية محمّد الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) أقول : إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين ، قال : لا» (1) بالتقريب المتقدِّم ، وموردها الإمام والمنفرد لقوله : «إذا فرغت ... » إلخ ، وكأنّ القائل بالتعميم استند إليها بضميمة الصحيحة المتقدِّمة . ولكنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان فلا يمكن التعويل عليها .
ومنها : ما في حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك آمين ، فان شئت قلت : الحمد لله ربّ العالمين» (2) .
وموردها خصوص الإمام أو المنفرد ، وقد عبّر عنها بالمصححة في بعض الكلمات ، وليس كذلك ، فان هذه الفقرة لم تكن في رواية زرارة المعتبرة ، وإنّما ذكرت فيما رواه الصدوق (3) باسناده عنه ، وهو ضعيف لاشتماله على محمّد بن علي ماجيلويه ، فالطريق المعتبر خال عن هذه الزيادة ، وما اشتمل عليها ضعيف السـند ، وقد أشار صاحب الوسائل إلى الطريقين في الباب الأوّل من أفعال الصلاة الحديث الخامس والسادس (4) .
ومنها : صحيحة معاوية بن وهب قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أقول : آمين إذا قال الإمام (غير المَغْضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضّالِّين ) ، قال : هم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 67 / أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 3 .
(2) الوسائل 6 : 68 / أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 4 .
(3) علل الشرائع : 358 .
(4) الوسائل 5 : 463 .
ــ[513]ــ
اليهود والنصارى ولم يجب في هذا» (1) .
وهي كصحيحة جميل خاصّة بالمأموم وبعد الفاتحة . ويظهر من الجواهر(2) أنّ الجملة الأخيرة من زيادة صاحب الوسائل .
وكيف ما كان ، فيستشعر من السكوت والاعراض عن الجواب والتعرّض للتفسير ـ الظاهر في ابتنائه على التقيّة ـ عدم الجواز ، إذ لو كان جائزاً لصرّح به ، ولم يكن وجه لما ذكر كما أشار إليه في الوسائل .
بل احتمل في الجواهر(3) أن يكون قوله : «هم اليهود والنصارى» هو الجواب إيعازاً إلى أنّ هذا من عملهم عند تلاوة إمامهم في صلاتهم ، وتشنيعاً على العامّة المقتفين لأثرهم وإن لم يفهمه السائل وتخيّل أنّ هذا تفسير للآية لا جواب عن سؤاله ، فتكون الدلالة على المنع أظهر .
وربّما تعارض هذه النصوص بصحيحة اُخرى لجميل ظاهرة في الجواز ويجمع بينها بالحمل على الكراهة ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين ، قال : ما أحسنها واخفض الصوت بها» (4) .
بناءً على أنّ كلمة «ما» للتعجّب ، وأنّ قوله : «واخفض» إلخ ، أمر من الإمام (عليه السلام) بخفض الصوت لدى التأمـين ، ولعلّها هي المسـتند لمن خصّ الجواز بالاسرار .
وأمّا بناءً على كون الكلمة نافية وأنّ قوله : «واخفض ... » إلخ ، من كلام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 67 / أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 2 .
(2) ، (3) الجواهر 10 : 4 .
(4) الوسائل 6 : 68 / أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 5 .
ــ[514]ــ
بعد تمام الفاتحة (1) لغير ضرورة ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السائل أراد به أنّ الإمام (عليه السلام) أخفض صوته عند الجواب تقيّة . فهي إذن مطابقة للنصوص المتقدِّمة ، وتخرج عن المعارضة إلى المعاضدة .
ولكن الاحتمال الأخير ضعيف ، لأنّ خفض الصوت ثلاثي مجرّد ولم يعهد استعماله من باب الافعال ، فلا يقال أخفض صوته ، بل الصحيح خفض ، وحيث إنّ الموجود في الصحيحة رباعي فيتعيّن كونه من كلام الإمام (عليه السلام) وأمراً منه بالخفض كما عرفت . فلا مناص من الاذعان بالمعارضة .
إلاّ أنّ الجمع المزبور في غاية الضعف ، ضرورة أنّ أقل مراتب الاستحسان الّذي دلّت عليه هذه الصحيحة هو الاستحباب وهو مضاد مع الكراهة ، فكيف يمكن حمل تلك النصوص عليها . بل المتعيِّن في مقام الجمع هو الحمل على التقيّة لموافقتها للعامّة .
والمتحصِّل من جميع ما تقدّم : أنّ عمدة الدليل على المنع إنّما هي الصحيحة الاُولى لجميل ، فان قلنا بانصرافها إلى ما هو المتعارف بين العامّة من الاتيان بقصد الجزئية فالحكم إذن مطابق للقاعدة ، ومقتضاها عدم الفرق بين المأموم وغيره ، ولا ما بعد الفاتحة أو موضع آخر .
وإن قلـنا بدلالتها على المنع المطلق حتّى بقصد الدُّعـاء ، فحيث إنّه مخالف للقاعدة، فلا بدّ من الاقتصار على موردها . وعلى التقديرين(1) فيختص البطلان فيما إذا قصد به الجزئية أو لم يقصد به الدُّعاء كما أشار إليه سيِّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الأنيقة واتّضح وجهه ممّا مرّ فلاحظ .
(1) لاختصاص النصوص بذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ الصحيح أن يُقال : وعلى التقدير الأوّل وهو الظاهر ... ] .
ــ[515]ــ
من غير فرق بين الاجهار به والاسرار ، للإمام والمأموم والمنفرد (1) ، ولا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدُّعاء (2) ، كما لا بأس به مع السهو (3) وفي حال الضرورة (4) بل قد يجب معها ، ولو تركها أثم لكن تصح صلاته على الأقوى (5) . ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لاسـتفادة التعمـيم من مجموع النصـوص ، مضافاً إلى إطـلاق معاقد الاجماعات .
(2) لأنّ ذلك هو مقتضى القاعدة مع عدم ورود نص على خلافها .
(3) لحديث لا تعاد الشامل باطلاقه للموانع .
(4) لعموم أدلّة التقيّة التي مقتضاها صحّة العمل الموافق لها في مثل المقام .
(5) من غير فرق بين اعتقاد العامّة جزئية التأمين ، كما لعلّه الشائع عند جهّالهم ، أو عـدمها كما يراه علماؤهم ، إذ لا يسـتفاد من أدلّة التقـيّة أكثر من الوجوب النفسي لا جزئية ما يتقى فيه ليسـتوجب فقده البطلان . وإن شئت قلت : غاية ما يترتّب في المقام على أدلّة التقيّة إنّما هو رفع المانعية لا قلبها إلى الجزئية .
|