مقتضى الأصل العملي عند الشك في وجوب القضاء (هل القضاء بأمر جديد) 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4518


ــ[67]ــ

 فصل

في صلاة القضاء

   يجب قضاء اليومية الفائتة عمداً، أو سهواً، أو جهلا (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ينبغي التكلّم أوّلا فيما يقتضيه الأصل العملي عند الشكّ في وجوب القضاء، ثمّ التعرّض للموارد التي ثبت الوجوب فيها حسب الأدلّة الاجتهادية فهنا جهتان:

   أمّا الجهة الاُولى: فالمعروف بينهم أنّ القضاء إنّما هو بأمر جديد متعلّق بعنوان الفوت، ولا يكاد يتكفّل باثباته نفس الأمر الأوّل، فانّه متقيّد بالوقت الخاص، فيسقط لا محالة بخروج الوقت، فاذا شكّ في ثبوت الأمر الجديد كان مقتضى الأصل البراءة عنه.

   إلاّ أنّه ربما يتمسّك لبقاء الأمر الأوّل بعد خروج الوقت بالاستصحاب بدعوى أنّ خصوصية الوقت تعدّ بنظر العرف من الحالات المتبادلة لا من مقوّمات الموضوع، بحيث يكون الشكّ في ثبوت الحكم بعد خروج الوقت شكّاً في بقاء الحكم الأوّل واستمراره، ولا ريب في أنّ المدار في اتّحاد القضية المتيقّن بها والمشكوك فيها هو نظر العرف.

   ويرد على ذلك أوّلا: أنّ الاستصحاب لايجري في الشبهات الحكمية كما حقّقنا ذلك في محلّه(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3: 36.

ــ[68]ــ

   وثانياً: أنّه على فرض التسليم فهو غير جار في خصوص المقام، لكونه من القسم الثالث من استصحاب الكلّي، ولا نقول به، فانّ شخص الوجوب الثابت في الوقت قد ارتفع بخروجه قطعاً، لأنّه كان محدوداً بزمان خاص على الفرض.

   والظاهر من الدليل هو كون الفعل مطلوباً في الزمان الخاص بنحو وحدة المطلوب، فينتهي الحكم لا محالة بانتهاء أمده حتّى مع تسليم كون الوقت بنظر العرف من قبيل الحالات المتبدّلة دون المقوّمات، فلا معنى لجريان الاستصحاب حينئذ إلاّ إجراؤه في كلّي الوجوب المحتمل بقاؤه في ضمن فرد آخر حدث مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل أو قارنه في الوجود، لكنّه على كلا التقديرين غير مقطوع الثبوت. وقد حقّق في محلّه عدم حجيّة هذا القسم من استصحاب الكلّي(1).

   وثالثاً: أنّه على فرض تسليم عدم ظهور الدليل في وحدة المطلوب، وتسليم كون الوقت من قبيل الحالات المتبدّلة - وكلّ ذلك فرض في فرض - فالاستصحاب إنّما يتّجه على القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي، نظراً إلى أنّ الوجوب في الوقت إذا كان بنحو وحدة المطلوب فقد ارتفع بخروج الوقت قطعاً، وإذا لم يكن كذلك بل كان على نحو تعدّد المطلوب فهو باق قطعاً فيدور الأمر في الوجوب المذكور بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء.

   والاستصحاب في هذا القسم وإن كان جارياً في نفسه - كما ثبت في محلّه(2) - بأن يستصحب الكلّي الجامع بين الفرد القصير والفرد الطويل، إلاّ أنّه لا يكاد يجرى في خصوص المقام، وذلك للأصل الحاكم عليه وهو أصالة عدم تعلّق الوجوب بالطبيعي الجامع بين المأتي به في الوقت وخارجه.

   فانّ المتيقن به من الجعل إنّما هو إيجاب الصلاة المقيّدة بالوقت سواء أكان ذلك بنحو وحدة المطلوب أم على سبيل التعدّد فيه، حيث إنّ القائل بتعدّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)، (2) مصباح الاُصول 3: 114، 105.

ــ[69]ــ

المطلوب أيضاً يرى وجوب الصلاة المقيّدة بالوقت أحد المطلوبين، والمفروض تسالم الطرفين على ارتفاع هذا الوجوب بعد خروج الوقت، فلا يكون بقاؤه مشكوكاً فيه كي يجري استصحابه بنفسه أو استصحاب الكلّي الموجود في ضمنه.

   وأمّا الزائد على هذا المقدار - وهو ممّا ينفرد به القائل بتعدّد المطلوب، أي تعلّق الوجوب بالطبيعي المطلق الشامل لما بعد خروج الوقت - فهو مشكوك الحدوث من الأوّل، وحينئذ فيتمسّك في نفيه بالاستصحاب أو أصالة البراءة عنه، ومع وجود هذا الأصل الحاكم المنقّح للموضوع والمبيّن لحال الفرد لا تصل النوبة إلى استصحاب الكلّي كما لا يخفي.

   وبكلمة واضحة: أنّ الفارق بين المقام وبين سائر موارد القسم الثاني من استصحاب الكلّي - كموارد دوران الأمر بين البق والفيل في المثال المعروف، أو دوران الأمر بين الحدث الأصغر والأكبر، وغيرهما من موارد الدوران بين الفرد القصير والطويل - يتلخّص في أنّ الفردين المردّدين في تلك الموارد يعدّان بنظر العرف متباينين، وحينئذ فلا يوجد هناك أصل يتكفّل بتعيين أحدهما
فانّ استصحاب عدم كلّ منهما يعارضه استصحاب عدم الآخر.

   وهذا بخلاف المقام، حيث يدور الأمر فيه بين الأقل والأكثر، فانّ الأصل المنقّح لأحد الفردين - وهو أصالة عدم وجود الزائد على القدر المتيقّن به - موجود، ولا يعارض هذا أصالة عدم تعلّق التكليف بالمتقيّد بالوقت، لما عرفت من كونه المتيقّن به بحسب الجعل على كلّ تقدير، وأنّه من المتّفق عليه بين الطرفين.

   فتحصّل من ذلك: سقوط الاستصحاب في المقام، فيكون المرجع عندئذ أصالة البراءة عن القضاء.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net