حكم فاقد الطهورين - قضاء الجمعة ظهراً لمن تركها حتى خرج وقتها 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7113


ــ[116]ــ

   [1783] مسألة 7: فاقد الطهورين يجب عليه القضاء، ويسقط عنه الأداء (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زرارة وغيره ممّا تقدمت الإشارة إليه(1) ، فانّ التكليف بالأداء في الوقت وإن كان ساقطاً عنه إلاّ أنّ ذلك لأجل العجز، لا لأجل التخصيص في دليل الوجوب. فالتكليف به ولو شأناً كان متوجّهاً نحوه، وهو كاف في صدق الفوت الموجب للقضاء، كما في النائم على ما مرّ تفصيله(2).

   نعم، قد يقال في المقام بعدم الوجوب، استناداً إلى التعليل الوارد في نصوص الإغماء(3) من أنّ «ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر»، فانّ السكر إذا كان خارجاً عن الاختيار مشمول لعموم العلّة المذكورة.

   لكنّك عرفت فيما سبق عدم دلالة النصوص المذكورة على التعليل في موردها فضلا عن التعدّي إلى غيره، فانّ ما اشتمل منها على التعليل المذكور كان ضعيف السند أو الدلالة على سبيل منع الخلو فلاحظ.

 حكم فاقد الطهورين:

   (1) أمّا سقوط الأداء فلما تكررّ في مطاوي هذا الشرح وأشرنا إليه في الاُصول في مبحث الصحيح والأعم(4) من أنّ المستفاد من حديث التثليث الوارد في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود»(5) هو اعتبار الطهارة - كالركوع والسجود - في حقيقة الصلاة، وأنّ ماهيتها إنّما تتألّف من هذه الاُمور

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 70، 71.

(2) في ص 69 وما بعد.

(3) المتقدمة في ص 73 وما بعدها.

(4) محاضرات في اُصول الفقه 1: 164.

(5) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

ــ[117]ــ

الثلاثة، فهي دخيلة في مقام الذات وتعدّ من المقوّمات، وعليه فالفاقد لأحد هذه الاُمور ليس بصلاة في نظر الشرع.

   وهذا بخلاف سائر الأجزاء والشرائط، فانّها اُمور معتبرة في المأمور به ومن جملة مقوّماته، لا من مقوّمات الماهيّة بحيث يدور مدارها اسم الصلاة وعنوانها، حتّى فيما كان لسان دليل اعتباره مشابهاً للطهارة كما في الفاتحة والقبلة حيث ورد: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(1) أو «إلى القبلة»(2) كما ورد: «لا صلاة إلاّ بطهور»(3) ممّا هو ظاهر في نفي الحقيقة بانتفاء الجزء المذكور.

   وذلك لأنّا قد استفدنا من الخارج صحّة الصلاة الفاقدة لفاتحة الكتاب أو القبلة - ولو في الجملة - كما في صورة العجز، فقد ورد في من لم يحسن القراءة أنّه يقرأ ما تيسّر من القرآن(4) ، وأنّها لا تعاد بنسيانها(5).

   كما أنّه ورد في بعض الفروض: أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة(6). حيث يستكشف من هذا كلّه: أنّ دليل اعتبارهما وإن كان ظاهراً في حدّ نفسه في نفي الحقيقة إلاّ أنّه بملاحظة ما ذكرنا يحمل على ضرب من المبالغة، اهتماماً بالأمرين المذكورين من بين سائر الأجزاء والشرائط.

   إلاّ أنّه بالنسبة إلى الطهور والركوع والسجود لم يرد ما يقتضي صرف أدلّة اعتبارها عن ظاهرها، فتبقى هي بضميمة حديث التثليث على ظاهرها من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5 [ولا يخفى أنّ هذه الرواية مرسلة، ولعلّ المقصود مضمونها، وهو صحيحة محمد بن مسلم الواردة في الوسائل 6: 37 / أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 1].

(2) الوسائل 4: 300/ أبواب القبلة ب 2 ح 9.

(3) الوسائل 1: 365/ أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(4) [وهو ما يستفاد من صحيح ابن سنان في الوسائل 6: 42/ أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1 كما ذكره في شرح العروة 14: 420].

(5) الوسائل 6: 88/ أبواب القراءة في الصلاة ب 28، 29.

(6) الوسائل 4: 312/ أبواب القبلة ب 9 ح 2.

ــ[118]ــ

اقتضائه انتفاء الحقيقة بانتفاء أحدها، فيستفاد من ذلك كونها من المقوّمات وأنّها دخيلة في مقام الذات.

   ثمّ إنّه لا يكاد يتصوّر - غالباً - العجز عن السجود والركوع، وذلك لوجود المراتب الطولية لهما، نظراً إلى أنّ العاجز عن الركوع الاختياري وظيفته الركوع جالساً، ثم الإيماء، ثم غمض العين وفتحها. وهكذا الحال في السجود.

   وهذا بخلاف الطهور فانّه يتحّقق العجز بالنسبة إليه كما في فاقد الطهورين وحينئذ فيكون العجز عن المقّوم للشيء - وهو الطهارة - عجزاً عن الشيء نفسه، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، فيستحيل تعلّق التكليف بالصلاة المشروطة بالطهارة، لامتناع تعلّق الخطاب بأمر غير مقدور.

   ولا يقاس ذلك بباقي الأجزاء والشرائط، لوجود الفارق وهو كونها من مقوّمات المأمور به دون الماهية، وعليه فالنتيجة هي سقوط التكليف بالصلاة أداء.

   فان قلت: كيف ذلك وقد ورد في الحديث: أنّ الصلاة لا تسقط بحال؟.

   قلت: الموضوع لعدم السقوط بحال إنّما هي الصلاة، وهي اسم لما يتركّب من الاُمور الثلاثة التي منها الطهارة بمقتضى حديث التثليث، فالفاقد لها ليس بمصداق للصلاة، ولا ينطبق عليه عنوانها بنظر الشارع الذي هو المبيّن لماهيتها والشارح لحقيقتها، فليس العمل الفاقد للطهارة من حقيقة الصلاة في شيء وإن كان مشاكلا لها في الصورة، ومع هذا كيف يصحّ التمسّك بالحديث المذكور بعدما لم يكن له موضوع أصلا.

   وأمّا المناقشة في سند الحديث فيدفعها أنّه وإن لم يرد بهذا اللفظ في لسان الأخبار، وإنّما هو من الكلمات الدائرة على ألسنة الفقهاء، لكن مضمونه وارد في صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة، وهو قوله (عليه السلام): «ولا تدع الصلاة على حال»(1) ، إذ لا شك في عدم اختصاص المستحاضة بالحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

ــ[119]ــ

وإن كان الأحوط الجمع بينهما(1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المذكور، لعدم احتمال الفرق بينها وبين سائر المكلّفين من هذه الجهة، فبعد إلغاء الخصوصية عن المورد يكون مفادها عاماً يشمل جميع المكلّفين. والظاهر أنّ العبارة الدائرة على ألسنة الفقهاء متصيّدة من هذه الصحيحة.

   وكيف ما كان، فلا مجال للتمسّك بالحديث في المقام، لما عرفت من أنّه وإن كان حاكماً على أدلّة الأجزاء والشرائط ومبيّناً لاختصاصها بحال التمكّن إلاّ أنّ الحكومة فرع صدق اسم الصلاة كي يتأتّى المجال للدليل الحاكم، والمفروض هو انتفاء الصدق بانتفاء ما يقوّمه بنظر الشارع، فلا صلاة في البين كي يحكم عليها بعدم السقوط، وإنّما هناك صورة الصلاة، ولا دليل على وجوب الإتيان بهذه الصورة، هذا.

   ومع الشك في الوجوب فالمرجع هي أصالة البراءة، وهذا بخلاف سائر الأجزاء، فانّ عنوان الصلاة منطبق على فاقدها، فيشملها الدليل المذكور.

   وأمّا وجوب القضاء عليه فلإطلاق الفوت المأخوذ موضوعاً للحكم المذكور، فانّ العبرة في القضاء بفوت التكليف ولو شأناً. وإن شئت فقل: إنّ الاعتبار بفوات الملاك، ولا شك في تماميته في المقام ونظائره - كالنوم والنسيان - ممّا استند فيه سقوط التكليف في الوقت إلى العجز، لا إلى تخصيص دليل الوجوب كما في الحيض ونحوه.

   كما يفصح عن ذلك ما دلّ على وجوب القضاء على النائم والناسي(1) ، حيث لا مجال لاحتمال اختصاص الحكم بالموردين، بل المستفاد من ذلك الضابط الكلّي وهو ما عرفت من ثبوت القضاء في جميع موارد العجز ومنها المقام لأجل تمامية الملاك.

   (1) عملا بالعلم الإجمالي بوجوب أحد التكليفين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدم في ص 70 وما بعدها.

ــ[120]ــ

   [1784] مسألة 8: من وجب عليه الجمعة إذا تركها حتّى مضى وقتها أتى بالظهر إن بقي الوقت، وإن تركها أيضاً وجب عليه قضاؤها لا قضاء الجمعة (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بلا إشكال في ذلك ولا خلاف، واستدلّ له تارة بالإجماع واُخرى بصحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة، قال: يصلّي ركعتين، فان فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعاً...»(1).

   وناقش المحقّق الهمداني (قدس سره)(2) في الصحيحة بأنّ موردها صورة انعقاد الجمعة وعدم إدراك الإمام، فهي ناظرة إلى مسألة اُخرى، وهي أنّه لا جمعة بعد الجمعة، وأجنبية عن صورة عدم انعقاد الجمعة رأساً حتى مضى وقتها.

   ومن ثمّ استدلّ (قدس سره) للحكم المذكور بعد الإجماع - وهو العمدة - بوجه آخر، وهو أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ الواجب يوم الجمعة إنّما هي أربع ركعات، غير أنّه لدى استجماع الشرائط تقوم الخطبتان مقام الركعتين الأخيرتين فيؤتى بالصلاة فيه ركعتين، وهذا إنّما ثبت في الوقت، وأمّا في خارجه فيكفي في عدم مشروعية قضائها بهذه الكيفية أصالة عدم المشروعية. فاللازم هو الإتيان بأربع ركعات - وهي الفريضة الواجبة على كلّ مكلف - بعد فقد الدليل على الاجتزاء بغيرها.

   أقول: الذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّه لا ريب في كون صلاة الجمعة من الواجبات المضيّقة، وينتهي وقتها بصيرورة ظل كلّ شيء مثله أو بمضي ساعة من النهار أو بغير ذلك على اختلاف الأقوال. وعلى أيّ حال فانّ وقتها مضيّق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 345/ أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 3.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 432 السطر 16.

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net