الجهل بالسابق واللاحق فواتاً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5786


ــ[140]ــ

   ولو جهل الترتيب وجب التكرار (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأذان والإقامة عند تصدّي المكلّف للقضاء، وأنّه يكفيه أذان الصلاة الاُولى من الصلوات التي يقضيها، ولا يجب عليه الأذان لكلّ قضاء، ثمّ يصلّي باقامة إقامة لكّل واحدة من الصلوات التي يقضيها ما دام متشاغلا بالقضاء في مجلس واحد.

   فاذا فرضنا أنّه انقطع عن القضاء فترة ثمّ أراد التشاغل به بعد ذلك كان عليه أيضاً الأذان للاُولى فيصلّيها باذان وإقامة، ويأتي بعد ذلك بما شاء قضاءً باقامة إقامة لكلّ واحدة منها بدون الأذان، وهكذا.

   وعلى الجملة: أنّ هذا الذي ذكرناه غير بعيد عن سياق الرواية، بل لعلّه هو الظاهر منها، سيما بملاحظة الفاء في قوله (عليه السلام): «فأذّن» الكاشفة عن أنّ قوله (عليه السلام): «فابدأ بأوّلهنّ...» توطئة وتمهيد لبيان حكم قضاء الصلوات من حيث الأذان والإقامة، فيكون النظر مقصوراً على بيان الحكم المذكور، من دون نظر إلى الفوائت أنفسها من حيث السبق واللحوق في الفوت.

   كما يؤيّده عدم التعرّض في الرواية للترتيب بين الاُولى وما عداها في الصلوات الفائتة، وعليه فيكون مفاد الرواية مطابقاً لما دلّ عليه صحيح محمّد ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلّى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثمّ ذكر بعد ذلك، فقال: يتطهّر ويؤذّن ويقيم في قضاء اُولاهن ثمّ يصلّي، ويقيم بعد ذلك في كلّ صلاة فيصلّي بغير أذان حتّى يقضي صلاته»(1).

   فالمتحصّل: أنّه لا دلالة لشيء من النصوص على اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت غير المرتّبة في نفسها، والمرجع بعد الشك أصالة البراءة.

   (1) أمّا بناءً على عدم اعتبار الترتيب - كما هو الصحيح - فلا ريب في جواز

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 254/ أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3.

 
 

ــ[141]ــ

إلاّ أن يكون مستلزماً للمشقّة التي لا تتحمّل من جهة كثرتها (1) فلو فاتته ظهر ومغرب ولم يعرف السابق صلّى ظهراً بين مغربين أو مغرباً بين ظهرين وكذا لو فاتته صبح وظهر، أو مغرب وعشاء من يومين، أو صبح وعشاء أو صبح ومغرب، ونحوها ممّا يكونان مختلفين في عدد الركعات. وأمّا إذا فاتته ظهر وعشاء، أو عصر وعشاء، أو ظهر وعصر من يومين ممّا يكونان متّحدين في عدد الركعات فيكفي الإتيان بصلاتين بنية الاُولى في الفوات والثانية فيه، وكذا لو كانت أكثر من صلاتين، فيأتي بعدد الفائتة بنية الاُولى فالاُولى.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقديم ما هو المتأخّر فواتاً حتى مع العلم بالسابق واللاحق كما هو ظاهر.

   وأمّا بناءً على اعتباره فهل يختصّ ذلك بحال الإحراز فلا يعتبر الترتيب مع الجهل، أو أنّه شرط واقعي يعمّ الصورتين؟ الظاهر هو الثاني لإطلاق الدليل كما هو الشأن في بقية الأجزاء والشرائط، حيث إنّها اُمور واقعية معتبرة في المأمور به، سواء أكان المكلّف عالماً بها أم كان جاهلا.

   وعليه فيكون اللازم في مورد الجهل الاحتياط بالتكرار إلى أن يحصل العلم بتحقّق الشرط المذكور، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي فراغاً مثله.

   (1) فيسقط بدليل نفي الحرج. وهل الساقط حينئذ هو اعتبار الترتيب من أصله، أو خصوص الحدّ المستلزم للحرج فيحتاط بالتكرار إلى حدٍّ يستلزم الاستمرار فيما بعده الحرج؟

   الظاهر هو الثاني، لعدم المقتضي للسقوط رأساً. ودليل نفي الحرج إنّما ينفي الاحتياط بالمقدار المستلزم للحرج، فهذه المرتبة من الاحتياط هي الساقط وجوبها بدليل نفي الحرج، وأمّا المقدار الذي لم يبلغ هذا الحدّ فلا موجب لسقوطه، فانّ فعلية الحكم تتبع فعلية موضوعه. وبالجملة: فلا مناص من الاحتياط ما لم يلزم منه الحرج.

   فاذا كانت الفائتة أوّلا مردّدة بين مختلفي العدد كالصبح والمغرب مثلا صلّى

ــ[142]ــ

صبحاً بين مغربين أو مغرباً بين صبحين، فتقع إحداهما زائدة. ولا ضير في الزيادة للزوم الإتيان بها من باب المقدّمة العلمية.

   كما أنّه لا ضير في التكرار احتياطاً - كما في سائر موارد الاحتياط المستلزم للتكرار - بعد حصول قصد القربة المعتبر في العبادة ولو على وجه الرجاء في كلّ واحد من الأطراف.

   غايته فقد قصد التمييز حينئذ، وهو غير معتبر، لعدم الدليل عليه. وعلى فرض الاعتبار فهو خاصّ بصورة التمكّن منه، وأمّا مع العجز عنه كما في أمثال المقام فهو ساقط بلا إشكال.

   ومنه يظهر الحال في سائر ما أورده الماتن (قدس سره) من الأمثلة للفائتتين مختلفتي العدد.

   وأمّا إذا تردّدت الفائتة أوّلا بين صلاتين متّحدتي العدد كظهر وعشاء، أو عصر وعشاء، أو صبح وعشاء بالنسبة إلى المسافر، أو ظهر وعصر من يومين أو كانت الفائتة صلاة واحدة مردّدة بين صلاة الظهر وصلاة العصر ولو من يوم واحد، فانّه لا حاجة إلى التكرار في شيء من ذلك، بل إنّه يكفي في الأخير الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، كما أنّه يكفي فيما عداه الإتيان بصلاتين بنية الاُولى في الفوات والثانية فيه. كما أنّ الفائتة لو كانت أكثر من اثنتين كان عليه أن يأتي بعددها بنية الاُولى فالاُولى.

   والوجه في ذلك كلّه هو كفاية قصد القربة إجمالا في تحقّق العبادة، ولا حاجة إلى قصدها تفصيلا، وأنّ التمييز غير معتبر في ذلك.

   وهذا ظاهر فيما إذا تساوت الفائتتان من حيث الجهر والإخفات، كما إذا تردّدتا بين الصبح والعشاء في حقّ المسافر، أو الظهر والعصر من يومين.

   وكذا الحال مع الاختلاف في ذلك كما إذا دار الأمر بين العصر والعشاء وذلك لسقوط اعتبار الجهر والإخفات في مفروض المقام، ويدلّ عليه:

   أوّلا: صحيحة علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: من نسي من صلاة يومه واحدة، ولم يدر أيّ صلاة هي

ــ[143]ــ

صلّى ركعتين وثلاثاً وأربعاً»(1).

   فانّ الاكتفاء بأربع ركعات عن الفائتة المردّدة بين الجهرية والإخفاتية يكشف عن سقوط اعتبار الجهر والإخفات في قضاء المردّدة بينهما كما في المقام فانّه يصدق على الاُولى بوصف كونها كذلك أنّها مردّدة بين العصر والعشاء - مثلا - من يوم واحد، وقد حكم الإمام (عليه السلام) فيه بالاجتزاء بأربع ركعات. وكذلك الحال في الفائتة الثانية بوصف كونها كذلك. فينتج جواز الإتيان بصلاتين، بلا حاجة إلى التكرار، لعدم اعتبار الجهر والإخفات حينئذ، هذا بحسب الدلالة.

   وأمّا من حيث السند فقد أشرنا في بعض المباحث السابقة ولا سيما عند التعرّض لمرسلة يونس الطويلة(2) إلى أنّ التعبير بـ (غير واحد من أصحابنا) أو (جماعة من أصحابنا) يكشف عن كثرة رواة الحديث، بحيث يجد الرواي نفسه في غنى عن ذكر أسمائهم، وكون صدور الخبر بنظره مسلّماً ومفروغا عنه ولذلك أجمل في مقام التعبير عنهم.

   ومن البعيد جدّاً أن يكونوا على كثرتهم كلّهم ضعفاء، بل تطمئنّ النفس بوجود الثقة فيهم ولا أقل من الواحد. فلا يقاس ذلك بقوله: (عن رجل) أو (عمّن أخبره) ونحوهما، للفرق الواضح بين التعبيرين كما لا يخفى.

   وعليه فلا يعامل مع هذه الرواية ونظائرها - كمرسلة يونس الطويلة - معاملة المراسيل، فالمناقشة فيها من حيث السند ساقطة أيضاً. وأمّا علي بن أسباط نفسه فقد وثّقه النجاشي صريحاً(3).

   وتؤيّدها مرفوعة الحسين بن سعيد قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي من الصلوات لا يدري أيّتها هي، قال: يصلّي ثلاثاً وأربعاً وركعتين، فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعاً، وإن كانت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 275/ أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 1.

(2) شرح العروة 7: 149.

(3) رجال النجاشي: 252/663.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net