ــ[204]ــ
[1813] مسألة 1: لايكفي في تفريغ ذمّة الميّت إتيان العمل وإهداء ثوابه (1) بل لابدّ إما من النيابة عنه بجعل نفسه نازلا منزلته، أو بقصد إتيان((1)) ما عليه له ولو لم ينزّل نفسه منزلته(2)، نظير أداء دين الغير. فالمتبّرع بتفريغ ذمّة الميّت له أن ينزّل نفسه منزلته، وله أن يتبّرع بأداء دينه من غير تنزيل، بل الأجير أيضاً يتصوّر فيه الوجهان، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائباً، بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميت وأداء دينه الذي لله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجميع.
ويؤكّد ذلك ما ورد في زيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) من التسليم عليه نيابة عن جميع الأقرباء ثمّ إخبارهم بتبليغه السلام عليه عنهم(2) مع صدقه في ذلك. وهي وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أنّها تصلح للتأييد بها.
بل يمكن القول بأنّ الحكم في خصوص باب الزيارة على طبق القاعدة من دون حاجة إلى ورود النصّ عليه، لقيام السيرة العقلائية على ذلك فضلا عن سيرة المتشرّعة، فقد جرت العادة على إيفاد من يمثّلهم في المجاملات والمناسبات عند العجز عن المباشرة، أو لغير ذلك من الموجبات، وهو شائع ومتعارف عند أهل العرف.
(1) لوضوح عدم كفاية الإتيان بالعمل عن نفسه في تفريغ ذمّة الميّت وإن أهدى إليه ثوابه، ما لم يستند العمل إليه ويضاف إلى الميّت نفسه. ومجرّد الإهداء المزبور لا يصحّح الإضافة والاستناد بوجه.
حقيقة النيابة:
(2) ذكر (قدس سره) في بيان حقيقة النيابة وجهين:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو المتعيّن، والتنزيل يرجع إليه، وإلاّ فلا أثرله.
(2) الوسائل 14: 357 / أبواب المزار ب 14 ح 1.
ــ[205]ــ
أحدهما: تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه، فكأنّه هو هو، وكأنّ فعله هو فعله.
ثانيهما: إضافة العمل إليه والإتيان به بقصد ما ثبت في ذمّته، نظير التبرّع بأداء الدين.
أمّا الوجه الأوّل: وهو التنزيل، فانّما ينفع ويترتّب عليه الأثر إذا صدر ممّن بيده الجعل والاعتبار، فانّه مجرّد ادعاء وفرض أمر على خلاف الواقع، فلا يملكه إلاّ من بيده زمام الاُمور، وهو الشارع الأقدس، ولا يكاد يصح ذلك من آحاد المكلّفين الذين هم بمعزل عن مقام التشريع، والمفروض عدم قيام دليل على التنزيل في خصوص المقام.
ثمّ إنّه على تقدير التسليم بتصدّي الشارع للتنزيل في المقام فلازمه أن يكون الفعل الصادر من النائب بذاته بمثابة الفعل الصادر عن المنوب عنه، من دون حاجة إلى اعتبار قصد النائب ذلك، بل حتّى وإن كان المباشر للعمل قد قصد الإتيان بالفعل عن نفسه، فانّ المفروض هو تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فيكون هو هو وفعله فعله. وهو كما ترى، لا يظنّ الالتزام به من أحد، بل هو باطل جزماً.
نعم، ورد نظيره في من سنّ سنّة حسنة أو سيّئة، وأنّ له أجرها وأجر من عمل بها أو وزرها ووزر من عمل بها، فيؤجر السانّ أو يحمل الوزر بمجرّد صدور الفعل المذكور عن غيره ممّن تبعه وإن لم يقصد التابع عنه. لكن ذلك إنّما يرتبط بمقام الجزاء على العمل والثواب والعقاب، ولا يرتبط بمرحلة استناد العمل نفسه وحصول تفريغ ذمّة الغير به كما هو محلّ الكلام.
وعلى الجملة: إن اُريد تحقّق التنزيل المذكور من قبل الشارع فلا دليل عليه وإن اُريد تحقّقه من قبل المكلّف نفسه فلا يكاد يترتّب عليه الأثر. فالتنزيل بالمعنى المتقدّم لا محصّل له، اللّهم إلاّ أن يرجع ذلك إلى الوجه الثاني.
وأمّا الوجه الثاني: وهو إضافة الفعل وإسناده إلى المنوب عنه والإتيان به بقصد أدائه عنه وبداعي تفريغ ذمّته، نظير التبرّع باداء دين الغير، فهذا في حدّ
ــ[206]ــ
نفسه وإن كان على خلاف القاعدة، بلا فرق في ذلك بين باب الدين وغيره من العبادات والتوصّليات، فانّ الإسناد إلى الغير بمجرّده لا يصيّر العمل عملا للغير، بحيث يترتّب عليه تفريغ ذمّته عنه، إلاّ أنّه لا مانع من الالتزام به إذا ساعد عليه الدليل.
ودعوى كون الحكم في باب الدين على طبق القاعدة، فانّ المال الذي يدفعه المتبرّع - كدينار مثلا - مصداق حقيقي لما اشتغلت به ذمّة المدين، فيقع هذا العمل مصداقاً للوفاء بالدين قهراً من دون توقّف في ذلك على قيام دليل شرعي عليه. مدفوعة بأنّ الدينار في مفروض المثال إنّما يكون مصداقاً حقيقة لكلّي الدينار، لا الكلّي المضاف إلى ذمّة المدين الذي هو متعلّق الدين.
وقد ذكرنا في بحث المكاسب(1) أنّ الكلّي بما هو كلّي لا مالية له، ولا يكاد يملكه أحد، وإنّما المالية الاعتبارية من العقلاء ثابتة للكلّي عند إضافته إلى ذمّة من تعتبر ذمّته عندهم، وبهذا الاعتبار صحّ بيعه وشراؤه، وصحّ بذل الأموال بازائه، ووقع متعلّقا لحقّ الدائن وغير ذلك من آثار الملك. وأما مع الغض عن هذه الإضافة فهو كسراب بقيعة، لا يكاد يبذل بازائه شيء من المال بتاتاً.
وعلى الجملة: فالدينار في المثال وإن كان مصداقاً للكلّي بما هو كلّي ويكون انطباقه على المدفوع قهريّاً، لكن هذا الكلّي ليس ممّا تعلّق به الحقّ كي يتّصف الفعل بكونه وفاء للدين، وإنّما الذي يستحقّه الدائن هو الكلّي المضاف إلى ذمّة المدين، وهو الذي اشتغلت ذمّته به بواسطة الدين.
ومن الواضح أنّ الدينار المدفوع لا يكون مصداقاً لهذا الكلّي ولو كان قصد الدافع هو الوفاء بما اشتغلت به ذمّة المدين، لعدم تأثير القصد المذكور في صيرورة المال المدفوع مصداقاً للكلّي بالعنوان المزبور كما لا يخفى.
وكيف ما كان، فلا ينبغي الإشكال في كون الحكم بتفريغ الذمّة بذلك على خلاف القاعدة كما ذكرناه، إلاّ أنّه بعد قيام الدليل عليه شرعاً ينبغي رفع اليد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقاهة 2: 16.
|