الماء المستعمل الكثير 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6549


    الماء المستعمل الكثير :

   (1) إذا بنينا على أن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو في الاستنجاء أو في

ــ[326]ــ

سائر الأخباث على تقدير طهارته كما في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل لا يرفع الحدث فهل يختص هذا بالماء القليل أو يعم الكثير أيضاً ؟

   الصحيح أن المنع يختص بالقليل ، والمسألة اتفاقية بين الأصحاب . وقد ذكر المحقق (قدس سره) في المعتبر أن هذا المنع عن الاستعمال حتى في الكثير لو تمّ لمنع من الاغتسال في البحر أيضاً فيما اغتسل فيه جنب أو استنجى به أحد ، فانّه على هذا لا يفرق بين كر وأكرار ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ، فالمنع مختص بالقليل .

   بل إن رواية عبدالله بن سنان (1) التي هي سند القول بالمنع إنما دلت ـ  على تقدير تسليم دلالتها  ـ على عدم جواز رفع الحدث بالماء الذي اغتسل به الجنب أو اُزيل به الخبث ، ومن الظاهر أن هذا كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره)(2) يختص بالماء الذي مسّ بدن الجنب وأصابه ، إذ لو لا مماسته وإصابته للبدن إما بوروده على الماء أو بورود الماء عليه لم يصدق عليه أنه ماء اغتسل به الجنب ، ومن الظاهر أن ذلك لا يصدق في مثل البحر والنهر والخزانة ونحوها إلاّ على خصوص الناحية التي اغتسل فيها الجنب ، ولا يصدق على الناحية الاُخرى التي لم يمس بدنه ولا أصابه فهل ترى صدق عنوان الاغتسال به على كأس منه إذا أخذناه من غير الناحية التي اغتسل فيها الجنب . وكذا الحال فيما إذا صبّ الكر على بدنه ، لأن ما ارتفع به حدثه ، واغتسل به هو المقدار الذي مسّ بدنه دون غيره .

   نعم ، لو كانت العبارة المذكورة في الرواية «اغتسل فيه» بدل جملة «اغتسل به» لصدق ذلك على جميع ماء النهر فانّه ماء اغتسل فيه الجنب . فعلى هذا فالمقتضي للمنع في غير الطرف الذي اغتسل فيه الجنب قاصر في نفسه ، بل نقول إذا كان الماء القليل في ساقية طولها عشرون ذراعاً مثلاً ، واغتسل الجنب في طرف منه لا يصدق على الطرف الآخر عنوان الماء الذي اغتسل به جنب ، وكذا فيما إذا استنجى أو غسل ثوبه في ناحية منه ، وعليه فالمنع يختص بالأجزاء التي مست بدن الجنب عرفاً دون غيره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمة في ص 283 .

(2) كتاب الطهارة :  58 السطر 19 .

ــ[327]ــ

   ثم لو تنزّلنا عن ذلك فهناك صحيحتان قد دلتا على عدم المنع من استعمال الماء الكثير في غسل الجنابة وإن اغتسل به الجنب .

   إحداهما : صحيحة صفوان بن مهران الجمال قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحمير ، ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها ؟ قال : وكم قدر الماء ؟ قال : إلى نصف الساق وإلى الركبة ، فقال : توضأ منه» (1) وذلك لوضوح أنه لا موضوعية لبلوغ الماء نصف الساق أو الركبة بل المراد بذلك بلوغه حدّ الكر ، فان الماء الذي يرده الجنب في الصحاري ويغتسل فيه يبلغ حدّ الكر لا محالة ، وقد رخّص (عليه السلام) في رفع الحدث به ، وإن اغتسل فيه الجنب .

   وثانيتهما : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ، ويستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ما حدّه الذي لا يجوز ؟ فكتب لا توضأ من مثل هذا إلاّ من ضرورة إليه» (2) والوجه في الاستدلال بها أن النهي فيها محمول على الكراهة ، لعدم الفرق عند القائلين بالمنع بين حالتي التمكن والاضطرار .

   وقد ورد في رواية محمّد بن علي بن جعفر المتقدمة(3) «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه ...» (4) وهي أيضاً قرينة على إرادة الكراهة من النهي في الصحيحة المتقدمة ، لأنها في مقام الإرشاد إلى التحفظ من سراية الجذام .

   ثم إنه إذا بنينا على أن الماء الذي رفع به الحدث الأكبر أو استعمل في إزالة الخبث لا يجوز استعماله في رفع الحدث ثانياً ، وقلنا باختصاص هذا الحكم بغير الكر من جهة الصحيحتين فلا موجب للتعدي من الكر إلى غيره من المعتصمات ، لأن الدليل قد دلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 162 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12 .

(2) الوسائل 1 : 163 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 15 .

(3) في ص 280 .

(4) الوسائل 1 : 219 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2 .

ــ[328]ــ

   [ 142 ] مسألة 9 : إذا شكّ في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم (1) .

   [ 143 ] مسألة 10 : سلب الطهارة أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو الخبث، استنجاءً أو غيره ، إنما يجري في الماء القليل دون الكر فما زاد كخزانة الحمّام ونحوها(2).

   [ 144 ] مسألة 11 : المتخلّف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر فلو اُخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة. وكذا ما يبقى في الاناء بعد إهراق ماء غسالته(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باطلاقه على المنع من رفع الحدث بكل ماء استعمل في غسل الجنابة أو في رفع الخبث ، وإنما خرجنا عن هذا العموم بهاتين الصحيحتين في خصوص الكر ، وأمّا بقية المعتصمات فلم يقم على عدم المنع منها دليل ، فان اعتصام ماء وعدم انفعاله لا ينافي عدم جواز استعماله في رفع الحدث ، فالمطر وذو المادّة وإن كانا لا ينفعلان بشيء إلاّ أن ذلك لا يوجب ارتفاع الحدث بهما فيما إذا صدق عليهما عنوان الماء المستعمل في غسل الجنابة أو في رفع الخبث ، اللّهمّ إلاّ أن يقوم إجماع قطعي على عدم الفرق في ذلك بين الكر وغيره من المياه المعتصمة .

   (1) قد عرفت أن طهارة ماء الاستنجاء مشروطة بعدم وصول نجاسة خارجية إليه فان أحرزنا ذلك فهو ، وأمّا إذا شـككنا في إصابتها فالأصل أنه لم يلاق نجاسـة اُخرى وأنها لم تصل إليه ، وبالجملة النجاسة التي قد استنجى منها غير مؤثرة في نجاسة الماء ، وغيرها مدفوع بالأصل .

   (2) هذا على سبيل منع الخلو ، يريد بذلك سلب الطهارة والطهورية عن بعض أقسامه وسلب الطهورية عن بعضها الآخر ، ولكنه تكرار للمسألة المتقدمة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net