أقلّ عدد تنعقد به الجماعة - عدم اشتراط نيّة الإمامة في غير الجمعة والعيدين - اعتبار نيّة الائتمام للمأموم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5384


ــ[49]ــ

   [1875] مسألة 8: أقلّ عدد تنعقد به الجماعة - في غير الجمعة والعيدين - اثنان أحدهما الإمام(1) سواء كان المأموم رجلا أو امرأة (2).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدا صلاة الاستسقاء، والقدر المتيقّن من التخصيص هو ما إذا ائتمّ فيها بمثلها فيرجع في غير ذلك إلى إطلاق دليل المنع. وأمّا صلاة العيدين فقد مرّ(1) أنّ مشروعيّة الجماعة فيها ليست من باب الاستثناء، لكونها فريضة بالذات.

 ما تنعقد به الجماعة:

   (1) بلا خلاف، لصحيح زرارة قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجلان يكونان جماعة؟ فقال: نعم، ويقوم الرجل عن يمين الإمام»(2).

   وما رواه الشيخ (قدس سره) باسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن العلاء عن محمد عن أحدهما (عليهما السلام) «قال: الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه، يقوم عن يمينه، فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه»(3).

   (2) وقد استدلّ له بخبر محمد بن يوسف عن أبيه قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الجهنيّ أتى النبىّ (صلى الله عليه وآله)... - إلى أن قال - فقال: يا رسول الله فانّ ولدي يتفرّقون في الماشية فأبقى أنا وأهلي فاُؤذّن واُقيم واُصلّي بهم، أفجماعة نحن؟ فقال: نعم...»(4).

   ورواية الحسن الصيقل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «سألته كم أقلّ ما تكون الجماعة؟ قال: رجل وامرأة»(5).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 37.

(2) الوسائل 8: 296 / أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 1.

(3) الوسائل 8: 341 / أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1، التهذيب 3: 26 / 89.

(4) الوسائل 8: 296 / أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 2.

(5) الوسائل 8: 298 / أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 7.

ــ[50]ــ

   لكنّ الرواية الاُولى ضعيفة السند، فانّ محمد بن يوسف الصنعاني وإن كان ثقة لكن والده - الذي يروي عنه - لم يوثّق. وكذلك الرواية الثانية فانّها ضعيفة السند بالحسن الصيقل وبأبي مسعود الطائي الواقع في السند. فلا يصح الاستناد إليهما.

   نعم، يمكن الاستدلال له بالروايات الواردة في إمامة الرجل لأهله كصحيحة الفضيل عن أبي جعفر(عليه السلام) «أنّه قال: المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة والتطوّع وتأتمّ به في الصلاة»(1).

   والاستشهاد بذيل الرواية، وأمّا صدرها فناظر إلى تحديد المكان وعدم وقوفها بحيال الرجل كما لا يخفى، وقد أشار إليه صاحب الوسائل (قدس سره) أيضاً.

   وصحيحته الاُخرى قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): اُصلّي المكتوبة باُمّ علي؟ قال: نعم، تكون عن يمينك، يكون سجودها بحذاء قدميك»(2) المؤيّدتين بغيرهما.

   ويمكن الاستدلال له أيضاً باطلاق قوله (عليه السلام): صلّ خلف من تثق بدينه(3). فانّ الرجل غير مخاطب بما هو رجل، بل بما هو أحد المكلّفين، فيعمّ الحكم الاُنثى أيضاً كما لا يخفى.

   فالمرأة أيضاً مخاطبة بالصلاة خلف من تثق بدينه، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان معها غيرها وما لم يكن فليتأمّل.

   بل لو بنينا على جواز إمامة المرأة للنساء في الفرائض وحملنا النهي عن ذلك على الكراهة أمكن القول بجواز إمامتها لواحدة من النساء، تمسّكاً بالإطلاق المذكور، وإن كان هذا الفرض غير منصوص عليه، لاختصاص النصوص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)، (2) الوسائل 8: 332 / أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 1، 2.

(3) لم أظفر بهذا المضمون في الوسائل، والموجود في خبر [أبي علي بن] راشد قريب منه راجع الوسائل 8: 309 / أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 2.

ــ[51]ــ

بل وصبيّاً مميّزاً على الأقوى (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بامامتها للنساء، دون التنصيص على الفرض المذكور.

   (1) إذا كان الصبىّ إماماً فلا ريب في عدم الجواز حتّى على القول بمشروعيّة عباداته، لفقد النصّ وقصور الإطلاقات عن شمول المقام، والأصل عدم المشروعية. فلا يصح للرجل أو المرأة الاقتداء به وترتيب أحكام الجماعة على ذلك.

   وأمّا إذا كان مأموماً فقد قوّى الماتن (قدس سره) الجواز، بناء على مشروعيّة عباداته.

   بل قيل بالجواز حتّى على كونها تمرينية، استناداً إلى رواية أبي البختري عن الصادق (عليه السلام): «قال إنّ علياً (عليه السلام) قال: الصبىّ عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصفّ جماعة...»(1).

   ورواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبدالله (عليه السلام): «في الرجل يؤمّ النساء ليس معهنّ رجل في الفريضة؟ قال: نعم، وإن كان معه صبىّ فليقم إلى جانبه»(2).

   ولكنهما لضعف سنديهما غير صالحتين للاستدلال بهما فلا دليل على الصحّة بحيث يترتّب على ذلك أحكام الجماعة من رجوع كلّ من الإمام أو المأموم إلى الآخر عند الشكّ وغيره، بناءً على التمرينية.

   نعم، بناء على الشرعية - كما هو الصحيح - فالأقوى هو الجواز، تمسكاً باطلاق قوله (عليه السلام): صلّ خلف من تثق بدينه. حيث لا قصور في شموله للصبىّ المميّز، فانّه إذا وثق الصبىّ بدين الإمام شمله الإطلاق وانعقدت الجماعة، سواء كان معه غيره أم لم يكن، عملا بالإطلاق، فتدبّر جيداً.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 298 / أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 8.

(2) الوسائل 8: 342 / أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 5.

ــ[52]ــ

وأمّا في الجمعة والعيدين فلا تنعقد إلاّ بخمسة أحدهم الإمام (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وملخّص القول: أنّ اقتداء الصبىّ بالرجل لا يحقّق الجماعة بناء على التمرينية، لأصالة عدم المشروعيّة بعد عدم الدليل عليها. وأمّا على الشرعية فيشمله إطلاق قوله (عليه السلام): صلّ خلف من تثق بدينه. وبذلك يحكم عليه بالصحّة كما مرّ، هذا إذا كان الصبىّ مأموماً.

   وأمّا إذا كان إماماً فمقتضى الأصل هو عدم المشروعية أيضاً كما هو المعروف والمشهور، بل ادّعي قيام الإجماع على اعتبار البلوغ في الإمام، كما قد يساعده بعض الروايات أيضاً(1).

   نعم، نسب إلى الشيخ (قدس سره) وبعض من تبعه جواز إمامة المراهق البالغ عشر سنين(2) استناداً إلى موثّقة سماعة(3) ، وسيجيء البحث عن ذلك مستقصى إن شاء الله في فصل (شرائط إمام الجماعة)(4).

   والمقصود بالكلام هنا هو بيان أنّ مقتضى الأصل - وهو أصالة عدم المشروعية - مع الغضّ عن الأدلّة الاجتهادية إنّما هو البطلان مطلقاً.

   ولا يقاس المقام بالصورة السابقة حيث حكمنا فيها بالصحّة - بناءً على شرعية عبادات الصبىّ - عملا باطلاق قوله (عليه السلام): صلّ خلف من تثق بدينه. فانّ الصبىّ ما لم يوضع عليه قلم التكليف - كما هو المفروض - لا دين له حتّى يوثق به أو لا يوثق، فلا يشمله الإطلاق المذكور فتدبّر.

   (1) والكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [كموثّقة إسحاق بن عمار الواردة في الوسائل 8: 322/أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح7].

(2) [لاحظ المبسوط 1: 154، الخلاف 1: 553 المسأله 295، حيث لم يقيد ببلوغه عشراً].

(3) [المذكور في الأصل عمّار، والصحيح ما أثبتناه. الوسائل 8: 322 / أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 5].

(4) في ص 337.

ــ[53]ــ

   [1876 ]مسألة 9: لا يشترط في انعقاد الجماعة - في غير الجمعة والعيدين((1)) - نيّة الإمام الجماعة والإمامة (1)، فلو لم ينوها مع اقتداء غيره به تحقّقت الجماعة، سواء كان الإمام ملتفتاً لاقتداء الغير به أم لا، نعم حصول الثواب في حقّه موقوف على نيّة الإمامة (2). وأمّا المأموم فلابدّ له من نيّة الائتمام (3)، فلو لم ينوه لم تتحقّق الجماعة في حقّه وإن تابعه في الأقوال والأفعال، وحينئذ فان أتى بجميع ما يجب على المنفرد صحّت صلاته وإلاّ فلا.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 ما لا يشترط في الجماعة:

   (1) لعدم الدليل عليه في غير الجماعة الواجبة ممّا تتقوّم الصلاة بها كالجمعة والعيدين، فيكون المحكّم هو إطلاق قوله (عليه السلام): صلّ خلف من تثق بدينه(2). مضافاً إلى الإجماع والتسالم على ذلك، فمع اقتداء الغير به وإن لم ينو الإمامة تتحقّق الجماعة، بل حتّى وإن لم يكن ملتفتاً إلى الاقتداء.

   (2) بناءً على ما هو المحقّق في محلّه من كون الثواب من لوازم الإطاعة المتقوّمة بالقصد(3).

   (3) أىّ نيّة الملازمة للإمام في أفعاله بجعله قدوة يقتدي به، فانّ مفهوم الاقتداء والائتمام متقوّم بذلك.

   ومن هنا ورد أنّه «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به»(4) ، فانّ سند الرواية وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّ مضمونها مطابق للارتكاز، بل لعلّ ذلك من القطعيات الواضحة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي غير المعادة جماعة.

(2) وقد تقدّم في ص 50 عدم العثور على رواية بهذا اللفظ.

(3) ذكره في موارد منها ما في مصباح الاُصول2: 82، محاضرات في اُصول الفقه2: 139،396.

(4) المستدرك 6: 492 / أبواب صلاة الجماعة ب 39 ذيل ح 2، 1.

ــ[54]ــ

   فلا يكفي مجرّد المقارنة والمتابعة خارجاً ما لم ينضمّ إليها القصد المذكور، بل كانت بداع آخر كحفظ عدد الركعات فراراً من الوسوسة ونحو ذلك من الدواعي، حيث لا يصدق حينئذ عنوان الاقتداء والائتمام عرفاً، وهذا ظاهر لا سترة عليه، هذا في غير الجماعة الواجبة.

   وأمّا الواجبة فالمعروف هو اعتبار نيّة الإمامة في الإمام، كاعتبار نيّة الائتمام في المأموم، بلا كلام على ما سبق.

   وناقش فيه بعضهم، بل أحاله مطلقاً، نظراً إلى أنّ عنوان الإمامة والجماعة ممّا لا يمكن قصده من الإمام لا في المقام ولا في غيره، لخروجه عن قدرته واختياره، فانّ العنوان المذكور إنّما ينتزع من ائتمام الغير به، وواضح أنّ فعل الغير لا يكون تحت قدرته واختياره.

   نعم، فيما كانت الجماعة معتبرة في صحّة العمل - كالجمعة - لابدّ من وثوق الإمام بتحقّق الجماعة خارجاً رعاية للشرط، وأمّا لزوم قصد تحقّق ذلك فلا.

   وعلى الجملة: إنّ الإمام لا يمكنه أن يجعل نفسه إماماً، لعدم كونه فعله، وإنّما تتحقّق الإمامة بواسطة اقتداء الغير، وهو فعل غيره وخارج عن تحت قدرته ولا يعقل تعلّق القصد بفعل غير مقدور.

   أقول: إذا فرضنا توجّه الأمر نحو جماعة بصفة الاجتماع، بحيث كان لهذا الوصف دخل في تعلّق الحكم كالأمر باقامة مجلس العزاء أو الصلاة جماعة كان الوجوب المتعلّق بكلّ فرد مشروطاً لا محالة بحضور الآخرين وتهيئهم للارتباطية الملحوظة في هذا الفرض، كما يفصح عنه ما ورد في بعض روايات صلاة الجمعة من الأمر باقامتها إذا وجدوا من يخطبهم(1) ، وقوله (عليه السلام): «إذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم»(2).

   فالوجوب المتوجّه إلى كلّ فرد بما فيهم الإمام مشروط حدوثاً بتحقّق الاجتماع وحضور الباقين وتهيئهم، كما أنّه مشروط بقاءً بالائتمام خارجاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)، (2) الوسائل 7: 304 / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 6، 4.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net