الائتمام بشخص على أنّه زيد فينكشف كونه عمراً - نيّة كل من شخصين إمامة الآخر أو الائتمام بالآخر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4591


ــ[59]ــ

   [1879] مسألة 12: إذا نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو فان لم يكن عمرو عادلا بطلت جماعته (1) وصلاته أيضاً((1)) (2) إذا ترك القراءة أو أتى بما يخالف صلاة المنفرد، وإلاّ صحّت على الأقوى، وإن التفت في الأثناء ولم يقع منه ما ينافي صلاة المنفرد أتمّ منفرداً. وإن كان عمرو - أيضاً - عادلا ففي المسألة صورتان:

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والعدول عمّا بنى عليه سابقاً، وحينئذ فلا يكاد يكفي ظاهر الحال الفعلي المفيد للظنّ لا أكثر، لعدم الدليل على اعتبار مثله.

   وقد لا يحتمل العدول العمدي، وإنّما كان الترديد مستنداً إلى الغفلة في رفع اليد عمّا قد نواه سابقاً، فحينئذ لا يبعد الحكم بالصحّة، عملا بقاعدة التجاوز كما يقتضيه التعليل الوارد في بعض أخبارها: إنّه حين العمل أذكر(2) أو أقرب إلى الحق(3). فلأجل عموم العلّة يحكم بعدم الاعتناء باحتمال الغفلة في المقام.

   (1) بلا إشكال ولا خلاف، لفقد شرط الصحّة وهو عدالة الإمام.

   (2) المشهور والمعروف - بل قيل إنّه ممّا لا خلاف فيه - البطلان مطلقاً وهناك قولان بالتفصيل، أحدهما ما اختاره الماتن (قدس سره) والآخر ما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.

   ويستدلّ للمشهور بوجوه:

   أحدها: أنّ الصلاة جماعة تغاير الفرادى في طبيعتها، والمفروض بطلانها جماعة لفقد شرطها، والصلاة فرادى لم تكن مقصودة حسب الفرض. فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

   ويتوجّه عليه: أنّ هذا يتمّ على تقدير تغاير ما وقع وما قصد في الطبيعة والماهية، بحيث كانا طبيعتين متابينتين كما في الظهرين والأداء والقضاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل صحّت صلاته وإن ترك القراءة، إلاّ إذا أتى بما يوجب البطلان مطلقاً ولو سهواً.

(2) الوسائل 1: 471 / أبواب الوضوء ب 42 ح 7.

(3) الوسائل 8: 246 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 27 ح 3.

ــ[60]ــ

ونحوهما. فلو نوى الظهر ولم تكن ذمّته مشغولة إلاّ بالعصر، أو نوى الأداء ولم يدخل الوقت بعد وكان عليه القضاء، أو نوى القضاء ولم تكن عليه بل كان عليه الأداء لم يحتسب المأتي به عمّا اشتغلت به الذمّة في جميع ذلك، لما ذكر من أنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

   وأمّا الجماعة والفرادى فليستا من هذا القبيل، فانّهما من الخصوصيات الفردية والحالات الطارئة على الطبيعة مع اتّحاد الصلاتين في الطبيعة النوعيّة كيف ولم يفرض على المكلّف في كلّ يوم إلاّ خمس طبائع من الصلاة.

   فصلاة الظهر مثلا طبيعة واحدة يكون لها فردان، أحدهما الظهر جماعة والآخر فرادى، غايته أنّ أحدهما أفضل من الآخر، لما في الخصوصية اللاحقة من الرجحان والمزيّة، من دون تأثير لذلك في تعدّد الطبيعة وتغايرها، كما هو الحال في سائر الخصوصيات الزمانية والمكانية التي لا يستوجب تخلّفها البطلان بلا إشكال.

   فإذا صلّى باعتقاد أنّ المكان مسجد أو باعتقاد كونه في أوّل الوقت، فكان قاصداً الصلاة في المسجد أو في أوّل الوقت فانكشف الخلاف بعد ذلك لم يضرّ بصحّة الصلاة بزعم أنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، وكذلك الحال فيما نحن فيه حرفاً بحرف.

   والسرّ في الجميع ما عرفت من أنّ هذه الخصوصيات بأجمعها من عوارض الفرد، وخارجة عن حريم الماهية، وأنّه لا تخلّف إلاّ في الفرد ولا ضير فيه دون الطبيعة، لكونها مقصودة ولو في ضمن الفرد. فالواقع مقصود والمقصود واقع.

   ثانيها: أنّ الجماعة الفاقدة للشرط غير مشروعة، فقصدها تشريع محرّم موجب لفساد العمل.

   وفيه ما لا يخفى، فانّ التشريع عبارة عن إسناد شيء لا يعلم به إلى الشارع، وهذا لا ينطبق على المقام، حيث إنّه يعتقد الصحّة ووجود الأمر

 
 

ــ[61]ــ

لاعتقاده عدالة الإمام حسب الفرض، فلا موضوع للتشريع المحرّم في مفروض الكلام. ومن الواضح: أنّ مجرّد الائتمام الواقع في غير محلّه العاري عن عنوان التشريع المحرّم غير موجب للبطلان، وعلى تقدير الشكّ فيه تكفي أصالة البراءة.

   ثالثها: - وهو العمدة - الإخلال بالقراءة عامداً، ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، فانّه بعد بطلان الجماعة وتبيّن عدم التحمّل قد حصل الإخلال بها.

   ولا سبيل إلى التصحيح بقاعدة لا تعاد...، لاختصاصها بصورة الغفلة وعدم الالتفات إلى الترك حين العمل، دون المقام الذي كان ملتفتاً إلى ترك القراءة، لفرض تركه لها عامداً وإن كان معذوراً فيه لاعتقاده عدالة الإمام وتحقّق الجماعة، فمثله غير مشمول للقاعدة.

   ويردّه: أنّ الحديث لا تقييد فيه، وإن أصرّ المحقّق النائيني (قدس سره) على اختصاصه بالناسي(1)، لكن الظاهر عمومه لمطلق التارك ما عدا العامد عن غير عذر، لا لمجرّد الإجماع على خروج هذا الفرد، بل لقصور الحديث عن الشمول لمثله في حدّ نفسه.

   فانّ المتبادر إلى الذهن من التعبير الوارد في الحديث هو الاختصاص بما لو أخلّ بالجزء أو الشرط ثم انكشف الخلاف، فكانت الإعادة نفياً أو إثباتاً مسبّبة عن انكشاف الخلاف، بحيث لو لم يكن ذلك واستمرّ الجهل لم يكن هناك مقتض للإعادة، فانّ التعبير بالإعادة بنفسه يقتضي ذلك كما لا يخفى.

   وأمّا المتعمّد العاصي فلا يتصوّر انكشاف الخلاف في حقّه، لكونه يدري من الأوّل بالإفساد والإخلال، فلا معنى للحكم عليه بالإعادة أو بعدمها.

   وأمّا ماعدا ذلك سواء أكان الإخلال غفلة أم جهلا أم عمداً مع العذر - كما في المقام - فلا قصور في شمول إطلاق الحديث له بعد عدم وجود ما يقتضي التقييد بغير الملتفت.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الصلاة 3: 5.

ــ[62]ــ

   والذي يكشف عمّا ذكرناه - من شمول الحديث للعامد المعذور في الترك - ما تسالموا عليه ظاهراً من الحكم بالصحّة فيما لو صلّى خلف زيد مثلا بخصوصه باعتقاد عدالته ثمّ بان فسقه، فانّه قد ترك القراءة حينئذ عمداً وعن التفات لكن معذوراً فيه من جهة اعتقاده صحّة الجماعة. فلولا شمول الحديث له لما أمكن تصحيحه.

   وكذا لو صلّى خلفه باعتقاد إسلامه فبان كفره، كما ورد النصّ به أيضاً(1). وكذا لو صلّى منفرداً وتخيّل أنّ الركعة التي بيده هي الثالثة فسبّح فيها ثمّ تذكّر في الركوع أنّها الثانية، فقد ترك القراءة عن علم والتفات باختياره التسبيحات غايته أنّه كان معذوراً في ذلك للتخيّل المذكور، فانّه لا إشكال في الحكم بصحّة الصلاة عملا بالحديث المزبور.

   وعلى الجملة: ترك القراءة في المقام غير قادح بعد تكفّل الحديث بتصحيح الصلاة الفاقدة لها. فلا موجب للبطلان من هذه الجهة.

   وممّا ذكرناه يظهر ضعف ما اختاره الماتن من الحكم بالبطلان إذا ترك القراءة.

   نعم، يتّجه ذلك فيما إذا أتى بما يخالف صلاة المنفرد، أي كان ممّا يوجب البطلان مطلقاً كما لو زاد ركناً كركوع أو سجدتين لأجل متابعة الإمام، أو عرضه أحد الشكوك الباطلة كالشكّ بين الواحدة والثنتين أو الثنتين والثلاث قبل إكمال السجدتين، أو الصحيحة ولكنّه لم يعمل بمقتضاها كما لو شكّ بين الثلاث والأربع ورجع إلى الإمام ولم يأت بصلاة الاحتياط بعد الفراغ، فانّ الصلاة في هذه الفروض بحسب الحقيقة صلاة فرادى وإن لم يعلم المصلّي بها فيلحقها حكمها.

   فظهر أنّ الأقوى هو التفصيل بين ما إذا أتى بما يوجب بطلان الصلاة فرادى مطلقاً ولو سهواً بأن أخلّ بما هو وظيفة المنفرد كزيادة الركن أو عروض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 374 / أبواب صلاة الجماعة ب 37.

ــ[63]ــ

   إحداهما: أن يكون قصده الاقتداء بزيد وتخيّل أنّ الحاضر هو زيد(1) وفي هذه الصورة تبطل جماعته (2) وصلاته((1)) أيضاً إن خالفت صلاة المنفرد.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشكّ المبطل، وبين ما لم يكن كذلك وإن ترك القراءة، فيحكم ببطلان الصلاة في الأوّل دون الثاني.

   ولا مانع من ذلك بعد مساعدة الدليل إلاّ ما قد يتخيّل من مخالفته للإجماع المدّعى على البطلان مطلقاً كما سبق، ولكن من المعلوم أنّه ليس إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) بعد وضوح مستند المجمعين حسبما عرفت.

   (1) أي أنّه ائتمّ بالحاضر المقيّد بكونه معنوناً بعنوان زيد من باب التقييد ثمّ انكشف عدم تحقّق القيد خارجاً.

   (2) لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده، فانّ من قصد الائتمام به وهو زيد غير واقع، والواقع وهو عمرو لم يقصد الائتمام به، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

   والظاهر أنّ هذا فرض غير معقول، وأنّ المعقول في المقام ينحصر فيما سيأتي منه (قدس سره) من الفرض الثاني. فلا موقع للتقسيم.

   ولا يقاس ذلك بباب الإنشاءات من العقود والإيقاعات حيث يحكم فيها بالبطلان إذا كان بنحو التقييد دون الداعي، فلو زوج ابنته من زيد على أنّه تقىّ شريف ثرىّ بحيث كان اعتقاد اتّصافه بذلك من قبيل الداعي للتزويج، فتخلّف وظهر أنّه فاسق وضيع معدَم صح العقد. بخلاف ما لو باعه الشيء على أنّه ذهب فبان كونه نحاساً، فانّه يحكم ببطلانه، لتخلّف العنوان الذي قيّد به المبيع. وذلك لكون القياس مع الفارق.

   وتوضيحه: أنّ الأفعال على ضربين:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل تصحّ صلاته وجماعته على الأظهر.

ــ[64]ــ

   أحدهما: الأفعال الإنشائية المتعلّقة بالاُمور الاعتبارية كالملكية والزوجية ونحوهما.

   ثانيهما: الأفعال التكوينية المتعلّقة بالاُمور الخارجية كالأكل والضرب والقتل ونحو ذلك.

   أمّا القسم الأوّل: فتارة يتعلّق الاعتبار بعنوان خارجي محقّق، لكنّه كان بداع من الدواعي انكشف فيما بعد تخلّفه، وأنّ تلك الغاية الداعية إلى الفعل لم تكن مطابقة للواقع كما في مثال التزويج المتقدّم، وكما لو اشترى العبد المعيّن على أن يكون كاتباً فبان عدمه.

   ففي مثل ذلك لا موجب للبطلان بعد أن كان المقصود وما تعلّق به الاعتبار والإنشاء متحقّقاً في الخارج، وهو الزوج أو العبد الذي هو طرف لعلقة الزوجية أو الملكية. ولا أثر لتخلّف الوصف الداعي إلاّ الخيار فيما إذا كان اعتباره بلسان الاشتراط ضمن العقد مع قابلية المحلّ له، بخلاف مثل النكاح
حيث لا يثبت الخيار فيه مطلقاً.

   وعلى الجملة: فانشاء العقد لم يكن معلّقاً على ثبوت الوصف، وإلاّ كان من التعليق في الإنشاء المجمع على بطلانه، وإنّما كان الالتزام بالعقد معلّقاً عليه ونتيجته هو الخيار عند التخلّف في المحلّ القابل.

   واُخرى: يتعلّق الاعتبار بعنوان غير واقع خارجاً، كما لو باع هذا الكتاب مشيراً إليه بعنوان أنّه كتاب المكاسب فبان أنّه كتاب المطوّل، أو باعه القطعة الخاصّة على أنّها ذهب فبانت نحاساً، ففي أمثال ذلك لا مناص من الحكم بالبطلان، فانّ المنشأ معلّق على عنوان لا واقع له، وما هو الواقع لم يقع متعلّقاً للاعتبار والإنشاء. فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

   وقد تقرّر في محلّه(1) أنّ التعليق في المنشأ أمر معقول وجائز، فقد ينشأ العقد مطلقاً، وقد ينشأ معلّقاً على شيء كما في الوصية التمليكية، بل إنّ التعليق في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقاهة 3: 66.

ــ[65]ــ

المنشأ ممّا لا مناص منه بالنسبة إلى ما يرجع إلى الذات ويعدّ من المقوّمات كعنوان الذهب وكتاب المكاسب ونحوهما ممّا يتقوّم به المبيع، وليس هو على حدّ التعليق على الاُمور الخارجية الأجنبية عن المنشأ بالعقد، الذي ادّعي الإجماع على بطلانه.

   فيرجع قوله: بعتك هذا الشيء على أن يكون ذهباً، أو... هذا الذهب. إلى قوله: إن كان هذا ذهباً فقد بعته. لوضوح أنّ الموضوع لابدّ وأن يكون مفروض الوجود عند ورود الحكم عليه، ومرجع فرضه كذلك إلى التعليق.

   وعليه فمع عدم حصول المعلّق عليه لا إنشاءَ ولا قصدَ، فلا عقد، ونتيجته طبعاً هو البطلان.

   وأمّا القسم الثاني: أعني الأفعال التكوينية، فحيث إنّ متعلّقها اُمور خارجية وهي اُمور جزئية وشخصية فلا يعقل في مثلها التعليق، إذ لا إطلاق ليقبل التقييد. فمن ضرب زيداً مثلا باعتقاد أنّه فاسق، أو قتله بتخيّل كونه كافراً، أو شرب شيئاً بزعم كونه ماء ثمّ انكشف الخلاف فقد تحقّق الفعل في جميع ذلك خارجاً، تحقّقت تلكم العناوين أم لا، إذ لا يعقل كون الضرب الشخصي أو القتل أو الشرب معلقاً على عناوين الاُمور المذكورة ومتقيّداً بها كما كان هو الحال في الاُمور الاعتبارية.

   وكيف يمكن القول بأنّ الضرب الصادر في المثال معلّق على تقدير الفسق وأنّه على تقدير العدالة لم يتحقّق الضرب منه أصلا، وهو فعل تكويني وجزئي خارجي تعلّق بأمر جزئي خارجي مثله، وقد صدر منه ذلك على كلّ حال كان المضروب فاسقاً أم كان عادلا.

   وكذا الحال في الأمثلة الاُخرى، بل وحتّى في الأفعال القصدية كالتعظيم والتحقير ونحوهما، فمن قام لزيد تعظيماً بتخيّل أنّه عالم، أو أهانه بتخيّل أنّه فاسق أو جاهل فبان الخلاف فقد تحقّق منه التعظيم بقصده أو الإهانة على كلّ حال، لا أنّ القصد قد تحقّق منه على تقدير دون آخر.

ــ[66]ــ

   الثانية: أن يكون قصده الاقتداء بهذا الحاضر ولكن تخيّل أنّه زيد فبان أنّه عمرو، وفي هذه الصورة الأقوى صحّة جماعته وصلاته (1). فالمناط ما قصده لا ما تخيّله من باب الاشتباه في التطبيق.

   [1880] مسألة 13: إذا صلّى اثنان وبعد الفراغ علم أنّ نيّة كلّ منهما الإمامة للآخر صحّت صلاتهما، أمّا لو علم أنّ نيّة كلّ منهما الائتمام بالآخر استأنف كلّ منهما الصلاة إذا كانت مخالفة لصلاة المنفرد (2).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ففي جميع ذلك لا أثر لانكشاف الخلاف إلاّ في ظهور تخلّف الداعي الباعث على العمل، دون تخلّف نفس الفعل.

   وعلى الجملة: الفعل التكويني الخارجي جزئي حقيقي غير قابل للتقسيم والتنويع حتّى يعقل فيه التقييد والتعليق.

   وعليه فالائتمام في مفروض الكلام فعل خارجي، وهو عبارة عن متابعة الإمام في أفعاله، فيقوم حيث يقوم الإمام، ويركع حيث يركع وهكذا، ومثله غير قابل للتعليق والتقييد، ولا يكون التخلّف في مورده إلاّ من باب التخلّف في الداعي.

   فالمتعيّن في مثل المقام الحكم بصحّة الجماعة، فضلا عن صحّة أصل الصلاة حيث إنّه نوى الاقتداء بشخص صالح لذلك، غايته أنّه تخيّله زيداً العادل بحيث لو علم أنّه عمرو العادل لم يكن ليأتمّ به لغرض من الأغراض.

   (1) قد عرفت آنفاً الوجه في ذلك، كما عرفت انحصار المتصوّر المعقول في مثل المقام بهذه الصورة.

   (2) التفصيل المذكور في المتن هو المعروف والمشهور بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع.

   والمستند فيه ما رواه الكليني (قدس سره) بسنده عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبدالله عن أبيه (عليهما السلام) «قال قال أميرالمؤمنين (عليه السلام)

ــ[67]ــ

في رجلين اختلفا فقال أحدهما: كنت إمامك، وقال الآخر: أنا كنت إمامك، فقال: صلاتهما تامّة، قلت: فان قال كلّ واحد منهما: كنت ائتمّ بك ؟ قال: صلاتهما فاسدة، وليستأنفا»(1).

   ولا يخفى أنّ الحكم في الشقّ الأوّل ممّا لا إشكال فيه، لمطابقته للقاعدة، فانّ الإمام يأتي بوظيفة المنفرد ولا يترك شيئاً ممّا يجب عليه، وقد عرفت أنّ الإمامة منتزعة من ائتمام الغير به، وليست فعلا من أفعاله كي يعتبر قصدها. فتخيّل كلّ منهما أنّه هو الإمام لا يضر بصحّة صلاته كما هو واضح.

   وأمّا في الشقّ الثاني فقد ناقش فيه صاحب المدارك (قدس سره)(2) بكونه على خلاف القواعد، فانّ ترك القراءة لا يوجب البطلان بمقتضى حديث «لاتعاد الصلاة...»(3)، حيث لا قصور في شموله لمثله وإن كان عمدياً بعد كونه معذوراً فيه، فمقتضى القاعدة هي الصحة. وليس بازاء ذلك ما يوجب الخروج عنه عدا رواية السكوني المتقدّمة، ولكنّها ضعيفة السند جداً، فلا يعتمد عليها.

   أقول: أمّا الرواية فيمكن القول بعدم اعتبارها، ولا سيما على مسلكه (قدس سره) من عدم الاعتماد إلاّ على الصحيح الأعلائي، فانّ السكوني وإن وثّقه الشيخ (قدس سره) في العدّة(4) لكنه عامىّ، وهو (قدس سره) لا يعتمد إلاّ على العدل الإمامي، وأمّا النوفلي فلم يرد فيه توثيق أصلا.

   وأمّا على مسلكنا من كفاية الوثاقة والاعتماد على ما ورد في أسناد كامل الزيارات فالرواية معتبرة، لتوثيق السكوني كما عرفت، وورود النوفلي في أسناد كامل الزيارات(5)، وليس في السند من يتوقّف فيه غيرهما.

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 352 / أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1، الكافي 3: 375 / 3.

(2) المدارك 4: 334.

(3) الوسائل 1: 371 / أبواب الوضوء ب 3 ح 8.

(4) العدّة 1: 56 السطر 13.

(5) ولكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة، وقد بنى (دام ظله) أخيراً على اختصاص التوثيق بهم. إذن فلا توثيق من هذه الناحية، نعم هو من رجال تفسير القمي فيحكم بوثاقته لأجل ذلك.

ــ[68]ــ

   وكيف كان، فتوصيف الرواية بالضعف خاصّة مع تأكيده بكلمة (جدّاً) في غير محلّه، إذ غايته عدم الاعتبار لعدم توثيق بعض رواتها لا الرمي بالضعف لعدم ورود قدح أو تضعيف في أىّ واحد من رجال سندها.

   على أنّها معتبرة على مسلك المشهور القائلين بانجبار الضعف بالشهرة، فانّ من المطمأنّ بل المقطوع به استناد المشهور إليها في الفتوى المذكورة، بل الموجب لتحريرهم المسألة وتعرّضهم لها هي هذه الرواية، وإلاّ فالفرض نادر الوقوع خارجاً جدّاً ولا سيما الشقّ الثاني منه، حيث إنّه من الندرة بمكان، بل كاد يلحق بالممتنع، ضرورة أنّ الائتمام يتقوّم بمتابعة الإمام في كافّة الأفعال
فكيف يعقل أن يأتمّ كلّ واحد منهما بالآخر بأن يتابعه في أفعاله كلّها، فانّ لازمه أن يكون كلّ منهما تابعاً ومتبوعاً، وهو على حدّ الجمع بين المتقابلين كما لا يخفى.

   وكيف ما كان، فلا شكّ في استناد الأصحاب (قدس سرهم) إلى هذه الرواية، الموجب لانجبار ضعفها على القول باعتبار الانجبار، هذا ما يرجع إلى السند.

   وأمّا الدلالة فظاهرها وإن كان إناطة الحكم صحة وفساداً بمجرّد إخبار كلّ منهما الآخر بالإمامة أو المأمومية، إلاّ أنّه غير مراد قطعاً، لعدم احتمال أن يكون لمجرّد القول والإخبار دخل في الحكم على سبيل الموضوعية حتّى مع القطع بكذبه أو البناء على عدم حجّية قول الثقة في الموضوعات.

   فلا محالة يكون اعتبار القول من باب الطريقية والكاشفية، وتكون العبرة بالواقع، فيكون مفادها الحكم بالبطلان في فرض ائتمام كلّ منهما بالآخر المنكشف ذلك باخبارهما بعد الفراغ أو من طريق آخر ولو لم يكن إخبار منهما، والحكم بالصحّة في فرض إمامة كلّ منهما للآخر المنكشف كذلك أيضاً.

ــ[69]ــ

   وحيث إنّ المأمومية تستلزم ترك القراءة غالباً لكونه من اللوازم العادية لها، كما أنّ الإمامة تلازم الإتيان بها، فالرواية محمولة - بطبيعة الحال - على هذا الفرد الغالب، فهي تدلّ على البطلان في خصوص ما لو كان المأموم تاركاً للقراءة كما هو المتعارف في الجماعة، بل إنّه قد لا تشرع القراءة فيها كما في الجهرية عند سماع قراءة الإمام أو همهمته.

   وأمّا الفرد النادر وهو المأموم الذي أتى بالقراءة استحباباً كما في الصلوات الإخفاتية أو الجهرية مع عدم سماع القراءة ولو همهمة فالرواية منصرفة عنه قطعاً، والصلاة حينئذ تكون محكومة بالصحّة.

   ولا مانع من الالتزام بالبطلان في خصوص الصورة [الاُولى] بعد مساعدة الدليل عليه، وإن كان ذلك خلاف القاعدة المستفادة من حديث «لا تعاد الصلاة...» القاضية بالصحّة، بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث لأمثال المقام ممّا كان الترك العمدي عذرياً.

   فانّ غايته التخصيص في الحديث المذكور بالرواية المعتبرة، وهذا ممّا لا غرو فيه بعد ملاحظة ورود التخصيصات الاُخر عليه، ومنها ما لو كبّر من كانت وظيفته القيام جالساً سهواً أو بالعكس، المحكوم عليه بالبطلان بمقتضى الدليل الخاص، الموجب لتخصيص الحديث المذكور الذي مقتضاه الصحّة، وغيره من الموارد الكثيرة. فكم من تخصيص ورد على الحديث، فليكن المقام من جملة ذلك.

   والحاصل: أنّا نلتزم بأنّ ترك القراءة ممّن يأتمّ بمن يأتمّ هو به أيضاً - كما تضمّنه النصّ المتقدّم - يوجب البطلان، للنصّ المذكور، وإن كان مقتضى حديث «لا تعاد الصلاة...» صحّته.

   ومنه تعرف أنّ موضوع الحكم بالبطلان الذي دلّ عليه النصّ إنّما هو ترك القراءة حال الائتمام بالغير، المقارن لائتمام الغير به أيضاً بحيث يتقارن الائتمامان فلا بطلان إلاّ مع انضمام أحد الائتمامين إلى الآخر ومقارنته له. فلو ائتمّ هو




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net